مجلة الرسالة/العدد 130/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 130 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 30 - 12 - 1935 |
آنساتنا والثقافة الأجنبية
ثار أخيراً في مجتمعنا الأدبي حوار طريف، بين الكاتب الفكه الأستاذ فكري أباظه وبين بعض آنساتنا المثقفات؛ فالأستاذ ينعى على أولئك الآنسات المثقفات أنهن برغم ثقافتهن الواسعة الفرنسية والأدب الفرنسي، لم يتزودن بأي قسط من العربية والأدب العربي، وأنهن يكدن يعجزن عن أن يعربن عن آرائهن بالعربية، وأنهن يبالغن في الانصراف إلى الفرنسية وإلى الكتابة بها. وقد حاولت إحدى الآنسات اللائي يوجه اليهن هذا اللوم، وهي من أعضاء الاتحاد النسائي المصري أن تدافع عن موقفهن، فضربت مثلاً بإحدى زميلاتها وقالت إنها تعلمت في باريس، ولم تعرف مصر إلا فتاة ناضجة فلا جناح عليها إذن، والتبعة في ذلك - إن كان ثمة تبعة - تقع على أسرتها، ثم قالت: إن أولئك الآنسات يكتبن بالفرنسية لكي يسمعن صوت المرأة المصرية إلى الخارج، وأن العربية لا تقرأ في باريس ولا لندن ولا برلين
ونحن نؤيد الأستاذ فكري أباظه في ملاحظته كل التأييد فأولئك الآنسات اللائي يعتصمن بالثقافة الأجنبية يذهبن في هذا الاعتصام إلى حد الإغراق، وإلى حد الانفصال عن البيئة المصرية والمجتمع المصري؛ وفي رأينا أن مثل هذه الثقافة الأجنبية تفقد كثيراً من قيمتها لأنها لم تقرن بقسط من الثقافة العربية السليمة؛ ولسنا ندري ما المانع في أن تمثل الثقافتان معاً، وذلك أن من المحزن أن نرى أولئك الآنسات يكدن يعجزن عن الإفصاح عن أفكارهن بالعربية العادية فضلا عن الكتابة بها، وليس صحيحاً أن قضية المرأة المصرية تخدم فقط عن طريق الكتابة بالفرنسية، لأن الفرنسية تقرأ في برلين ولندن، فالمرأة المصرية بحاجة إلى التحدث إلى أبناء جنسها أولا وقبل كل شيء، وقضية المرأة المصرية (إن كان ثمة لها قضية) يجب أن تبث في مصر أولا وباللغة العربية قبل كل شيء؛ ولسنا نعرف في الواقع مثلا لهذا النوع الغريب من الثقافة في أي بلد متمدين؛ ففي الغرب لا يمكن أن يحول أي عذر دون تذوق الثقافة القومية، وإذا نهل الراغبون من أية ثقافة أجنبية، فهي دائما إضافة فقط إلى جانب الثقافة القومية؛ ولم نسمع بأن مستشرقا ممن يفنون أعمارهم في دراسة اللغات والآداب الشرقية قد أعجزه تعلم العربية أو الفارسية عن الكتابة بلغته الأصلية؛ كذلك يجب ألا يغيب عن ذهن أولئك الآنسات أن هذا الاعتصام المحزن بثقافة أجنبية يجعلهن في شبه عزلة من المجتمع المصري الصحيح، ويحرم القضية التي يدافعن عنها من كثير من العطف القومي وهو ألزم لها من أي عطف أجنبي، وأن تلك الصلة الروحية التي أنشأتها الطبيعية بين المرء ولغته الأصلية وماضي أمته وتراثها العقلي وهو خير دعامة في صرح الوطنية الصحيحة والعزة القومية الأثيلة
تاريخ الأديب
كتب الكاتب الفرنسي الكبير بيير بنوا عضو الأكاديمية الفرنسية كلمة يصور فيها تاريخ (الأديب). وفي رأيه أن الأديب لم ينشأ محترفاً بطبيعته، ولكنه قطع زهاء عشرين قرنا قبل أن ينتهي إلى هذه النتيجة؛ فمنذ العصور القديمة، أعني منذ فرجيل وهوراس، وفي خلال العصور الوسطى والعصر الحديث نجد الأديب (هاويا) ينساق إلى ميدان الأدب بفطرته وذوقه، وتحقيقاً لهواه وشغفه؛ وقلنا نجد أدبياً أو مفكراً يعمل ليعيش من قلمه؛ بل كان كل هنالك من كتاب وشعراء ومؤرخين يعيشون في كنف الأمراء والكبراء ويلوذون جميعاً برعاية ملك أو عظيم من العظماء، يتخذون مكانهم في بطانته، ويعلمون له كمستشارين أو مدبرين، وإلا عاشوا على مديحه وملقه، أو يتخذهم معلمين لأولاده، أو بوقاً لوحيه؛ وقلما نجد كتاباً كتب في هذه العصور إلا وقد صدر بإهداء وتحية رقيقة لملك أو عظيم، وليس معنى ذلك أن الأديب لم يكن يكسب من قلمه، فقد كان ثمة أدباء يكسبون من ثمرات قرائحهم وأقلامهم، ولكنه كسب ضئيل جدا، لم يكن ليصلح لهم قوتاً أو حياة، ولنذكر على سبيل التمثيل أن راسين قد باع مخطوطة (أندروماك) بما يساوي ألفا ومائتي فرنك. ويستخلص مسيو بيير بنوا من ذلك أن الأديب المحترف لم يخلق مختارا في المجتمع، ولكنه بدأ (هاوياً)، لا تمنعه عبقريته من يكون من ذوي الهوى والشغف، وهذا الهوى ما زال يؤثر أكبر تأثير في تكوينه وفي مصايره
نقول، وهذه الصورة التي يقدمها بيير بنوا عن تاريخ الأديب في بلاد الغرب، ليست بعيدة عن الصورة التي يمكن أن نقدمها عن تاريخ الأديب المشرق؛ فقد نشأ الأديب فيه أيضاً هاوياً يعيش في كنف الأمراء والعظماء، ولم يتقدم في سبيل الكسب إلا بعد عصور؛ بيد أن الكسب الأدبي لم يكن أساسياً في عبقريته أو إنتاجه، ولم يكن قوام عيشه وحياته ترجمة لجالسوير ذي
منذ نحو عام ونصف توفي جون جالسوير ذي عميد الكتاب القصصين الإنكليز ورئيس نادي القلم الإنكليزي؛ ومن ذلك الحين يعنى جماعة من أصدقائه بوضع كتاب جامع عن حياته، وقد صدر هذا الكتاب أخيراً بعنوان (حياة جون جالسوير ذي ورسائله) بقلم الكاتب والنقادة المعروف مستر هـ. ماروت، وهو مجلد ضخم في نحو تسعمائة صفحة، ولكنه ليس بالكثير على رجل كان طليعة القادة والزعماء في الأدب الإنكليزي المعاصر. وفي حياة جالسوير ذي ما يستوقف النظر، فهو لم ينشأ كاتباً ولا قصصياً، ولم ينزل ميدان الكتابة إلا بعد أن طوى مرحلة الشباب؛ وقد هام في صباه بالرياضة والرحلات، وكان أول عهده بهوى الكتابة رحلةٍ قام بها في البحار الجنوبية؛ وشاءت الأقدار أن يلتقي على ظهر السفينة التي أقلته ببحار فتى بولوني يدعى يوسف كونراد، وقد كان هذا البحار الفتى أديباً، وشاءت الأقدار غير بعيد أن يغدوا كاتباً شهيراً، وأن يكتب بالإنجليزية قصصاً رائعة؛ وكانت صحبة تاريخية بين الكاتبين العظيمين، وكان لقاء له أكبر الأثر في تطور حياة جالسوير ذي
وثمة ظرف آخر كان له في حياة جالسوير ذي وفي تكوينه الأدبي أكبر تأثير، وذلك هو حبه لزوجه، وهو حب كان يشوبه الحزن والألم لما كانت تلقاه هذه الزوجة العزيزة من صنوف الأوصاب المبرحة، وقد أذكى هذا الظرف المؤلم عاطفة الحب عند جالسوير ذي، وأذكى مشاعره الإنسانية، فغدا نصير المكلومين والبؤساء، وأضحى القلم في يده أداة للتعبير عن هذا الحب الإنساني؛ وهكذا أضحى جالسوير ذي مصلحاً وزعيما إنسانياً. ويقال إنه كان ينفق نحو نصف دخله لغوث المنكوبين والبؤساء
هذه الظروف والمواقف المؤثرة في حياة جالسوير ذي يعرضها مستر ماروت في عرضاً قوياً بديعاً، ويورد خلال حديثه للكاتب عشرات الرسائل التي لم تنشر من قبل
جائزة فمينا لسنة 1935
منحت جائزة (فمينا) الأدبية الشهيرة عن هذا العام لسيدة شاعرة، هي الكاتبة والشاعرة الفرنسية كلود سيلف أو الكونته دلافوريه ديفون، وقد نالت السيدة هذه الجائزة بكتابها المسمى (البركة) وهو قصة شعرية لقصر قديم ترويها سيدة قارئة في زاوية سحيقة من زوايا القصر، وتذكر خلالها طائفة مدهشة من العجائب والخوارق، وقد وصف الكتاب بأنه قطعة من الأدب الساحر، وأنه صورة قوية للأدب النسوي، يفيض رقة ورشاقة، وهو مكتوب بالشعر الريفي القوي المؤثر، وقد صرحت مؤلفته مدام سيلف أنها ما كانت تنتظر قط أن يظفركتابها بمثل تلك الجائزة الخطيرة، لأنها تعتقد أن جمهور القراء قد انصرف منذ بعيد عن قراءة الشعر، أما الآن فهي تعتقد أن الجمهور ما زال يحتفظ بذوقه الشعري، وأنه في وسع المرء أن يكتب الشعر وأن يقدمه إليه
في أدب الشباب
جرت مجلة (آلاباج) الفرنسية على أن تخصص في ديسمبر من كل عام جائزة أدبية قدرها ألف فرنك (نحو خمسة عشر جنيهاً) تمنح عن أحسن قصة صغيرة يكتبها شاب دون الحادية والعشرين. وقد منحت هذه الجائزة هذا العام لطالب طب يدعى (آلان ليجيه) عن قصة كتبها وقدمها بعنوان (الخلاصة)، وتشرف على تخصيص هذه الجائزة لجنة أدبية مكونة من عدة من أعلام الكتاب مثل جورج دوهامل، وفرنسوا مورياك، وبونار. وقد صرح مسيو دوهامل للصحفين أن القصة التي منحت الجائزة هذا العام هي أحسن قصة للشباب قرأوها منذ أربعة أعوام. والظاهر أن سيكون لهذا الطالب القصصي مستقبل زاهر في عالم الأدب