مجلة الرسالة/العدد 139/على قبر الزهاوي
→ العراق في مصر | مجلة الرسالة - العدد 139 على قبر الزهاوي [[مؤلف:|]] |
أندلسيات: ← |
بتاريخ: 02 - 03 - 1936 |
بعد أن وُوري التراب شيخ الشعراء وفقيد العرب وقف على قبره الدكتور عبد الوهاب عزام فنثر عليه هذه الزهرات:
اليوم يقع هذا النسر بعد طول تحليقه!
اليوم يصمت هذا البلبل بعد طول تغريده!
اليوم يظفر هذا الجواد بالجمام!
اليوم يستريح هذا الفارس من الآلام!
اليوم تسكن هذه النفس الثائرة!
اليوم تخمد هذه النائرة!
اليوم يرقد الزهاوي في قبره!
كل نفس ذائقة الموت، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وإنما الخالد من خلدته آثاره. وسيبقى شعر الزهاوي مدوِّياً بعد مماته، كما كان مدوياً في حياته، ليبعث العزائم الراقدة، ويشعل النفوس الخامدة
ستتلقى مصر والبلاد العربية نعي الزهاوي كما تلقى العراق والبلاد العربية نعي شوقي، فتتجاوب بلاد العرب بالرثاء،
وتتبادل العزاء. نسأل الله أن يعوضها في شاعر العربية خيراً
أيها الشاعر العظيم ستذهب وذكراك بيننا خالدة!
أجميلُ لا تبعد فذكرك خالد ... الذكر للإنسان عمر ثان
ثم وقف الأستاذ الشاعر معروف الرصافي فألقى هذه الأبيات:
أيها الفيلسوف قد عشت مُضْني ... مثل مَيْتٍ وصرت بالموت حيا
ما حياة العظيم إلا خلود ... بعد موت يكون للجسم طيا
سوف يبقى بين الورى لك ذكر ... ناطق بالبقاء لم يخش عِيا
أنت فرد في الفضل حياً ومَيْتا ... حزت في الحالتين ذكراً عَلِيا
سوف أبكي عليك شجوا وإني ... كنت أبكيك في الحياة شجيا
ثم تلاه السيد محمد مهدي الجواهري فألقى هذه القصيدة الباكية:
على رغم أنف الموت ذكرك خالد ... ترن بسمع الدهر منك القصائد نعيت إلى غر القوافي فأعولت ... عليك من الشعر الحسانُ الخرائد
وللعلم فياضاً فماجت مصادر ... عُنيت بها بحثاً وجاشت موارد
وفلسفة أَطلعت في الشعر نورها ... هي اليوم ثكلى عن جميل تناشد
حلفت يميناً لم تشبها اختلاطة ... وقلبي على دعوى لسانِيَ شاهد
لقد كنت فخراً للعراق وزينة ... تزان نواديه بها والمعاهد
وكنت خصب العراقي شاهدا ... إذا أعوزتنا في التباهي شواهد
وكنت أرق الناس طبعاً ونكتة ... وألطف من دارت عليه المقاعد
وأنت ابتعثت الشعر بعد خموله ... نشيطاً فخوض الشعر بعدك راكد
ثوى اليوم في هذي الحفيرة عالم ... بأسرارها، لله بالعقل ناشد
أقام على العلم الصحيح اعتقاده ... عدو لأشباح الخرافات طارد
وكان نقياً فكرة وعقيدة ... عزيزً عليه أن تسف العقائد
يقرر أن الدين حب ورحمة ... وعدل، وأن الله لا شك واحد
وأن الذي قد سخر الدين طامعاً ... يتاجر باسم الله، لله جاحد
ثوى اليوم في هذي الحفيرة شاعر ... على الظلم محتج عن العدل ذائد
وشيخوخة مدت على الكون ظلها ... تكافح عن آرائها وتجالد
أَبَا الشعر! إن الشعر هذا محله ... فقد نصت الأسماع والجمع حاشد
وهذي جيوش الشعر والعلم تبتغي ... لها قائداً فذاً فهل أنت قائد
فأين قصيد قد نظمت فريده ... وأين من الشعر البديع الفرائد
وأين النكات المؤنسات كأنها ... حدائق تُسقى بالندى وتعاود
وأين العيون اللامعات زكانة ... زغائب تبدو فوقها ومقاصد
جميلٌ أعان الرافدين بثالث ... من الشعر تنميه بحور روافد
وكان حياة للنفوس ورحمة ... تغاث بها النفوس الهوامد
تطاوعه غر المعاني كأنها ... وصائف تبغي أمره وولائد
أقول لرهط الشعر يبغون باعثاً ... عليه: تثير الشعر هذي النضائد
هلموا إلى قبر الزهاويِّ نقنص ... به نفساً من روحه ونطارد وإن خيالاً يملأ الشعر رهبة ... سكون على قبر الزهاويِّ سائد
وحجوا إلى بيت هو الفن نفسه ... أنارت (فينيسٌ) ساحَه وعطارد
فإن بيوت الشاعرين مناسك ... وإن قبور النابغين معابد
أبا الشعر والفكر المنبه أمة ... عزيز علينا أنك اليوم راقد
وأن الذي هز القلوب هوامداً ... وحركها في الترب ثاو فهامد
وأن فؤاداً شع نوراً وقوة ... هو اليوم مسودُّ الجوانب بارد
فهل أنت راضٍ عن حياة خَبَرْتها ... ممارسة أم أنت غضبان حارد
أضاعوك حياً وابتغوك جنازة ... وهذا الذي تأباه صِيدٌ أماجد