مجلة الرسالة/العدد 13/بين صياد وأسد
→ من طرائف الشعر | مجلة الرسالة - العدد 13 بين صياد وأسد [[مؤلف:|]] |
في الأدب الشرقي ← |
بتاريخ: 15 - 07 - 1933 |
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
// لاقى أسامة وهو الضيغم الضاري ... في الغاب صياد آساد وإنمار
فقال واليدُ تحوي بندقيته ... يلقي عليه سؤال العاتب الزاري
يا ليث قل لي: لماذا أنت ذو ولعٍ ... بقتل باقورة ترعى وبَقار
فقال بالقتل يغريني السعار فسل ... من كان يقتل لهواً بالدم الجاري
وقد أحاول قتل النفس مثئرا ... والقتل للهو غير القتل للثار
وربما اضطرني للقتل معترض ... وما على القاتل المضطر من عار
القتل فيه حياة لي سأشكر من اجله من ... له حياتي بأنياب وأظفارِ
أصوم يومي وحسبي أن يكون على ... دم عبيطٍ لظبي صدتُ إفطاري
لأنت أضعف مخلوق ويدهشني ... ما في سلاحك من سحر وأسرار
ان القضيب الذي تلهو يداك به ... يكاد يخطف منه البرق إبصاري
وتعتري رجفة مني الفؤاد لدى ... سماع صوت له كالرعد هدار
وهذه الأرض من خوفي سأهجرها ... فلست تسمع بعد اليوم أخباري
لأنت أعدى عدو لي يطاردني ... وأنت أجدر من عاد بإكباري
قد كنت أحمي عريني أن يطوف به ... وحش وأني ذاك القسوَر الضاري
إذا زأرتُ فإني مثل راعدة ... أو انقضضت فاني شبه إعصار
وقد أهاجم جاموسا فاصرعه ... بضربة من يميني ذات آثار
ما اكثر الوحش في الآجام وأغلة ... وما بها كل ذي ناب بمغوار
واليوم إني على ما فيّ من ثقةٍ ... بقوتي خائف من زندك الواري
الليل منك إذا ما جن يسترني ... أما النهار فواشٍ غير ستار
إني أقر بأوزاري التي عظمت ... لو كان يذهب إقراري بأوزاري
ان كنُت أقتل ذا شر يهاجمني ... فقد قتلتم الوفا غير أشرار
بالسيف، بالنار، بالغازات خانقة ... وبابتعاث الوباء الفاتك الساري
ونحن إما أردنا البطش ننذركم ... وتفتكون بنا من غير إنذار ندنو فنقتل بالأنياب عن كثب ... وتقتلون برغم البعد بالنار
كانت لنا الأرض ملكا قبل خلقكم ... من صلب قرد طريد آكل الفار
سل إن شككتَ رجال العلم يعترفوا ... بما أقول وما ذو الجهل كالداري
بلى أضرُّ إذا ما وجعت مفترسا ... لكني لست في شبعي بضرار
\ لا أوثر القتل حُباً في محاسنه ... بل ان في حاجتي بعثاً لإيثاري
خلقت ليثا هصوراً وسط غابته ... ولم أكن أنا في خلقي بمختار
إني بكوني رِئْبالاً لمفتخرٌ ... فلا تعيبنَّ أخلاقي وأطواري
وجدت في الغاب نفسي ضاريا أسداً ... فهل يعير مني الهازئ الزاري؟
ولست تعلم ما نفسي ترى حسناً ... فان رأسك يحوي غير أفكاري
أما الحياة فليست مثل ما زعموا ... مقسومة بين أشرار وأبرار
أدير عيني في الأحياء أرقبها ... فلا ألاقي أمامي غير أشرار
ان القوي ليبقى والحياة وغى ... في البرِّ في البحر، في الأجواءِ في الغار
ولا يعيش عزيزا غير مجترئ ... ولا يموت ذليلا غير خوار
تود سجني لو تستطيع في قفص ... ويمقت السجن حر شبل أحرار
الخريف والزهرة
همس الخريف لغرسة فواحة ... ضحك الربيع لها وبرعم عودها
اليوم يرقصك النسيم وتلتوي ... بيد النسيم من الزهور قدودها
اليوم تفرح بالربيع خمائل ... جليت مطارف زهوها وبرودها
اليوم تسكركِ الطير وتسمعي ... ن على الغصون مرنما غريدها
لكن غدا! وغدا إذا خف الهوى ... وذوت أزاهير المنى وورودها
يمشي الشحوب على محاسنك التي ... سطعت يزيل خطوطها ويبيدها
وأمد كفي للزهور تهزها ... تيهاً، فيفرط شذرها وفريدها
فذري حياة للعذاب تألفت ... ويل الشقاء يشوبها ويعودها
قالت حياتي يا خريف عزيزة ... وأنا على رغم الشقاء أريدها
أنا كالغواني تستلذ العيش ما ... فتئت تشع ميولها وخدودها قال الخريف: أميتها وتميتني ... قال الربيع: تعيدني وأعيدها
خليل هنداوي
عبقر
لأسرة المعلوف قدم سابقة في الأدب، وعبقرية خالقة في الشعر، ورحم الله فوزي المعلوف فقد ابتدأ الشعر من حيث انتهى غيره ولو لم يحتضر وهو في ريق العمر لأرى الناس كيف يتحضر الشعر ويتجدد الأدب. وقد نبغ اليوم من هذه الأسرة الكريمة الشاعر الشاب شفيق المعلوف: فقد نظم ملحمة عنوانها (عبقر) ثم نشرها في البرازيل. وسنكتفي اليوم باختيار شيء منها على ان نعود إلى الكلام عنها في عدد قادم.
قال من الفاتحة:
يا يقضة تنفض عن مقلتي ... إغفاءة طارت وحلماً نأى
ان الضحى صعد أنفاسه ... على سراجي فغدا مطفأ
ومن تكن حالته حالتي ... لم يستعض بالسيئ الأسوأ
ما الفرق في نومي وفي يقظتي ... وكل في يقظاتي رؤى؟
شيطان الشاعر:
على الربى استلقى شعاع الضحى ... يعبث فيه الأرج العاطر
فعانق الزهر وضمتهما ... غمامة علقها الناظر
غمامة بينا أراها إذا ... شيطان شعري تحتها سائر
كأنه لما بدا خفية ... أظهره فوق الثرى ساحر
في فمه من سقر قطعة ... منها يطير الشرر الثائر
ووجهه جمجمة راعني ... أنيابها والمحجر الغائر
كأنما محجرها كوة ... يطل منها الزمن الغابر
أقبل نحوي قائلا إنني ... طوع لما يقضي به الآمر
أتيت والليل طوى ذيله ... فعم صباحاً أيها الشاعر
قلت لشيطاني: أمن حالق ... أتيتني ام من شقوق الثرى؟ فقال إني جئت من بقعة ... خافية تدعونها عبقرا
تسوس فيها الجن عرافة ... ترى بزجر الطير ما لا يرى
الشعر ولاّها شياطينه ... فسادت الهوجل والهوبرا
ساحرة مطلسم مسحها ... تطوي بها الأجيال والأعصرا
تقفوا السعالي أثرها كلما ... أججت المندل والعنبرا
جن من النور جلابيبها ... في كل سعلاة ترى نيرا
تضطرب الأرض متى أقبلت ... قاذفة عزيفها المنكرا
فقم بنا صاح إلى عبقر ... نجوس ذاك المجهل الأوعرا
وانطلق الشيطان في الجو بي ... كأنه النيزك أو أسرع
مكنت من فقاره قبضتي ... مندفعا أصنع ما يصنع
حتى تهاوى بي إلى موضع ... ما راقني من قبله موضع
غمائم زرق على متنها ... منازل جدرانها تسطع
تثور في أبراجها ضجة ... بها يضيق الأفق الأوسع
فقال هذي عبقر ما ترى ... وضجة الجني الذي تسمع
عزت على الأنس فمن حولها ... أبالس الأبراج تستطلع
أنحاؤه الأربع مرصودة ... تحرسها الزعازع الأربع
ما أفلت الإنسي من زعزع ... الا تلقى صدره زعزع
الشهوة:
جنية تمعن في وثبها ... كأن شيئا حولها راعها
حُلَّتها كالضوء شفافة ... عن بشرة تزيد إشعاعها
كأنما الشمس التي كورت ... من حلقات النور أضلاعها
ألقت إلى الأرض بما أبدعت ... ليكبر العالم إبداعها
إن بسطت ذراعها أحجمت ... ملتاعة تود إرجاعها
ثم أراها وهي مأخوذة ... تطوي على ما لا أرى باعها
من عالم الأجساد مبلوَّة ... بنهمة تود إشباعها لشهوة في نفسها طاردت ... في ظلمة الأدغال اتباعها
تعانق الأرواح حتى إذا ... خابت مضت تحمل أوجاعها
شفيق المعلوف