الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 129/بمناسبة ذكرى المتنبي الألفية

مجلة الرسالة/العدد 129/بمناسبة ذكرى المتنبي الألفية

مجلة الرسالة - العدد 129
بمناسبة ذكرى المتنبي الألفية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 23 - 12 - 1935


دنيا المتنبي

إن أهنت الدنيا فانك دنيا ... كلها عزة ونبل وجود

للسيد أمجد الطرابلسي

هكذا المجدُ! هِمَّةُ وصُعودُ ... وَحَياةٌ بعدَ الرّدى، وَخُلودُ

هكذا المجدُ! صَيْحَةٌ تَمْلأ الأر ... ضَ كما تَملأُ الفضاَء الرُّعودُ

هكذا المجدُ! وَمْضَةٌ تَبْهَرُ العَي ... نَ، وَتُجْلى بها اللَّيالي السّودُ

هكذا المجدُ! فَرحةٌ لِبَني الأَر ... ضِ وللارضِ والسّماءِ وَعِيدُ

هكذا المجد مَجْدُ (أَحْمَدَ) لَحْنٌ ... في سَماعِ الدّنيا لَهُ تَرْديد

نَفْحَةٌ مِنْ خَمائِلِ الخُلْدِ رَيّا ... بِشَذاهُ، وَبُلْبُلٌ غِرِّيد

يا نَبِّي القَريض كَمْ لكَ بَيْتٍ ... مَلأَ الخاِفَقْينِ وَهْوَ شَرودُ!

كم خطاب فَصْلٍ، وَكم مَثَلٍ سا ... رَ فَأبلى القُرونَ وَهْوَ جَديد!

سائِلِ الأَعْصُرَ الطِّوالَ أَأَوْدى ... لكَ فيها بَيْتٌ وماتَ قَصيد؟

يَتوإلى المَدى وشِعْرُكَ باقٍ ... وَتَشيخُ الدّنيا وَأَنْتَ وَليد

شِعْرُكَ المُسْتَفيضُ في عُنُقِ الأَ ... يّامِ دُرٌّ وَلُؤْلُؤٌ مَنْضود

أيُّ سَلْوى عَنِ الزّمانِ يَراها ... في قَوافيكَ بائِسٌ منْكود

أي سَلْوى عنِ الحَبيبِ يَراها ... في قوافيكَ ثاكِلٌ مفؤْود

شِعْرُك النارُ للجَبانِ سِلاحٌ ... وَعَتادٌ وَعَزْمةٌ وَجُنود

وَهُتافٌ يُهيبٌ بالنِّكْسِ حَتى ... يَرِدَ الكالِحات وَهْوَ جَليد

يَستَثِيرُ الاسْرى على الظْلمِ حَتى ... يَتَبَزَّى المُقَيَّدُ المَصْفود

وَيَهزُّ الدنْيا على الجَوْرِ حَتى ... تَتَفَرى سَلاسِلٌ وَقُيود

أَيُّها الشاعِرُ الذي أَطْرَبَ الأَجْ ... يالَ مِنْهُ الإنْشادُ والتَّغْريد

وَغَدا الدهْرُ راوياً وَمُعيداً ... لأَغاريدِهِ، وَجَلَّ المُعيد

أَيُّها الشّاعِرُ الذي سَحَرَ الأسْ ... ماعَ حَتى كأنَّهُ داوُد

وَتَغَنَّى بِلَحْنِهِ الفَلَكُ الدَوَّا ... رُ وَاليَمُّ وَالرُّبى وَالبِيد مِلءُ صَدرِ الزَّمانِ حِكْمَتُكَ المُث ... لى وَإرْشادُكَ القَويمُ السَّديد

(أَنْتَ في شِعْرِكَ العظيمِ نَبِيٌ) ... مُرْسَلٌ مُلْهَمٌ وَأُفْقٌ مَديد

وَفُحولُ القَريضِ بَعْدكَ يَرْوي ... هِمْ عَلى الدهْرِ بَحْركَ المَرْفود

هكَذا الشّعْرُ نِعْمَةُ اللهِ في الأَرْ ... ضِ تَغَنَّى بِها الهُوى والنُّجُود

يَتَخَطَّى الزَّمانَ جيلاً فَجيلاً ... وَيُبيد القرونَ وَهْوَ خَلود

يا ابْنَ حَمْدانَ أَنْتَ لَولا أبو الطِّيِّ ... بِ أنّى لِذِكرِكَ التّخْليد

أَنْتَ أَوْلَيْتَهُ العَطايا جُزافاً ... والعَطايا مَعَ الزَّمانِ تَبيد

وَحَباك الخُلودَ في مُصْحَفِ العِزِّ ... م وَهذا هَو النَّدى والجود

أَنت لولاهُ ما رَأَيناكَ في السا ... ح، وَلْلحَرْبِ ضَجَّةٌ وَبُنود

تَصدعُ الجَحْفَلَ الألَفَّ بِسيْفٍ ... مُصْلتٍ حُرِّمتْ عَلَيْهِ الغُمود

باسماً تَطْلُبُ الرَّدى مُستميتاً ... وَالرَّدى مِنْكَ خائِفٌ مكدود

وَفلولُ الأعداءِ تبَغْي عَنِ المْو ... تِ مَحيداً وليس ثَمَّ مَحيد

كلهم يصرُخُ النجاةَ ويطوي ... صفَحاتِ القِفِار وهْوَ شَريد

صورَةٌ للنِّضالِ عَيني تراها ... في ارتِياعٍ، ومنْظرٌ مشْهود

ياأبا الطّيّبِ الزَّكِّي مِنَ الوَحْ ... ى ويا أيها الحديثُ الفَريد

إنْ أهْنت الدُّنيا فإنَّكَ دُنْيا ... كلها عِزَّة ونُبْلٌ وجود

قد أبيت الرِّياَء والكونُ خَتْلٌ ... ورِياءٌ وخُدْعَةٌ وسجود

وحَقَرْتَ الدنيا يموجُ بها الش ... رُّ وتَغْلي مطامِعٌ وحُقود

وسَئِمْتَ الحياةَ رَتَّقَها الظلْ ... مُ وأَوْدى بصفْوِها التَّصْريد

يَتلوَّى النَّبيغُ فيها من الجو ... عِ ويَعْلو عروشَها الرِّعديد

آفةُ المرءِ في الحياةِ شُعورٌ ... مستفيضٌ وخافِقٌ مَجْهود

ونصيبُ الإنْسانِ بين الجلامي ... دِ عذاب وحُرْقَةٌ ونكود

وأخو النُّبلِ والإباء بغيضٌ ... تتجافى عنهُ الرِّفاقُ، وحيد

مُستضامٌ يطوى الحياةَ كميداً ... وهْوَ في مُرِّ عيشِه محسود

ئِدُ العمرَ في تُرابِ التمني ... والأمانِيُّ لَوْعةٌ وجهود يا أبا الطيِّب السَّنيِّ منَ الذك ... رِ ويا أيُّها الثَّناءُ الحميد

ما الذي أشتكى إليكَ وقَلبي ... مُفْعَمٌ مُوجع، ودَمعي بدِِيد

قد شكوتَ الزَّمانَ والمجدُ مجد ... عربيٌّ، وغُصنُه أُمْلود

وملِلْت الحياةَ في ظِلَّ (سيفٍ) ... وهْوَ فَحْلُ العُروبةِ الصِّنْديد

فلعَمري ماذا نبُثُّ ونشكو ... بعدَ أن صوَّح التراثُ المجيد؟

قد عفا المُلكُ وانطوى كلُّ عزٍّ ... وهوى العرشُ والبناءُ المَشيد

(وغدا الحُرُّ من بني الصِّيد عبداً ... بينما العبدُ سيِّدٌ معبود)

وتمشي الصَّغارُ فوق شبابِ ال ... مجد يختال هازِئاً ويسود

وبنو الصِّيد نائمونَ على الضَّيْ ... مِ فلا غُصَّةٌ ولا تنكيد

يا أبا الشِّعر أين منك دويٌّ ... هو للظلْم والطغاةِ وعيد

أين صَيْحاتُكَ التي تتنادى ... بصداها يومَ الزِّحامِ الأسود

قُم وصَرِّخْ بين الغُفاةِ مُهيباً ... فلقد طالَ بالنِّيامِ الهجود

وأثِرْ نخوَةَ الضّراغِمِ حتى ... يُرْخِصوا كلَّ مُهجةٍ ويجودوا

وصْمةٌ للخلودِ أن تمَّحى العُرْ ... بُ، ويَبلى لِواؤُها المعقود

ويصيحُ العفاءُ في رَبْعِها القَفْ ... رِ، ويُطوى حديثُها الممدود

يا أخا المجدِ والمكارِمِ ماذا ... في حياةٍ نعيمُها تعقيد؟

لو تَركتَ الدنيا وأهْوالَها السُّحْ ... مَ، فإِن الحياةَ فيها جُدود!

أنتَ تَبغي السماَء والجَدُّ يأبى ... وتروضُ الزَّمانَ وَهْوَ عنيد

قد رَكبتَ الأهوالَ في دَرَكِ المُلْ ... كِ فلا راحةٌ وَلا تهجيد

وقطعتَ القِفارَ يحمِلُك الشَّو ... قُ ويحدوكَ حلْمكَ المنشود

عْزمةٌ دونَها السُّيوفُ المواضي ... وإباءٌ، وَهِمَّةٌ لا تميد

وَمَضاءٌ يستعذِبُ الموت وِرْداً ... ويفُلُّ الصُّروفَ وَهْو حديد

وإذا النفس دُلِّهت بمُناه ... فالمنايا خمائلٌ ومُهود

حلُمُ يستيبك في أُفق المج ... دِ بَهِيٌّ، لا أعيُنٌ وخدود

وقدود القَنا سَبتْكَ غراماً ... لا قدود عاجِيّةٌ وَنُهود رُضتَ صَعبَ الفلا وجُبْتَ الصحارى ... ظامئاً يطَّبيك وِرْدٌ بَرُود

(وشَققْتَ النّوى إلى العِزِّ حتى ... جاَءك الموت في المطاف يصيد

فرميتَ السِّلاح بعد حياةٍ ... كلها ثورَةٌ وجَهد جهيد

ولقيتَ الجَمامَ في كنفِ المو ... تِ وقد عزَّ في الحياة الهُمود

ثُم ضاقَ الثرى الرحيب وضقت ... عنك يا ابْنَ الخلودِ هذي اللُّحود

فمحتْ قبرَكَ السِّنون المواحي ... ومشى فوقُه الزمانُ المبيد

مُتَّ إلا صداك فَهْو مُرِنٌ ... هازئٌ بالمَدى الطويل، شديد

إن عفا قبرُكَ الضئيل فأنت ال ... يوم في كلِّ خافقٍ ملحود

أوْ خبا لحنُك الجميل فأنتَ ال ... يوم في مِسمع الزمان نَشيد

(دمشق)

أمجد الطرابلسي