الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 139/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 139/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 139
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 02 - 03 - 1936


وفاة الأستاذ جميل صدقي الزهاوي

كانت أعراض الشيخوخة وأزمات الداء قد أخذت منذ حين تصارع في غير هوادة حيوية القلب الفتي والعصب الشاعر في هيكل الزهاوي، وكان الزهاوي يأبى أن يهادن الزمن الغلاب، فهو حركة فكرية دائبة وجملة عصبية ثائرة، لا يفتر ليله عن الفكر، ولا يكل نهاره من الحديث؛ وحديثه المتصل في قصر الإلهام، وفي دار الدفتري، وفي مقهى (أمين) إذابة لجسمه وإحراق لعصبه، لأنه لا ينفك منفعلاً بشعوره متأثراً بطبعه. وحياة الزهاوي كلها تفكير في قصيدة، أو قراءة في كتاب، أو محاضرة في حديث

ذهب الزهاوي يوم الأحد الماضي متأخراً على غير عادته إلى قهوته المختارة في منعطف شارع خالد بن الوليد ببغداد، وكان أصدقاؤه وتلاميذه وسماره قد تحلقوا حول مقعده الخالي ينتظرون كاهن أبوللو وشاعر الفكر الحديث؛ دخل متوكئاً على ذراع خادمه محمود، وهو يبسم لجلاسه بسمة السراج الفاني والأمل الشاحب؛ ثم شكا بعد شوط من الحديث الممتع ألماً في أعلى كتفه الأيمن عزاه إلى كثرة ما كتب ليلة الأمس، إذ قضى ليله ينظم قصيدة أخرى يحيي بها مصر على لسان الوفد النيابي الذي سيزورها عما قريب؛ ثم اجتزأ بأكل قليل من الكمأة ولم يعد إلى الغداء في البيت، واقترح على صديقه الأستاذ بحري صاحب العقاب أن يذهبا إلى السينما فيشاهد فلماً مصرياً ورد بغداد منذ قريب، ولكن الألم اشتد بَرْحه والقلب زاد وجيبه؛ فأقبل على صديقه وقال بلهجته الخاصة: (يا أفندم! إن هذا الألم يكاد يقضي عليّ، وهذه النوبات العصبية تنهك قواي. . يا أرحم الراحمين أنقذني من هذه الآلام!) ثم رغب أن يعود إلى داره؛ ولم يكد يدخلها حتى أحس بالداء يتسع وبالنفَس يضيق، فدعوا إليه الطبيب حوالي الساعة الرابعة بعد ظهر الأحد ولكنه كان قد فارق الحياة!

ريعت بغداد بالنعي المفاجئ والخبر الأليم، ولملكها الجزع على لسانها الذي أخرسه الردى، وقلبها الذي أسكته القدر، وتقاطر الناس على دار الشاعر الهامد يتقدمهم الوزراء والعلماء والنواب والأعيان والقادة؛ وفي الوقت المحدد للجنازة من ظهر يوم الاثنين خرج النعش محمولا على أكتاف عشرين طالباً من طلاب الفتوة فوضعوه في السيارة، وجلس من خلفه الشاعران الكبيران رضا الشبيبي ومعروف الرصافي، ومن أمامها اثنان من أقارب الفقيد. فسارت تحيط بها السريتان الأولى والثانية من الفوج الأول، تتقدمها فوق الجوالة وفرق الفتوة للمدارس الثانوية والعالية ودور المعلمين ومع كل فرقة إكليلها، ويمشي وراءها الوزراء الحاليون والسابقون والمديرون العامون وكبار الضباط ووجوه البلاد وجماهير الشعب حتى بلغت الأعظمية فصلوا عليها في مسجد الإمام أبي حنيفة؛ ثم حملتها فرقة من فرق الفتوة إلى مرقدها الأخير في باحة (دار العلوم العربية) على مقربة من ضريح الإمام الأعظم. تغمد الله شاعر العروبة بالرحمة وعزى فيه الأمة العربية خير العزاء

ذلك خبر تلقيناه بالطيارة آخر الوقت فسجلناه عن الرجل الذي مات، أما الزهاوي الصديق الشاعر الفيلسوف، فسنعود إليه ثم نعود

ندوة الزهاوي

روت (البلاد) أن رجال الأدب في بغداد أبدوا رغبتهم الملحة في أن تجعل الحكومة دار الأستاذ الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي (ندوة للأدباء) في بغداد، واقترح أحدهم بأن تقوم الحكومة بشراء هذه الدار وترتيبها وتنسيق أثاثها بما فيها كتب الأستاذ ومخطوطاته ودواوينه على غرار دار (شكسبير) في إنكلترا، ودار (جوته) في ألمانيا، و (فكتور هوجو) في فرنسا؛ وليس ذلك كثيراً على وفاء العراق، ولا غريباً من حكومة الهاشمي

تأبين الزهاوي

كذلك روت الجريدة أن جمهرة من كبار رجالات العاصمة وأدبائها اعتزموا إقامة حفلة تأبينية كبرى لفقيد العربية، وشيخ القريض الزهاوي في يوم أربعينه، وستكون الحفلة تحت إشراف الدولة، وسيدعى لها كبار الأدباء والشعراء في الشرق العربي

أسبوع المتنبي في الجامعة المصرية

حالت الحوائل السياسية المعروفة دون إقامة هذا الأسبوع في الموعد الذي حدد له من قبل، وقد استقر اليوم قرار كلية الآداب على أن يقوم في قاعة الجمعية الجغرافية الملكية في الساعة السادسة من مساء الأيام الآتية على النحو الآتي:

الثلاثاء 10 مارس: خطبة الافتتاح لساحب السعادة الأستاذ مدير الجامعة، و (المتنبي شاباً) للدكتور طه حسين

الأربعاء 11 مارس: (سيف الدولة الحمداني) للأستاذ عبد الحميد العبادي، ثم (المتنبي وسيف الدولة) للأستاذ أحمد أمين

الخميس 12 مارس: (كافور الأخشيدي) للدكتور حسن إبراهيم حسن، ثم (المتنبي في مصر) للأستاذ أحمد الشايب

السبت 14 مارس: (المتنبي من خروجه من مصر إلى وفاته) الأستاذ مصطفى السقا، ثم (أسلوب المتنبي) للأستاذ عبد الوهاب حموده

الاثنين 16 مارس: (المتنبي والنحاة) الأستاذ إبراهيم مصطفى، ثم (فلسفة المتنبي) للأستاذ مصطفى عبد الرزاق

الثلاثاء 17 مارس: (مكانة المتنبي في الأدب العربي) للدكتور طه حسين

1 - قبر أبي عبيدة عامر بن الجراح. 2 - الرقيم

قرأت في الصفحة 376 من المجلد الأول من دائرة المعارف الإسلامية التي يقوم بترجمتها لفيف من شباب مصر الناهض، أن أبا عبيدة عامر بن الجراح توفي بالطاعون عام 18هـ في أمواس وأن قبره بجامع الجراح في دمشق

والراجح أن أبا عبيدة توفي شرق الأردن بالطاعون الذي ينسب إلى عمواس (لا أمواس كما ترجمت خطأ) وعمواس هذه قرية تقع بين القدس ويافا. ولعل وباء الطاعون تفشى فيها أولاً ثم انتشر في جميع البلاد السورية فمات به خلق كثير منهم أمين الأمة ومعاذ بن جبل وضرار بن الأزور وشرحبيل بن حسنه ويزيد بن أبي سفيان. ودفنوا جميعاً في غور الأردن، ولا تزال قبورهم ماثلة للعيان عدا قبر يزيد الذي اندثرت معالمه ولم يبق له أثر

وقد رمم ضريح أبي عبيدة في عهد السلطان بيبرس كما جاء في الكتابة المنقوشة عليه، وهذه صورتها عنها:

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(وأمر بإنشاء هذه القبة المباركة على ضريح أبي عبيدة الجراح رضي الله عنه مولانا السلطان الأعظم سيد ملوك العرب والعجم ركن الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبو الفتح بيبرس ابن عبد الله قيم أمير المؤمنين خلد الله ملكه ابتغاء مرضاة الله ورسوله مما وقفه عليه وحبسه من نصف مناصفات دير معل تونين من حمص من عمل حصن الأكراد المحروس تحبيساً مؤبداً دائماً أثاب الله واقفه بجوده وكرمه يوم يجزي الله المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين. وذلك بنظر الأمير الأعز الأجل الكبير نسله ناصر الدين الجامنكلي الظاهري السعدي نائب مملكة عجلون المحروسة في ذي الحجة سنة ستمائة وسبعة وخمسون)

وجاء في الصفحة 243 من المجلد الثاني من دائرة المعارف الإسلامية أيضاً أن الرقيم (قد تكون جهة في شرق الأردن قريبة من عمان)

أقول قد تكون الرقيم هذه قرية الرجيب التي تقع إلى الشرق من عمان على مسافة تسعة كيلومترات منها، لأن البدو كثيراً ما يقلبون القاف جيما والميم باء

ويوجد في هذه القرية مناور عديدة نمت بجوارها أشجار برية قديمة العهد. والسبب في قدمها هو احترام البدو لها وتحريمهم قطعها لاعتقادهم أنها كانت تظلل الكهف الذي نام فيه الفتية المذكورون في القرآن ولبثوا فيه ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا

ويقدس البدو والفلاحون هذه الكهوف كتقديسهم لأي مزار أو مقام

والرقيم من المنازل التي كان يرتادها الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك للهو والصيد، وفيه يقول الشاعر:

أمير المؤمنين إليك نهوى ... على البخت الصلادم والعجوم

فكم غادرت دونك من جهيض ... ومن نعل مطرحة جذيم

يزرن على تنائيه يزيداً ... بأكناف الموقر والرقيم

تهنئه الوفود إذا أتوه ... بنصر الله والملك العظيم

والموقر المذكور بجانب الرقيم هو قصر أو حصن أموي - ولعله من بناء يزيد - يقع على مقربة من الرقيم (أو الرجيب)

وقد ورد في أحسن التقاسيم للمقدسي أن الرقيم (قرية على فرسخ من عمان على تخوم البادية فيها مغارة، لها بابان صغير وكبير، ويزعمون أن من دخل الكبير لم يمكنه الدخول من الصغير. وفي المغارة ثلاثة قبور تسلسل لنا من أخبارها أن النبي ﷺ قال: بينما نفر ثلاثة يتماشون إذ أخذهم المطر فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطت إلى فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم)

وهذا القول ينطبق تمام الانطباق على ما نشاهده اليوم في قرية الرجيب، وما نسمعه من القصص والأساطير التي تروى عن كهوفها ومغاورها.

عمان

بهاء الدين طوقان

مديرية أسوان

قال الأديب رشوان أحمد في مقاله في العدد الماضي من الرسالة: (إن الملك منوسوفيس (وهو الملك الثاني عشر من ملوك الأسرة السادسة) أرسل القائد هرخف إلى بلاد بنت) ظناً منه أو خطأ في مصدر النقل أن هذه البلاد جنوب صعيد مصر لقوله (وفي عهد الأسرة الثانية عشرة أرسل اسرتسن الأول ثاني ملوك هذه الأسرة القائد هرنو بطريق قفط والقصير لجباية الجزية. . .)

أما هجرة المصريين في عهد قلاقل الأسرة الخامسة عشرة فقد كانت إلى نبتة أو نباطي وهي عاصمة بلاد النوبة لا أثيوبيا، ولم تكن مملكة أثيوبيا مجاورة للملكة المصرية إلا بعد غزوة ملوك مصر للنوبة والكوش، وقد غزا بعنخي ملك النوبة مصر أيام حكومة الآشوريين، وهذه الغزوة هي التي يخطئ فيها بعض المؤرخين فيسمونها غزوة الزنوج لمصر

وقد ذكر أن (رمسيس غزا بلاد أثيوبيا وأقام هيكلاً عند كلايشة) ولكن المعروف أن رمسيس الثاني غزا النوبة وسطر حروبه وانتصاراته على معبد أبي سمبل، وأما كلايشة وهيكلها المسمى بيت الوالي (لا بيت الولي) فيقال أن الهيكل من عمل اسرتسن الثاني.

ولم تكن كلايشة وأبو سمبل تابعيتين لأثيوبيا ولا لكوش في وقت ما، وما زالتا من القرى النوبية، وهما اليوم من أعمال مركز الدر، فكلايشة في أقصى الشمال وأبو سمبل في أقصى الجنوب

والكاتب جغرافي ولكنه لم يلتفت إلى تقسيم وادي النيل في كلامه التاريخي، فالمعروف جغرافياً أن مصر جنوبها النوبة، وجنوب النوبة السودان، وفي الجنوب الشرقي من السودان أثيوبيا أو الحبشة كما تسمى الآن

ولم يذكر غزوة علي بابا ملك النوبة أيام عنبسة آخر ولاة العباسيين لمصر واستيلائه على صعيد مصر، وأما الفنج فقد كان عاصمة ملكهم في سنار (لا في سناد) وقد تكونت مملكة الفنج في حوض النيل الأزرق واستولت على جزء من أثيوبيا، والجزء الجنوبي من النوبة

أما الحكومة الكشاف التي بدأت في بلاد النوبة تعد فتح السلطان سليم، فقد كان الحكام من الأتراك؛ وأول من تولى حكم النوبة وخاصة الإقليم الممتد من الشلال الأول حتى آخر مديرية دنقلة كان ألبانياً يدعى حسن قوسه وهو رأس أسرة الكشاف الحالية بمركز الدر، ولم يتعرض محمد علي باشا لأحفاده في حكمهم عند غزوته للسودان، لأن الحاكم قدم له فروض التابعية وساعده على نقل الجيوش إلى السودان، وقد رضى بتقديم الضرائب لوالي مصر على أن يعفي أبناء الإقليم من الجندية، وكان ذلك حتى اليوم، ولكن نفوذ الحكام أخذ يتلاشى إلى أن قضى على سلطة الكاشف الروحية في أواخر أيام توفيق باشا. أما معاهدة 1899 فتنص على أن حدود نصر هي (فرس) جنوب حلفا بقليل، وما فرس إلا جزيرة في عرض النهر، ولكن الإنجليز وضعوا حدهم أمام فرس على ضفتي النيل الشرقية والغربية مع أن هذا الحد ليس بفاصل طبيعي

يوسف سميع