مجلة الرسالة/العدد 141/الهاربون من القضاء
→ أندلسيات: | مجلة الرسالة - العدد 141 الهاربون من القضاء [[مؤلف:|]] |
من الشعر الرمزي ← |
بتاريخ: 16 - 03 - 1936 |
للأستاذ عبد الرحمن شكري
أتظل موهون الجنانِ مروَّعاً ... قلِقاً من الآفات والأقدار
تخشى الحياة ولست تخشى ميتة ... هبها نصيب الموت في الإصغار
قلقاً تُطِلُّ على الحياة كأنما ... منها وقفت على الشفير الهاري
تخشى الحياة وكذبها وسَفالها ... وصيا لها في قسوة الغَدَّار
والحي يأكل من حياة مثيله ... لحسن الضواري للدم المدرار
وتطاول المغمور ينحو نابها ... كتطاول الغرقان في التيار
متشبثاً منه بعِطَفْي سابح ... ليجره لمهالك وبوار
كل يخال الدهر إن هو عاقه ... خطب الجميع بقاصم الأعمار
والموت يعصف بالدهور وأهلها ... فكأنها صور الخيال الساري
فعلام تخضع للتناكص والأسى ... وتخاف حكم الله في المقدار
والقلب يلمسه الأسى فيهزه ... وكأنه وتر من الأوتار
وعلام ترتقب الزمان وصرفه ... والغيب وهو مُحَجَّبٌ متواري
عمري لو أن الغيب عاجل وانقضى ... لقرأته خبراً من الأخبار
فمن ترى صور الحياة صحائفا ... وكأنها سِفرٌ من الأسفار
لا إنها أمر تزاول صرفه ... وتظل تعدو منه في مضمار
أو تغتدي بين الأنام مغامراً ... تسعى على سنن لهم وشعار
فإذا أسيت أسيت طرفة ناظر ... وإذا نسيت نسيت كل عثار
وكذبت ما كذب الأنام ولم تجد ... في قسوة من خسة وشنار
ونسيت ما جلب الزمان لأهله ... من محنة أو مهلك ودمار
فتقول للقلب المَروع إذا نزا ... حذر الحياة وصولة الأشزار:
يا هارباً من صولة المقدار ... أتراك تفلت من يد الأقدار
أهرب إذا ما اسْطعْتَ في أزل الدُّنَى ... أو في مدى الآباد والأدهار
أو في الممات وما تلاقي خلفه ... بين الفناء ومعقل الأس تعدو ويدركك الذي خلَّفَته ... كالليل ليس يفر منه الساري
كلُّ من العيش المرَوَّعِ هارب ... لو فاز خلْقٌ في الدنى بفرار
بالفن أو بالعلم أو بمجانة ... أو بالسطا والجند والأنصاو
فإذا القضاء مآلهم ونفاذه ... كحصاد كل وسائل المختار
سل صفحة التاريخ كم قوم به ... أَجراه مجرى الدهر في مضمار
أقوام أدهار مضت بعض لها ... ذكرى وبعض مالها من داري
قد أُبدلوا طبع السَّفَال بأنفس ... من طبعها المتصاعد السَّوَّار
صاروا إذ اغَضبِوا وإن سُرُّوا وإن ... درجوا لأمرٍ ثالثٍ بمدار
يتمرَّغون مجانة فنفوسهم ... وجسومهم كمزابل الأقذار
وصموا الشباب ولم يكن من طبعه ... خلق اللئيم العاجز الغدَّار
إن الشباب مروءة وسذاجة ... وترفع ينبو عن الأوضار
تَخِذوا السَّفاَلَ مِجَنَّهُم ليصونهم ... من صولة الغلاَّب والمغوار
فغدا السَّفاَلَ سعادةً ومسرة ... عبث الخنا ومجانة الفجار
نبذوا الحياء وكيف ترجو أمة ... للنائبات مجانة العُهار
قد خِيلَ في فقد الحياء رجولة ... فقد الحياء رجولة الدُّعار
طبع المجانة عم حتى خلته ... كيداً يحاك عليهمُ بِسَرَارِ
أم وُرِّثوه عن الجدار غنيمة ... يطفو الذليل بها على الأقدار
ويُذِلُّ من عنت الحياة وضيمها ... بسعادة المجانِ والفجار
وتكايدوا كيد العبيد ولم يكن ... كتنابُذ بطبائع الأحرار
واستمرأوا مرعى الغباوة والخنا ... إلْفَ السجون لطول عهد إسار
هزموا الدهور الغازيات بهز لهم ... فمضت وظلوا رهن عُقْرِ الدار
فإذا الدهور جديدة قهَّارة ... وإذا اللئام فريسة الأدهار
درجوا على دَرَج الحياة إلى الردى ... من بعد جهلٍ راقهم وصَغارِ