مجلة الرسالة/العدد 133/بمناسبة أربعين الزعيم الخالد
→ المجموعة الزنجية | مجلة الرسالة - العدد 133 بمناسبة أربعين الزعيم الخالد [[مؤلف:|]] |
سحر الطبيعة ← |
بتاريخ: 20 - 01 - 1936 |
يوم هنانو
للأستاذ أمجد الطرابلسي
صُعق الناسُ حَسرةً فأهابوا ... مَنْ صَريعُ الِحمى فقيل الشِّهابّ
ضربوا في الدُّجى البهيمِ سُكارى ... أين منهمْ هُداهُمُ والصواب
وَسَروا خُشَعَ النواظر يَغشا ... هُم من الليلِ والدموعِ حجاب
يتناجوْن بالِّلحاظِ من الهو ... لِ؛ أصدقٌ ما قدَرووْا أم كذاب
شرِقوا بالدموع إذ هَتف النَّا ... عي مُهيباً، ومادتِ الألباب
هَتفاتٌ فوق المآذِن تعلو ... فيضجُّ الباكونَ والندّاب
ورنيُن الناقوس من كلِّ فج ... تَتَفَرَّى له القلوبُ الصِّلاب
زفراتٌ هي الكبوُد تَلظَّى ... ودموعٌ هي النُّفوسُ تُذاب
هاهُنا لِلُّبى عويلٌ مُرِنُّ ... وهنا ثَمَّ للِشِّبالِ انْتحِاب
من يواسيهُم وكلُّ طعينٌ! ... من يُعزيهمُ وكلٌّ مصاب!
لا تُلمْهُمْ! خلا العرينُ، فمن يد ... فعُ عنهمُ إذا اسُتبيح الغاب
زُلزلت دارةُ الوليد ومادت ... تحت عِبْءِ المُصابِ فيها الهِضاب
فَعليها من الهُزالِ شُفوفٌ ... وعليها من الشُّحوبِ نقِاب
لبَسَتْ في نهارِها اللَّيلَ وجداً ... وتوارى السُّمَّارُ والأصحاب
وتباكت حمائِمُ النَّيْربَ السا ... جي وَأوْدى غِرِّيدُهُ المِطرب
ليت شعري أذاك (مروانُ) أوْدى ... فَأهَلَّ الورى وَسَحَّ السحاب
أم تدعى عرشُ (الوليدِ) غَداةً ... فتداعت منابرٌ وَقبِاب
يا لَسُورِيَّة الشَّهيدَةِ كم ذا ... تتهاوى أبناؤُّها الأنجاب
يهْبطُ الكوكبُ اُلمحَجَّلُ منهم ... أو يُقَدُّ المهَّندُ القِرْضاب
فإِلى صدرها تَضُمُّ الضحايا ... وعلى صدرِها يُهال التراب
مَلأوا قلبها نُدوباً وشَجْواً ... ليس يخبو وقودُه الَّلهّاب
أبداً للدموع فيها انسْكابٌ ... أبداً للدِماء فيها انصْبابِ رَوِيَتْ منْ دماءِ أَبنائِها الغُرِّ ... م وفاضت رِباعُها والرَّحاب
أمس في الغَوطةِ الرَّؤوم تهاوَت ... شُهبٌ كلها منُىً وَشباب
وعلى ميسلونَ سالت دِماءٌ ... علَّمتْنا أنى يكونُ الغِلاب
شهداءٌ أعزةٌ عَدَدَ الزهْـ ... رِ أيحُصْى زَهْرَ الشاّم كتِاب!
يا هنانو أَثَرْتها ذِكريَاتٍ ... َضَمَدتها السِّنونَ والأحقاب
فلياِليَّ بعدَ منعْاك سُهدٌ ... وشرابي قذىً وَشَهْدِيَ صاب
كنتُ في قريتي الوديَعةِ سهوا ... نَ فلا غُصةٌ ولا أَوْصاب
تستبيني مِن الرُّعاةِ لحون ... وأغانٍ عُلويَّةٌ، ورَباب
وَمِنَ الطَّيرِ في الرُّبى نغماتٌ ... هن لِلُّبِّ مِزْهَرٌ وشراب
أدْفِنُ الهمَّ في ظِلالِ التمَنِّي ... والأعاليلُ مورِقاتٌ رِطابُ
وأَُغَنيَ مع الطفولةِ لحناً ... ذِكَرُ كله وشهد مذاب
وحواَلَيَّ صِبيةٌ كالعصف ... ير مِراحٌ، أهِلَّةٌ، أتراْب
يتبارَوْنَ عابثين فما يد ... رون ما الهمُّ، ما الأسى، ما العذاب
كدِتْ أسلو لَذْعَ الحنين وأنسى ... بينهم ما يهيجُهُ الاغتراب
فأتاني الناعي يجُمَجْمُ في القْو ... لِ فما إنْ يبينُ منه الخطاب
قالَ: مات الزَّعيمُ، قلْتُ: هوى الصَّر ... حُ رُكاماً وَقُوِّضَ المحراب
يا الهي أكلما سُدَّ باب ... من شَقاءِ الشام حُطِّم باب!
يا فقيدَ الآمالِ قُم فتأملْ ... كيف تبكي آمالنُا والرِّغاب
رَزَحَ الموْطنُ الجريحُ وناءت ... أُمَّهٌ لم يذلَّهَا الإرهاب
كنتَ في السَاح والندِىِّ زعيماً ... ما دَعَوْتَ الشبالَ إلا أجابوا
ومشوا خْلفَ ضغيمِ الغابِ صفاً ... ليس يخشى الردى وليس يَهاب
كلهم باسمون خلفَكَ للمو ... تِ، سِراعٌ إلى الطِّعانِ طِراب
كنتَ حِصْناً فدكَّ ذيْالك الحِص ... نُ وَحِرْزاً فَقُدِّتِ الأطناب
وشهِاباً يفترُّ في أفُقِ المج ... د بهِيِاً لا يعتريه غياب
شَعَّ دهراً فأُرشِد ابن الدياجي ... وأُنيَرت مسالكٌ وَشِعاب ثم غشّاهُ من سكون المنايا ... سُحُب مكْفِهَرَّة وَضبابُ
وطن سار خلف نعشِك يبكي ... يا لهُ اللهُ صارخاً لا يجاب
كان يرنو إليكَ كالطِّفل إما ... عَضَّهُ من أراقم الظلْم ناب
موِكب كالخِضمِّ سارَ خَشوعاً ... جَلَّ ذا موْكبِاً وَجَلَّ الرِّكاب
مَن رأى محشراً يموجُ زِحاماً ... وَعُباباً يبكي عليه عُباب!
ولواءً قد كنَت تفديهِ إمّا ... رَوّع الغَابَ عاصِفٌ صَخّاب
ضمَّك اليومَ لوعةً وحناناً ... أنت منه الشَّباةُ وْهوَ الِقراب
من لهُ اليومَ إن أناخ عليه ... مُستبيح أو راعه غَصاب!
إيه (شهباءُ) أيُّ سِفرِ جِهادٍ ... غالهُ فيكِ ريَّاب
وخَفوق يغْلي مُنىً وإباءً ... وفتىً لا تغُّره الألقاب
كان تاجاً في مفرقيكِ وَدِرْعاً ... لكِ تنبو عنه القنا والحراب
وأباً بالبنينَ براً شفيقاً ... كلهم في فنائه أحباب
هزهُم للعُلى فكانوا صفوفاً ... وْهَو ليث بين الصفوف مهاب
لهفَ نفسي أن غاض فيك نمير ... كان بالنُّور والهُدى ينساب
تنتوي ساحَهُ الحيارى وتهفو ... حول شطًّيْهِ عُطًّشٌ وسِغاب
جسد هدَّه الكِفاحُ فأبلا ... هُ وقلب على المدَى وثّاب
كلما هاجه الإسارُ تنزَّى ... فتنَزِّى فيه الصبى والشباب
إن مشى للأمامِ هان عصيب ... وتوارت عن الطريق صعاب
حمل السيف طاوياَ في الصحارى ... عادةٌ الليث عِزة وضراب
يرشُف الموت بالرماحِ ولا ير ... ضيه هَضم لحقَّه واغتصاب
ذاب في حَوْمةِ النَضال شهيداً ... ذاكُمُ المجدُ ساطعاً لا السراب
إنما المجدُ ثورة وجهاد ... لا كلام مُنَمَّق وخطاب
يا جيوش الشبابِ، يا أُسُدَ الغا ... بِ، ويا أيها الشبالُ الغضابِ
قد مضى القائدُ العظيمُ إلى الخُلْ ... دِ وقد عاجلَ الرئيس التباب
فارقأوا هذه الدُموع الجواري ... ليسَ في الدمعِ للفقيد مآب ولسكبوا خلفهُ الدماء الغوالي ... إنما الدمع هِّينٌ مْخِصاب
وصليل السيوف أجملُ لحنٍ ... لبِكُاء الشهيدِ لا التِّنْحاب
لا تخوروا فإنَّ معركة النَّص ... ر بدا فجُرها الضُحوك العُجاب!
أمجد الطرابلسي