مجلة الرسالة/العدد 126/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 126 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
النقد ← |
بتاريخ: 02 - 12 - 1935 |
تولستوي لمناسبة الاحتفال بذكرى وفاته
تحتفل روسيا السوفيتية خلال شهر ديسمبر بإحياء ذكرى كاتب روسيا وفيلسوفها الكبير ليون تولستوي، وذلك لمناسبة مرور خمس وعشرين سنة على وفاته. ولقد محت الثورة البلشفية كثيرا من معالم روسيا وذكرياتها وتقاليدها القديمة، ولكن روسيا السوفيتية ما زالت تحرص على رعاية الآداب والعلوم والفنون، وما زال هذا الحرص يتجلى في كل موقف ومناسبة، وذكرى تولستوي تتبوأ في الأدب الروسي بل وفي الأدب العالمي أسمى مكانة، وما زالت الثورة البلشفية تنحني إجلالا لذكرى هذا الذي رفع الأدب الروسي إلى السماكين، واتشح بنوع من القدسية تجعل ذكراه وتراثه فوق كل ثورة وانقلاب
توفي تولستوي منذ خمسة وعشرين عاما، وفي 20 نوفمبر سنة 1910؛ وكان مولده سنة 1828 في قرية باسينا بوليانا من أعمال مقاطعة تولا في أسرة قديمة عريقة في النبل؛ وتوفيت والدته وهو في الثانية من عمره، ثم توفي أبوه في التاسعة من عمره؛ فكفلته وأخوته إحدى عماته، وتلقى معهم تربية خاصة على يد معلم فرنسي؛ وفي سنة 1843 أرسل إلى جامعة فازان ليدرس فيها؛ ولكنه لم يبد براعة خاصة في الدرس، فقضى بها حينا، وغادرها ملولا، وانكب على اللهو بضعة أعوام؛ ولما بلغ الثالثة والعشرين من عمره انتظم في سلك الجيش في قسم المدفعية وأرسل إلى القوقاز، واشترك في حرب القرم تحت إمرة البرنس جور نشاكوف، وقاتل في موقعة سلستريا سنة 1854، وفي موقعة سباستبول سنة 1855. وكان تولستوي قد ظهر في عالم الأدب قبل ذلك ببضعة أعوام، فكتب في بعض المجلات الكبرى، وكتب كتبه الثلاث الأولى وهي (الطفولة) (سنة 1852) ثم (الحداثة) (سنة 1853) ثم (الشباب). كتبها في القوقاز قبل أن ينزح إلى ميدان الحرب، ووصف فيها طفولته وحداثته وشبابه في صورة مؤثرة. وفي أثناء الحرب، وتحت قصف المدافع كتب تولستوي عدة صور وقطع حربية قوية أسماها (قصص سباستبول) وفيها ظهرت روعة مواهبه الأدبية، فطارت شهرته وكان بدء مجده الخالد. وفي (قصص سباستبول) تبدو شخصية تولستوي قوية، ويبدو إجلاله للحقيقة والشمائل الإنسانية والحب الأخوي؛ ويبدو مقته لكل مظاهر الطغيان والعنف. ولما انتهت الحرب عاد إلى بطرسبرج تسبقه شهرته، واتصل فيها بكل مجتمع رفيع وشخصية بارزة؛ واتصل بأقطاب الكتابة والأدب، ولا سيما تورجنيف وجوتشاروف وتكراسوف، وتوثقت علائقه بتورجنيف مدى حين، ولكنها لم تلبث أن فترت لاختلافهما في كثير من الآراء والمبادئ. ذلك أنٍ تولستوي كان ثوري المبدأ والعقيدة، يحرر العبيد في ضيعته، ويغدق العطاء للفقراء؛ ولكنه كان في أعماق نفسه (انفراديا) وكان بعيدا عن الحركة الاشتراكية التي كانت تجرف روسيا يومئذ ويتزعمها جناح قوي من الكتاب والأدباء. هذا إلى أن تولستوي كان عبد الحقيقة يصورها في تفكيره وكتابته؛ بينما كان أولئك الكتاب يكتبون غيرها ما يعتقدون، ويفعلون غير ما يقولون. وقد كانت كتب تولستوي صورة صادقة لشخصه ومبادئه، وكل ما فيها مستمد من حياته ومن نفسه؛ وهذا ما يقرره تولستوي نفسه في بعض كتاباته إذ يقول: (إن الحقيقة هي بطلة مؤلفاتي، وهي دائما نفثه روحي وكل جوارحي)
وفي سنة 1862 تزوج تولستوي من صوفيا بيرس؛ ولم يمض قليل على هذه الحياة الهادئة حتى كتب تولستوي أعظم كتبه قصة (الحرب والسلام) وظهرت لأول مرة سنة 1869 ثم كتب قصته الخالدة (حنه كارنينا) وظهرت سنة 1877؛ وفي هذين الكتابين يصل تولستوي إلى ذروة قوته وروعته. وفي القصة الأولى أعني (الحرب والسلام) يصف تولستوي حوادث الغزوة النابليونية لروسيا؛ ومما يلفت النظر أنه يصف فيها والدته في شخص الأميرة ماري. وقد رأينا أن تولستوي فقد والدته وهو في الثانية، ولكنه مع ذلك يؤكد لنا أنها تركت في ذهنه صورة قوية وأنه احتفظ في ذهنه الفتي بكثير من ذكرياتها وصورها. وأما قصة حنا كارنينا، وهي فيما يرى النقدّه أعظم كتب تولستوي، فهي القصة الخالدة لزواج نكد، وما يترتب على ذلك الزواج من المحن؛ وهي القصة الخالدة لزواج عادي وما يحيط به من العوامل والظروف. هي قصة فتاة تزوجت في سن العشرين رجلا يكبرها بعشرين عاما، وعاشت معه ردحا من الزمن أمينة مخلصة؛ ولكنها في الثلاثين اضطرمت بفورة من الهوى فأحبت ضابطا فتى جميلا واستسلمت إليه؛ ولما ارتاب زوجها في الأمر اعترفت له لأول وهلة؛ وأدرك الزوج بعد التفكير أنه يحمل تبعة هذه الجناية، لأنه جنى على امرأة شابة فتزوجها وهوليس أهلا لحبها، وكأنه اختلسها اختلاسا وارتكب بذلك جرما يعاقب عليه؛ وعلى ذلك فقد شعر أنه يستحق ما أصابه، وترك زوجته الفتية (حنه) وفارقها، وعاش بلا أسرة. ولكن هل كانت حنه سعيدة بهذه الحرية؟ كلا فقد شعرت هي الأخرى باثمها؛ وسرعان ما دب الفتور إلى حبيبها، وأضحت تشعر أنها غدت عبئا ثقيلا عليه، وهكذا حطمت حياتها. وأما العاشق (فرونسكي) فقد كان فتى جم العبث والأهواء، وكان يهوى حنه هوى الفورة والساعة؛ ولكنه شعر أنه أثم أيضا وأن إثمه يوجب عليه أن يبقى إلى جانب تلك التي حطم حياتها ففر معها إلى الخارج وقضى بذلك على مستقبل زاهر كان في انتظاره، ثم كانت خاتمة المأساة ذات يوم في حلبة السباق إذ سقط المحب القديم من فوق ظهر جواد كان يمتطيه فقتل لساعته.
تلك هي الفلسفة الإنسانية الرائعة التي يبسطها لنا تولستوي في أعظم كتبه. وفي سنة 1880 نشر تولستوي كتابه (اعترافي) وفيه يبسط لنا آراءه ونظرياته الدينية. وفي هذا الميدان كما في غيره يبدو تولستوي في صور مختلفة متناقضة، فبينا نراه الرجل المؤمن العريق في الإيمان إذا بنا نراه ملحدا منكرا، وإذا بنا نراه وثنيا وطائفيا. وكتب تولستوي بعد ذلك كتب عدة ورسائل أخرى يغلب عليها طابع التصوف، منها (ايفان ايليتش) و (الكورتيس سوناتا) و (مملكة الله في قلبك) و (ما هو الدين). وساح تولستوي في ألمانيا وسويسرا وغيرهما وكتب صور سياحته في كتابين: أحدهما يسمى (لوسره) ولآخر (مذكرات نخليودو) وغدا تولستوي في كهولته فيلسوفا ومصلحا اجتماعيا يحرر عبيد ضيعته، ويقسم أرضه بين الفلاحين ويعنى بتربيتهم وإرشادهم، ويغيث البؤساء والمنكوبين؛ ومن أثر ذلك أنه نزل عن أملاكه لزوجه وأولاده، وحاول أن يعيش عيشة الزهد والتقشف مثل ما يعيش أفقر أبناء الريف. وكان ذلك سببا في تنغيص حياته العائلية، وفي تسميم علائقه بزوجته. ولما شعر في أواخر حياته أنه غدا بين أسرته كالغريب المنبوذ، فر من منزله سرا. وكان قد تبوأ ذروة مجده منذ أعوام طويلة وغدا يكنفه نوع من القداسة، وكان قد أشرف على نهاية حياته الحافلة فتوفي بعد ذلك بقليل في بلدة استابوفو في 20 نوفمبر سنة 1910، واختفت بذلك شخصية من أعظم شخصيات الأدب الحديث
وكان تولستوي شاعرا وفيلسوفا وناقدا وفنانا، وكانت حياته كلها حياة كفاح واضطراب، ولكنها متناقضات مدهشة؛ فمن أرستقراطية عريقة، إلى ديمقراطية ساذجة؛ ومن إيمان مؤثر إلى الحاد مطبق؛ ومن شغف بالنساء إلى احتقار لهن؛ ومن إنسانية فياضة إلى انانية عميقة. بيد أن تولستوي كان يسمو بروحه ومشاعره إلى أنبل ما يمكن أن تسمو إليه النفس الإنسانية؛ وقد كان لفلسفته وكتبه أثر عميق في تطور المشاعر الروسية، وفي تكوين النفس الروسية الحديثة
وقد بلغت مؤلفات تولستوي في الطبعة الروسية زهاء مائة مجلد، وترجمت إلى كثير من اللغات الحية؛ وترجم له كثيرون من أكابر الكتاب في مختلف الأمم
رسالة ملوكية ضخمة
من أنباء استنبول الأخيرة أن السلطات المختصة قد وجدت في محفوظات متحف الدولة رسالة ملوكية ضخمة من الورق المشمع وطولها تسعة أمتار وعرضها سبعة؛ وظهر من البحث أنها رسالة أرسلها شاه الفرس في القرن السادس عشر إلى السلطان سليمان الأكبر. وقد تقرر أن تعرض لأنظار الجمهور
موت زعيم كريم، إبراهيم بك هنانو
وا أسفاه!! في الساعة التي اشتبهت فيها معالم السياسة في سورية، فتدسست الأماني الخوادع إلى الشعب، وتفرقت السبل الجوامع بالزعامة، يغيب القطب الهادئ، ويهدم المنار الدال، ويخبو الضرام المذكى، ويخفت الصوت المجمع، ويموت الزعيم هنانو؟! روعت سورية من شمالها إلى جنوبها بنعي هذا الزعيم الكبير، ونالها من خطبه ما غلب على الصبر ومنع من القرار، فهبت كلها تندبه وتريثه، وتبكي بطلها وأملها ودليلها فيه. والحق أن الفقيد العظيم كان مثلا نادرا في الزعامة البريئة الجريئة المخلصة: كان صلبا في الرأي على قدر إيمانه، ومتمردا على الباطل على سواء حقه، ومهيمنا على الشعب بقوة نفسه ونبل غرضه. جرد على الواغل الدخيل جيشا من الوطنية الصابرة والحمية الثائرة والعروبة الغضبى، ثم صمد له بالعدد القليل بعد سقوط دمشق سنة كاملة لم يلن لمغمز ولم ينكل عن خطة، حتى آل أمره إلى فلسطين فسلمته حكومتها إلى فرنسا فحوكم وبرئ؛ ومن ذلك اليوم كان معقد آمال السوريين يفزعون إليه في المعضلات، ويستنيرون برأيه في المشكلات، وينضوون إلى رايته في المواقع. كان رحمه الله على خلق الزعماء أولى العزم والرسالة: نظر إلى أمته نظر الحكيم المصلح فألف بين قلوبها ووفق بين ميولها وقرب بين عقائدها، ثم دافع عن مرافقها دفاع المؤمن النزيه، فلم يسف إلى دنيء المطامع، ولم يغتر بمظاهر الجاه، ولم يطمح إلى عزة السلطة، وإنما ظل جنديا يقود، ومحاميا يذود، وخطيبا يرأب بلسانه صدوع الفرقة، حتى أضناه الجهاد المستمر، وأقعده المرض المخامر، فكان زعيما بالفكرة، قائدا بالمبدأ، مرشدا بالقدوة. ثم قبضة الله إليه فأحدث ذلك الفراغ المخيف، وهز أمته تلك الهزة العنيفة، لأن الزعماء الذين يصوغهم الله على هذا الطراز يكونون في النهضات الاجتماعية من أممهم مكان السماط من حبات العقد، ينظمون وحدتها، ويجمعون كلمتها، ويمسكون نظامها، ويعقدون أمانيها؛ فإذا قطعت المنون ذلك الخيط ذهب العقد بداد ما لم يكن له من الله ناظم وعاصم - سقى الله بصيب الرحمة ثراه، وعزى فيه الأمة العربية خير العزاء
الاحتفال بالجاحظ
في السنة القادمة (1355هـ) يتم أحد عشر قرنا لوفاة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري المتوفى سنة 255هـ؛ ويا حبذا لو تقدم علماء العراق وأدباؤه إلى الاحتفال بذكراه في مدينة البصرة، واشتركت الأقطار العربية كلها بتعديد مناقب أعظم رجل جمع بين علوم الدين والدنيا في الإسلام.
محمد كرد علي
جوائز نوبل
ذكرنا في العدد الماضي أن جائزة نوبل للطب والفسلجة قد منحت عن هذا العام إلى العلامة الألماني الدكتور هنز شبيمان من أساتذة كلية فريبورج. ونضيف اليوم أن جائزة نوبل للكيمياء قد منحت للأستاذ جوليو الفرنسي من أساتذة جامعة باريس ولزوجته السيدة كوري جوليو، وهي ابنة مدام كوري الكيميائية البارعة التي اشتهرت بمباحثها واكتشافاتها في الراديوم وخواصه. ومنحت جائزة نوبل للطبيعيات للأستاذ جيمس سادويك الإنكليزي ومن أساتذة جامعة كمبردج اعترافاً بفضله في اكتشاف (النوترون). وقيمة كل جائزة من هذه الجوائز الشهيرة كما أسلفنا سبعمائة ألف فرنك (نحو تسعة آلاف جنيه).
وأما جائزة نوبل عن الآداب فلم يتقرر منحها هذا العام، وتقرر أن يعاد النظر في أمر منحها في العام القادم. وقد سبق أن عطل منح هذه الجائزة زهاء خمس عشرة سنة من 1901 إلى سنة 1914، ثم استؤنف منحها بعد ذلك.