مجلة الرسالة/العدد 138/الخريف
→ مديرية أسوان | مجلة الرسالة - العدد 138 الخريف [[مؤلف:|]] |
بين ماض وحاضر ← |
بتاريخ: 24 - 02 - 1936 |
مهداة إلى رفيقي الأستاذ حلمي اللحام
لشاعر الشباب العربي أنور العطار
أَسِىَ القَلْب ' فاسْتَرَاحَ إلى الصم ... تِ وَللصَّمْتِ عَاَلمٌ مَسْحورُ
تتَرامَى بهِ الشجُونُ فَيَعْيَا ... ليسَ شكو الضنى وَليس يثورُ
هَيْكَلٌ مُتْعَبٌ تَكادُ من السُّق ... مِ تَدَاعى أرْكانُهُ وَتَخُورُ
مُوِحشٌ كالخريفِ تَطْفوُ عَلَيْه ... صُوَرٌ جَهْمَةٌ وَخَطَبٌ نكِيرُ
كلُّ شَيْءًّ أَرَاهُ يَذوِي وَيَفْنى ... ثمَّ يمشِي على حِماهُ الدُّثوُرُ
مَلْعَبٌ للحياةِ يَطْفَحُ بالسُّخْ ... رِ ويَشقْى بِسَاحِه اَلمغْرُورُ
أَينَ زَهْوُ الِّريَاض في مُتع العي ... شِ وَأَينَ الهَوَى وَأَينَ السُّرُورُ
رَقدَتْ في الُغُيوب قُمرية الدَّوْ ... حِ وَطَاحَ الهَزَارُ وَالشحُّرْورُ
فَجنَاحٌ على السُّفوحِ هَشيمٌ ... وَجَناحٌ على الوهَادِ كسيرُ
وَتجَافى السنا عن الأُّفقِ الُحل ... و َوَغشَّى رَفيقهُ الَّديجورُ
وَتوَلَّت بشائِرُ الأُّنسِ عَنهُ ... وَاسْتفَاضَ الأَسى وَصاحَ النذَّيرُ
لمْ تَعُدَ تكْرَعُ الندى شَفَةُ الزَّ ... هرِ وَلم تُسكِر النسِيمَ العُطورُ
وَانْطوَت منْ مَبَاهجِ الرُّوحِ دُنيا ... كُلُّها نَائِلٌ وُجُودُ وَخيرُ
هَمَدَ اَلحقلُ فالعِشاشُ خَراَبٌ ... هَجَرتْها على الَّليالِي الطُّيورُ
فَعَلى ضَاحِكِ الُمُروجِ اكتئَابٌ ... وَعَلَى بَاسمِ الدَّغَالِ فُتورُ
وَإذَا الغيمُ في الفَضَاءِ رُكامٌ ... وَإذَا النَهرُ مُغدرٌ مَحروُرُ
وَالعَصافِيرُ ُنوَّمٌ ليس تصحُو ... وَالَفرَاشاتُ جُثَّمٌ لاَ تَطيرُ
وَرَقٌ مائَتٌ تَهاَوى عَلَى السَّه ... لِ وَغنَّتْ بهِ الصَّبَا وَالدَّبورُ
مَلأَ الوَهدَ وَالمَسَاربَ وَالسُّو ... حَ اغِتمامًا بسَاطُهُ الَمنشُورُ
غَمَرَ الَمشعْبَ الَبعيدَ وَغَطى ال ... واديَ السَّمحَ عصْفُه المَنثُورُ
خَشخَشتْ في الرحابِ أوراقُهُ الغُب ... رُ وَللرَّيحِ بَينَهَّنَ صَريرُ
صُفرةٌ تُوقظُ النؤوم من الشَّج ... وِ وَرَمزٌ إلى الزوَالِ يُشيرُ تَعصِفُ الصَّرصُر العتيَّةُ بالغَا ... ب فَيهوِى الدَّوحُ الأغَنُّ الشجَّيرُ
وَتضيعُ الألحان في هبَّة الَوي ... لِ وَيرغو الأذى وَتَطغَى الشرورُ
ليسَ َيقرِى الأسماع إلا عويل ... وصراخٌ وأنة وَزفيرُ
تَمَّحى فرحةُ الطبيعةِ في الأر ... ضِ وَيُطوَى حُلْمُ الحياة النظيرُ
وَتُعَفى أرائَكُ الحبَّ وَالِعط ... رِ وَيَبلى الروْضُ الندِىُّ الخضيرُ
تطفحُ السُحبُ في عَناَنِ السموا ... تِ وَيخبو منها السراجُ المنيرُ
وَيَعجُّ الفضاء بالزبَّد المن ... دوفِ والأُفقُ كالخِظمَّ يفورُ
وَتغيبُ الأنوارُ إلاَّ شُعاعاً ... يختفي تارةً وأُخرى يَنُور
تَتعزَّى بهِ النفوسُ الوجيعا ... تُ وَيحيا بدِفئهِ المقرورُ
أيَظلُّ الصَّرَّارُ يَرتَعُ في الحق ... لِ وَينأى عن عُشِّه العصفورُ
تِلكَ أُحجَّيةُ الوجودِ تَناَهى ال ... فهمُ عنْها وَاستغلقَ التفسيرُ
يا حبيبي أراكَ من حُجُب الغي ... بِ فيزهُو الكونُ السليبُ الحسيرُ
وَيغوصُ الظلامُ في نهرِ الفج ... رِ وَيبهى الصبحُ الأنيقُ الطَّريرُ
يُنشدُ السفحُ وَالتلالُ تُغني ... حيثٌ لا مطربٌ وَلا مزمور
تُمرعُ الأرضُ بالنباتِ وَتهت ... زُّ منَ الدفءِ وَالحياةِ الجذور
وَتذوبُ الأنداءُ في اكؤسِ الزه ... رِ وَيُحيى الثرى وَالشرابُ الطهور
وَيطيبُ الهوى وَيحلو التَّساقي ... وَمنَ الحبِ روضةٌ وَغدير
أيها الهاجري أطلت التنائِي ... وَتعايا من صدِّكَ المهجور
سِهدَت مُقلتي وَناَجاك قلبي ... وَهفا خاطري وَحن الضمير
عشتُ من طولِ حسرتي بالتمنَّي ... وَقليلٌ من التمني الكثير
تتراءى لناظِري فأنادي ... كَ كأني مُخَبّل ممرور
أنتَ ريحانتي وأنتَ أحادي ... ثي وأنت المُنى وأنت السمير
يا نصيري إذا أظلَّني اله ... مُّ ألوى بي الشقاءُ المرير
طُف بُروحي كما تطوفُ الشُّعاعا ... تُ وَيسري ضياؤُّها وَينير
ودعِ الحبَ يزدهر في خيالي ... وَتهدهد به العصورَ العصور غفَلت عنَى المنونُ فغني ... تُ وَلحنُ الحياةِ قصير
أتعامى عن الفناءِ وَحولي ... محنٌ ليس تنقضي وَثُبور
ألمي صارخٌ وَجرحي ضرىٌ ... وَالهوى يائسٌ وَجَدِّمي عثورُ
وَبنَفسي قيثارةٌ تتشكى ... وأنا الدمعُ وَالأسى وَالشعور
أتسلَّى عن الضَّنى بلُحون ... هي روحُ الحياةِ وَالإكسير
الشَّجا المُّر في حِماها شفاءٌ ... وَالدجى الشاملُ المروَّعُ نور
خاطِري من نشيِدها مستثارٌ ... وَفمي من سُلافِها مخمور
عالَمي مهبطُ الرُّؤى وَمِهادي ... ذهبُ خالصُ وَتبرٌ نثير
وَفضائي مُوشُّحٌ بالغوادي ... وَهِضابي ندًى وَجوِّي مَطير
وَسمواتَي الفسيحاتُ تابو ... تٌ عليهِ من الغيوم سُتُور
أُفُقٌ شاحبٌ تَدثَّر بالُّسحبِ وأغيا في الضبابُ الغمير
لا السَّنا ضاحكٌ بابهَائه السح ... م وَلا النور في مَداَه يمور
فمن الحزنِ وَالجهامةِ قبرٌ ... وَمن الهمِ وَالكابةِ سور
وَتعرى المساءُ من القِ السح ... رِ فلا روعةٌ وَلا تَصوير
التعاشِيبُ أَعُينٌ جامداتٌ ... هي من طولِ ما ُتحدِّقُ صور
أطفأ العاصفُ الُملحُ سَناَهَا ... وَغَزَاهَا الصقيعُ وَالزمهرير
هاهنَا للجمالِ عرسٌ تَقَضَّى ... مِلءُ أعطافهِ شذاً وعبير
هاهنا كان للجداولِ الحا ... ن لِطافٌ وَللنسيم سَرير
هاهنا حَنَّت العَشَّيات للضِّح ... ك وَبشَّ الضُّحى وَهشَّ البكور
لا الروابي تفيضُ بالعبق الطُّه ... ر وَلا يطربُ الحقولَ الخرير
هَدأَت من جَوى الغرام قلوبٌ ... وَاستراحت من الهَديل ثغُور
وَحشة ما تكادُ تحمله النف ... سُ وَشجوٌ تضيقُ عنه الصدور
أراد الُمَزَّوقُ الُحلمَ داجٍ ... وَحِمَى الأنس مُجفلٌ مَذعُور
أَينَ وادٍ رفَّت عليه البشاشا ... ت وَرَنت أَعشاشه وَالوكور
ماج فيه الهَوى فعاشت حوافي ... هـ وَضجت من الحياةِ الصخور أَينَ لا أَينَ عالم مستطابٌ ... عاث فيه ركبُ الفناءِ المغير
فأَّمحى كالظِّلالِ تنتهبُ الأر ... ضَ وَيخفى انطواؤها المصير
أنور العطار