الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 14/الثقافة المصرية وكيف تستفيد من ثقافة الجاحظ

مجلة الرسالة/العدد 14/الثقافة المصرية وكيف تستفيد من ثقافة الجاحظ

مجلة الرسالة - العدد 14
الثقافة المصرية وكيف تستفيد من ثقافة الجاحظ
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 01 - 08 - 1933

الأدبية والعلمية والسيكولوجية

للأستاذ مصطفى عبد اللطيف المحامي

دعونا في مقال نشر بالسياسة الأسبوعية إلى الرجوع إلى الثقافة العربية بدوية كانت أم حضرية وأهبنا بالمثقفين ثقافة عالية أن يصرفوا جهودهم إلى بعث تلك الثقافة وتغذية ثقافتنا المصرية بمادة مفيدة صالحة وذكرنا في ذلك المقال أسماء بعض زعماء الثقافة العربية. ومن بينهم أبو عثمان بن بحر الجاحظ أحد أعلام العصر العباسي ومن أكبر زعماء الفكر الإسلامي.

وها نحن نعود أولاء إلى هذه الدعوة وتأييد تلك الفكرة بذكر شيء من ثقافة الجاحظ الواسعة، تلك الثقافة التي يباهي بها العرب ويعجب لوفرتها الجيل الحاضر لأنها ثقافة تزيد في الوفرة على ثقافة جوت الألماني وديدرو الفرنسي ودستوفسكي الروسي وغيرهم من ذوي الثقافات الواسعة الرفيعة.

والحق أني بعد أن تصفحت جمهرة من مؤلفات الجاحظ وما كتب عنها لم أجد وصفا أصدق عليها من أنها كالبحر اللجب الزاخر تحوي الجوهر كما تحوي الصدف، فأنت إذا تناولت تلك المؤلفات ألفيت بحوثا شائقة في الأدب وملاحظات قيمة في العلم ومعلومات رائعة في سيكولوجية الإنسان والحيوان وأفكارا كالأمواج متزاحمة متلاحمة تشرق عليها أنوار الثقافات الفارسية واليونانية والهندية.

هي ثقافة ثرة متعددة النواحي يتطلب تصويرها كتبا مفردة ولكني سأحاول أن أتناول في اختصار ثلاث شعب منها، وهي ثقافة الجاحظ: الأدبية، والعلمية، والسيكولوجية. واكتفي برسم خطوط لتلك الثقافات تاركا إخراج صورة كاملة لها لمن هم أقدر مني عليها. وغايتي من المقال كما سبق إظهار روائع الثقافة العربية وبيان صلاحيتها لتغذية ثقافتنا المصرية، إذ فيها خير مادة لنا وخير ثقافة.

ثقافة الجاحظ الأدبية

ونحن إذا قلبنا البصر فيما صدر عن الجاحظ من المؤلفات الأدبية الكثيرة أدركنا قطعا نفع تلك المؤلفات لثقافتنا وصلاحيتها لتغذية إلهاماتنا. ويحتاج بحث هذه المؤلفات إلى كتاب مفصل. ولكني سأقصر بحثي على وصف رسالة الجاحظ الموسومة (بالتربيع والتدوير) وهذه الرسالة أعتقد أنها تكفي لرسم صورة تامة عن أدب الجاحظ وأسلوبه الرصين المونق ومعانيه البليغة وميله إلى خلط الجد بالهزل في كتاباته. وهذه الرسالة مدبجة في احمد بن عبد الوهاب من معاصري الجاحظ ومن ذوي النفوذ والمقربين لدى الخلفاء، وهي تمثل في أوضح بيان جمال الرصف والقدرة على ملكية العبارة. ومن المستحسن أن أصف هذه الرسالة وآتي بفقر منها: ابتدأ الجاحظ الرسالة بالقدح في احمد والزراية بعقله، وطرح عليه مائة سؤال منها الخفيف ومنها الثقيل ومنها الجدي ومنها المضحك حتى إذا ما آذاه وجرحه جرحا يكاد يقطر دما وأدرك فداحة ما صنع أسرع إلى قلمه فمسحه من الدم ودهنه بالمرهم ليأسو الجرح ويداوي ما بضع سنان القلم، فاخذ يقدم وجه العذر ويدير اليراع بالمغفرة ويزكي صفات احمد ويطنب في مدحه ويسرف. فها هو ذا يسم أحمد في مفتتح الرسالة بالادعاء وينعته بالجهل يقول: (كان احمد بن عبد الوهاب مفرط القصر ويدعي أنه مفرط الطول وكان جعد الأطراف قصير الأصابع وهو يدعي البساطة والرشاقة، وكان كبير السن متقادم الميلاد وهو يدعي انه معتدل الشباب حديث الميلاد. وكان ادعاؤه لأصناف العلم قدر جهله بها، وتكلفه للإبانة عنها على قدر غباوته فيها. . . وكان قليل السماع غمرا. . . يعد أسماء الكتب ولا يفهم معانيها ويحسد العلماء من غير أن يتعلق فيهم بسبب).

واستطرد يقول بعد كلام طويل فصيح: (فلما طال اصطبارنا حتى بلغ المجهود منا وكدنا نعتاد مذهبه ونألف سبيله، رأيت أن أكشف قناعه وأبدى صفحته للحاضر والبادئ وسكان كل ثغر وكل مصر بان أسأله عن مائة مسألة أهزأ به فيها وأعرف الناس مقدار جهله).

وأخذ يلقي عليه الاسئلة في خلال الرسالة ومنها قوله: (خبرني ما تقول في الفراسة؟ وما تقول في أسرار الكف؟ وما تقول في النظر في الأكتاف! وخبرني متى تستغني الحية عن الغذاء! ومتى ينتفع الضب بالنسيم! وخبرني ما السحر وما الطلسم وما الدنهش! وما قولهم في اللبان الذكر!؟).

وبعد أن سقاه سخراً وأشبعه تهكما وجعله ضحكة الضاحكين وهزأة الساخرين انبرى يشدو بذكره ويتغنى بمدحه مما يجعلنا نعجب من الجاحظ ومن تناقضه الظاهر ومن انقطاع الملابسة المنطقية بين هجو الفارط المفرط ومدحه اللاحق المفرط. استمع إليه يقول في مدح أحمد: (وهل على ظهر الأرض جميل حسيب أو عالم أديب إلا وظلك أكبر من شخصه وظنك أكثر من علمه، واسمك أفضل من مغناه، وحلمك أثبت من نجواه، وصمتك أفضل من فحواه!). . . ثم تأخذه الأنفة وتغطيه العزة فيتسامى على أحمد بالمعرفة ويتفاضل بالحكمة. يقول: ـ فأنت والله يا أخي تعلم علم الاضطرار وعلم الاختيار وعلم والأخبار أني أشد منك عقلا، واظهر منك حزما والطف كيدا وأكثر علما وأوزن حلما وأخف روحا وأكرم عينا. . . وأنت رجل تشدو من العلم وتنفق من الأخبار، وتموه نفسك وتعز من قدَّرك وتتهيأ بالثياب وتتنبل بالمراكب). . . وأخيرا يحس الجاحظ شدة ما ساقه من الذنب إليه فيعمد إلى تلطيفه ببيانه الساحر الجذاب فيقول: (فان أنت عاقبتني فقد رغبت عن النبل والبهاء، وعن السؤدد والسناء، وصرت كمن يشفي غيظا أو يداوي حقداً أو يظهر القدرة أو يحب أن يذكر بالصولة. ويشفع هذا بكلام يتنفس الملق والدهان يقول: (وأني لك بالعقاب وأنت خير كلك، ومن أين اعتراك المنع وأنت أنهجت الجود لأهله؟ وهل عندك إلا ما في طبعك؟ وكيف لك بخلاف عادتك؟).

وأكتفي بهذا الاقتباس الطويل الذي تعمدت أطالته لإثارة القارئ لتلاوة هذه الرسالة برمتها ليتذوق جمالها الفني وحلاوة عباراتها وعذوبة مائها، وهذه الرسالة عندي لا تمثل الجمال الفني للعبارة بل أنها تمثل جمال المعنى وبلاغته. وللجاحظ رسائل أخر شائقة متقدمة في الفصاحة متناهية في الرصانة والسلاسة والجزالة وهي آية قائمة على تفوق الرجل في أدب المقال وإحسانه فيه أقصى إحسان. والمجال يطول بذكر شيء عن هذه الرسائل ونسرد أسماء بعضها ليدرك القارئ كيف تنبه الجاحظ منذ قرون لمعالجة موضوعات تهز العواطف والمشاعر والانفعالات. فرسالة البخلاء تحوي قصصا غريبة عن بخلاء عصره وعاداتهم، ورسالة الحاسد والمحسود تهجن الحاسد وتذم انفعال الحسد. ورسالة (العشق والنساء) تصف عاطفة العشق وكيف يخنع لها الجبابرة وكيف خنع لها الحجاج الطاغية. وكتابه (المحاسن والأضداد) تناول فيه ذكر محاسن كثيرة من العواطف الفردية مثل عواطف الصدق والعفو والمودة والوفاء والشجاعة والسخاء وحب الوطن؛ ومدح فيه انفعال الغيرة وذمه في صفحات معدودة. وهذا الكتاب لا تظهر فيه شخصية الجاحظ الخلاقة لأن مادته منقولة عن الأعراب. وعلى العموم فمؤلفات الجاحظ الأدبية بجملتها تفتق اللسان وتقوي العارضة وتمدنا بثروة واسعة من التعابير الجميلة وتعطر أفئدتنا وتنعش صدورنا بمعانيها اللطيفة الفريدة. يقول المسعودي في هذا الصدد: (كتب الجاحظ تجلو صدأ الأذهان وتكشف واضح البرهان) ويقول ابن العميد: (كتب الجاحظ تعلِّم العقل أولاً والأدب ثانيا. . .)

ثقافة الجاحظ العلمية

ويعني ابن العميد بهذا القول أن يقول أن كتب الجاحظ تعلم العلم أكثر من أنها تعلم الأدب، والواقع أن كتب الجاحظ الأدبية لا العلمية تتضمن ملاحظات بارعة وإشارات دقيقة ومعلومات قيمة يمكن أن تبنى عليها بحوث علمية رائعة.

حدثني أحد المهتمين بالثقافة العربية أنه قرأ رسالة التفاح للجاحظ في مكتبة بألمانيا فوجد بها ملاحظات وتجاريب للجاحظ مدهشة منها أن الجاحظ كان يكتب بمادة كيمياوية بعض الأسماء على التفاحة قبل نضجها. فتظهر الأسماء على التفاحة بعد النضج، وكأنها خلقت على هذه الصورة وكأن الأسماء نقشت على التفاحة نقشا طبيعيا. وذكر أن الجاحظ أبان في هذه الرسالة كيف تتلون التفاحة في الطبيعة: فالقمر يخلع عليها اللون الأصفر والشمس تهبها اللون الأحمر. وهذه الحقائق لا أعلم مبلغ صدقها. ولكني أثبتها بقصد الإثارة للبحث عن هذه الرسالة ونشرها. ولا شك في أن رسائل الأدب لا تخلو من معلومات مفيدة للعلم فما بالنا بالرسائل والكتب العلمية مثل كتب: النبات، والمعادن، والكيمياء، والطب وغيرها التي لم نطلع عليها وا أسفاه إلى الآن، والتي أفاد منها الغربيون واستقوا آراءهم. فقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية أن كازويني وداميري اعتمدا في بحوثهما العلمية على كتاب الحيوان والنبات للجاحظ، ونحن وان كنا قد عثرنا في مطالعاتنا على طائفة من حقائقه العلمية فان هذه الحقائق تعتبر نقطة من محيط. وشعاع من شمس قد يهدف ذكرها في هذا الموضع إلى سوء التقدير وغباوة الحكم، ولهذا فإني اكتفي هنا بتوضيح مذهبه في البحث وطبعه العلمي وحبه للتحقيق والتدقيق. فها هو ذا يقدم لأحد كتبه في الحيوان بالتعوذ بالله من أن يدعوه شغفه بإتمام كتب الحيوان إلى أن يصل الصدق بالكذب أو يدخل الباطل في تضاعيف الحق. أو يتكثر بقول الزور أو يتلمس تقوية ضعفه باللفظ للحسن وستر قبحه بالتأليف المونق. وهذه الأقوال لا تصدر إلا من رجل وهب ضميرا علميا يزعه عن الأوهام وينزهه عن ذكر المغالط ويدعوه إلى التثبت من العلة وتنقية الثقة من الريبة، وتطهير الحجة من الشبهة.

وأنا لنراه في كتبه ومؤلفاته يستند كثيرا إلى التجربة ويعتمد على الملاحظة، فإذا ما أعوزته التجربة ولم تتيسر له الملاحظة رجع إلى ثقة من الثقات للمذاكرة فإذا لم يجد الثقة الذي يعتمد عليه ويتذاكر إليه ربأ به ضميره عن نقل المعارف نقلا مهما كان مصدرها. فها هو ذا في كتب الحيوان تناول ذكر كثير من الحيوان والطير والحشرات ورجع إلى ما كتب أرسطو في الحيوان، وأخذ عنه بعض ما حققه بنفسه أو قامت التجربة على صدقه. ورفض أن يثبت في كتبه معلومات غريبة عنه، فنراه مثلا لم يكتب شيئا عن (السمك) مع أن ارسطو أفاض وأشبع القول في هذا الموضوع. ولكن الجاحظ أبى أن ينقل عن ارسطو شيئاً في هذا البحث؛ وعلة ذلك انه لم تتوفر له الملاحظة عن السمك وعن طباعه وأحواله وأنه سأل البحريين عن بعض الحقائق الواردة في كتب ارسطو فلم يصل منهم على قول محقق؛ لهذا ترك هذا الباب كلية ولم يكتب فيه حرفا.

وأنا لنتمنى أن نجد مثقفا مصريا أو شرقيا يخصص نفسه؛ وينفق عمره في التنقيب عن كتب الجاحظ العلمية في مظان وجودها ومحال مكامنها. وينقلها إلينا ليخدم بذلك الثقافة المصرية. لأن البحوث التي لدينا عن الجاحظ كلها موجزة مجملة؛ وكلها تركت الناحية العلمية جانبا. فالسندوبي قصر بحثه الواسع على (أدب الجاحظ) وترك علمه. واستقى مادته من جمهرة صالحة من الكتب الأدبية، والأستاذ خليل بك مردم كتب بحثا مجملا مفيدا عن الجاحظ وثقافته. والأستاذ أحمد أمين كتب فصلا بديعا موجزا عن الجاحظ ومس الناحية العلمية مساً خفيفا. وليس من شك في أننا في حاجة إلى من يدرس الجاحظ درسا واسعا من جميع نواحيه. واليوم الذي نجد هذا الرجل هو اليوم الذي نقع فيه على ثقافة ممتعة، ونواح طريفة للتفكير العربي.

ثقافة الجاحظ السيكولوجية

ومن النواحي الطريفة لثقافة الجاحظ الناحية النفسية أو السيكولوجية. وهذه الناحية ماثلة بجلاء في طائفة من كتبه. وهي أشد ما تكون جلاء في كتب الحيوان السبعة. فقد تناول في هذه الكتب نفسيات الحيوان والطير والحشرات وتحدث عن أخلاقها وطباعها وعاداتها وضمنها معلومات عجابا وملاحظات دقاقا تشهد بسعة ثقافة الجاحظ وبأنه أنفق عمرا طويلا في معاشرة الطير ومؤالفة الحيوان ومراقبة الحشرات، وانه هام من أجل ذلك في الغياض وتوغل في بطون الأودية وركب البحار وسكن الصحاري ونبض قلبه مع النبات واهتز لسحر الطبيعة: ففي كلامه عن الحيوان تحدث عن نبالة الكلب وذكر انه يتخير أنبل موضع في المجلس، وتحدث عن القط وذكر انه لئيم خؤون وشره شديد الشراهة. وفي الوقت نفسه يؤثر أولاده بالأكل على نفسه!

وتكلم عن الديك وإيثاره الدجاج على نفسه في سن الشباب؛ فإذا هرم صار أنانيا لا يعرف إلا نفسه. وتكلم عن الفيل وجرأة قلبه وقوة عزمه بينما هو يفزع من القط فزعاً شديدا! وتكلم عن اليربوع وسعة حيلتها وانها علمت الفرس والروم الاحتيال واتخاذ المطامير على تدبير بيوتها. وأفاض في ذكر عداوة الحيوان بعضه لبعض، فالأسد عدو للكلب يشتهي لحمه والذئب يشتهي لحم الثعلب والثعلب يصيد القنفذ وهكذا. وفي الفصول التي عقدها عن الطير أفاض في ذكر الحمام والعصافير. فذكر أن العصافير لا تقيم في الدار إذا خرج أهلها منها وأنها شديدة العطف والبر بأولادها وتحتمل الأخطار في سبيل الذود عنها. وتحدث عن الحمام فذكر حبه للناس وأنس الناس به وأنه لا يهجر الدار إذا هجرها أهلوها وأنه لا يغير. . . وفي الفصول التي عقدها عن الحشرات تكلم عن النحل وكمال غريزته وعن خلق الخلية وما فيها من غرائب الحكم وعجائب التدبير وكيف يتضافر النحل في عمل الخلية. فمنه ما يقوم بجمع المادة من الشجر والزهر. ومنه ما يبني البيت ومنه ما يقوم لعمل الشمع. وتكلم عن العنكبوت وبداعة نسجه. وطريقته الحكيمة في صنع مصيدة من خيوطه لإيقاع الذباب وصيده. وتكلم عن عداوة القنفذ للحية والحية للعصافير والعصافير للجراد والجراد لفراخ الزنابير والزنابير للنحل والنحل للذباب والذباب للبعوض، وغير هذا من أجناس هذه المعلومات وأشباهها مما وعته صفحات كتب الحيوان. وقد ذكرنا وشلا منها، ولا ريب أن المشتغلين بعلم النفس يجدون في هذه الكتب معلومات قيمة مفيدة. وبالأخص المهتمون بعلم النفس التجريبي الحديث الذي تدور بحوثه على درس الحيوان والحشرات. فجدير بنا أن نهتم بهذه الكتب التي سبقنا الغربيون إلى تعرف خطرها وقدرها ونباهتها.

الخلاصة

ونخلص مما تقدم إلى أن الجاحظ كان رجلا مثقفا بكل معنى الكلمة، ولأقصى درجة من درجات الثقافة العالية، فقد وعى أدبه ثروة وجمالا وملاحة، وحوى علمه براعة الملاحظة وصدق التجربة، وتغلغلت نفسه في أعماق نفوس البشر ونفوس الحيوان. وسلك مذهب الحرية في الدين فأحب جمال الدين وشعر العقيدة. ولم يتحرج من اعتناق مذهب المعتزلة برغم مخالفته للرأي السائد. وقصارى القول أن الجاحظ أديب العلماء وعالم الأدباء غير مدافع؛ وفيلسوف عملي لا مذهبي وعالم يكثر الملاحظة والتفكير. وملاحظاته أغزر من تفكيره. فجدير بنا بعد هذا أن نتذوق ثقافته فنذوق روح الحياة وننشق عطر البحث ونستمتع بجمال الأسلوب ولذة المعرفة.

ميت غمر. مصطفى عبد اللطيف المحامي