الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 131/نظرية النسبية الخصوصية

مجلة الرسالة/العدد 131/نظرية النسبية الخصوصية

مجلة الرسالة - العدد 131
نظرية النسبية الخصوصية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 06 - 01 - 1936


المقال الثاني

وحدة قوانين الطبيعة والبعد الرابع في النسبية

للدكتور إسماعيل أحمد أدهم

عضوا أكاديمية العلوم الروسية

عناصر البحث

(1) الحد الرابع للمادة في النسبية

(2) ثبات النور ووحدة قوانين الطبيعة

(3) النظام الغاليلي وقوانين التحويل اللورانتزية

- 1 -

تصور سطحاً في حيز منه نقطة مثل (ن)، وأنك تريد تحديد مكانها، فلا شك أنك ستقيس بعدها عن الحافة اليمنى للسطح أو اليسرى، ثم بعدها عن حافة السطح الأمامي أو الخلفي، وبواسطة خطين تحدد مركز النقطة على السطح، أما إذا كانت النقطة المرغوب تحديدها في حجم فلا بد من خطوط ثلاثة تنتهي عندها لنحدد مكانها بالضبط.

لنتصور مكعباً ضلعه 10 امتار، ولنفرض به نقطة مادية مثل (ن) في المكان (م)، ولنشرع في تحديد مكان هذه النقطة المادية، فلا بد من أن نقيس الخط العمودي الساقط على هذه النقطة من السطح السفلي للمكعب، ولنفرض أنه كان مترين، فهذا الخيط بمفرده لا يصح أن يكون محدداً لمكان النقطة إذ في الإمكان تحريك هذه النقطة حركة أفقية ويبقى الخط الممتد من السطح السفلي للمكعب حتى النقطة (ن) مترين بدون أن يلحقها أي تغيير؛ فلا بد من حدْ ثان بخط يمتد من السطح الأيمن أو الأيسر إلى النقطة (ن). فلنفرض أنه كان ستة أمتار، فلنا أن نتساءل: هل في الإمكان الاكتفاء بهذين الخطين لتحديد موضع النقطة؟

إن من السهل تحريك النقطة المذكورة في خط مواز للسطح الأيمن أو الأيسر بحالة لا يختل معها طول الخطين. فلا بد من حد ثالث، هو بعد النقطة عن السطح المعامد للجد الأيمن والأيسر، ولنفرض أننا ألفيناه ثلاثة أمتار؛ فعليه يمكن تحديد أية نقطة في حجم بثلاثة أبعاد تتعامد على بعضها في النقطة المرغوب تحديد مكانها، وهذا النظام يعرف بنظام المتعامدات الديكارتية.

إن المشاهد الذي يقوم بعملية القياس سيلجأ إلى قواعد فيثاغورس في الهندسة ليحدد أبعاد الخطوط الثلاثة المحددة من مكان النقطة. وقاعدة فيثاغورس التي ترجع إليها هذه المسألة نظريتان:

الأولى: أن مربع الوتر في المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع مربع الساقين.

الثانية: أن مربع الوتر في مكعب يساوي حاصل جمع مربع خطوط الطول والعرض والعمق.

فتكون المسافة من المشاهد إلى النقطة (ن):

22 + 23 + 26

- 2 -

لنفرض أنّ النقطة المادية (ن) تحرْكت من وضعها الأول في (م) إلى وضع آخر، وليكن (م1) بمعدل سرعة متر واحد في الدقيقة الواحدة؛ ثم لنفرض أنها بلغت وضعها الجديد بعد دقيقتين من تحركها، فالمسافة (م - م1) يستغرق قطعها زمناً. وهذا بلا شك يثبت أن الزمان يتداخل في المكان ويندمج به ليكوْنا البعد الرابع للمادة.

هذه قضية البعد الرابع في النسبية الخصوصية في أبسط صورها، ولكنها ليست كل شيء كما سنرى.

- 3 -

لا يمكن فصل الزمان عن المكان ولا المكان عن الزمان، لأنك لا تتصور حادثة إلا وتتصور أوان حدوثها، ولا تتمثل في ذهنك حركة إلا ويتطرق إلى وعيك الزمن الذي أستغرقه الجسم في الحركة.

إنه لا يمكن تصور شيء في الوجود لا يشغل مكاناً ولا يحدث في زمن. فالبعد الرابع في النسبّية ليس إلا إدماج الحركة في المسافة، إذ تُعبر عن المسافة بحاصل ضرب معدل السرعة في وحدة زمانية بوحدة زمانية أخرى.

هذه العملية نظرية لأننا لم نعمل حساب الزمن الذي تستغرقه شعاعة النوع في التحرك لقطع المسافة من مكان وقوع الحادثة إلى المشاهد؛ ذلك لأن المسافات على سطح كرتنا الأرضية قصيرة، ولا يحس فرق زمني إذا ما انسابت في فضائها موجات النور. أما في المسافات السحيقة بين الأجرام فالأمر يحتاج إلى حساب الزمن الذي تستغرقه شعاعة النور في الوصول إلينا، لأن هذا الزمن يتضخم حتى يبلغ ملايين السنين في المسافات السحيقة. فمن المعلوم أن شعاعة النور تستغرق نحو 9 دقائق للوصول إلى أرضنا من الشمس، كما أن شعاعة تصدر من السدم اللولبية تحتاج إلى مليون عام لتصل إلينا، وقد تحتاج أحيانا إلى مائة مليون عام؛ فهذا النجم يبعد عنا بنحو 124. 264. 801. 625. 000 ميل. فاحسب كم عاماً تحتاج له شعاعة الضوء لقطعه مع أنه قريب إلى أرضنا بالنسبة للسدم والمجرَّات.

لا شك أننا لا نجد الشمس إذا نظرنا إليها إلا كما كانت قبل دقائق؛ فلو فرضنا أن الشمس انكسفت فجأة فأنها تنير لنا نحو تسع دقائق بعد كسوفها تكون خلالها الشعاعة الأخيرة التي صدرت من الشمس قد وصلت إلينا. فكأن المسافة قد تمددت بالنسبة لنا وأندمج الزمان في المكان.

- 4 -

إن قانون ثبات سرعة النور الذي هو نتيجة لتجربة (ميكلصون - مورلي) يقضي بأن قوانين الطبيعة الشاملة للحادثات ثابتة. لأن هذه القوانين قائمة على انتشار النور بسرعة ثابتة في كل الاتجاهات. وما دامت سرعة النور ثابتة والنور يحدد من حدوث الحوادث فقوانين هذه الحوادث ثابتة. هذا المبدأ الذي أستخلصه ألبرت أينشتين في تيه من المعادلات الرياضية الفائقة طبقه العالم مينقوفسكي على حادثات الكون والظاهرات الضوئية والإلكترومغناطيسية. وقد كان هذا المبدأ في صورة أخرى ذائعاً في علم الطبيعة الكلاسيكي إذ كانت تفرض أن الحوادث تحدث في العالم بالنسبة للأثير دون أن تتأثر بحالات الأكوان التي تحدث خلالها من حركة أو سكون. هذا المبدأ المطلق كان موضوعاً جوهرياً في علم الطبيعة الكلاسيكي. غير أن هنري بوانكاريه العالم الرياضي الفرنسي الشهير عدل عن هذا المبدأ وقرر أنه من المحال الاستناد إلى التجارب التي تجري داخل عالم متحرك في استخراج حركته المطلقة استناداً على تجربة (ميكلصون - مورلي) كما سبق.

لقد عمل ألبرت أينشتين على أن يلائم بين سنة ثبات النور في سرعتها ومبدأ ثبات قوانين الحادثات، فقرر أن الضوء يتصف بسرعة ثابتة في انتشاره في جميع الجهات أياً كان الكون الذي ينتشر خلاله. ولتوضيح هذا القانون نفرض عالماً متحركاً مثل (ع) وعالماً آخر مثل (ع1)، ولنفرض أن سرعة الضوء في العالم الأول (ص) وفي الثانية (ص1)، ولنفرض أن السرعة (ص) أكبر من السرعة (ص1)، فستكون سرعة النور في العالم الأول أكبر منها في العالم الثاني. فتكون السرعة النسبية إذن غير ثابتة في كل الأتجاهات، إذ تتأثر بحركات العوالم المنسوبة إليها والتي تنتشر خلالها. ولما كانت تجربة (ميكلصون - مورلي) قد أثبتت أن السرعة (ص) هي عين السرعة (ص1) فاستناداً إلى قانون لورانتز في التقلص ونتيجته في استحالة استخراج الحركة المطلقة وثبات سرعة الضوء نقرر ثبات قوانين الحادثات ووحدتها.

وهنا قد يتبادر إلى ذهننا سؤال: هل في إمكاننا أن نؤلف بين سنة ثبات سرعة الضوء ومبدأ النسبية؟

مبدأ النسبية الكلاسيكية يقرر أن الحادثات الكونية التي تحدث في كون متحرك لا تتبع حركة الكون الذي تحدث فيه، فكأنها تحدث في عالم ساكن غير متحرك. فهل في الإمكان التوفيق بين هذا المبدأ النيوتوني وسنة ثبات انتشار الضوء في الفضاء؟

إن الإجابة على هذا السؤال ترجع بنا إلى مسألة التواقت التي توحي إلينا أن الزمان ليس بفكرة آنية كما تقرر علوم الطبيعة الكلاسيكية، وأن مفهوم السرعة مشتق منه، بل إن سرعة النور وثبات هذه السرعة يجب أن يعدا من المبادئ الأولية ومنها يشتق مفهوم الزمان. فكأننا براصد الحادثات مقيد بآلاته يقرر حسبما تتراءى له الحادثات، والزمان بالنسبة للمكان وليس هو بالشيء الوهمي الذي تصوره لورانتز بل له حقيقة موضوعية طبيعية.

إسماعيل أحمد أدهم