مجلة الرسالة/العدد 124/الكتب
→ البَريد الأدَبيّ | مجلة الرسالة - العدد 124 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 18 - 11 - 1935 |
(1) المختار للأستاذ عبد العزيز البشري
(2) المرشد العربي للسيد سهيل للسيد
للأستاذ محمد كرد علي
- 1 -
خُصَّ الأستاذ البشري بالإجادة البالغة في ضروب الكلام. وكتابه (في المرآة) شاهد بتفوقه في الصناعة، وأنه نسيج وحده في أسلوب الجد في الهزل والهزل في الجد، ساعده على هذا الإبداع والإمتاع تمكنه من ناصية اللغة، وقبضه على قياد الآداب، إلى ما فُطر عليه من ظرف شفاف، إذا تنادر وإذا تهكم، وأتى يودع الآن كتابه (المختار) بعض ما أبدع فيه من المقالات والمسامرات والمحاضرات، فكان له المنّة على أبناء هذه اللغة بما ينوّع لها من أصناف القول، وبما يحمل إلى مختلف الطبقات من ألفاظ ومعان وتراكيب لا يكادون يقعون عليها إلا في كلام نبغاء البلغاء.
البشريّ كالجاحظ إذا عرضت له النكتة قالها لا يبالي، وإذا اقتضته الحال أن يتهكم تهكم، يدخل السرور على قلب قارئه ويعلمه ولا يشقُّ عليه، وقليل جداً في فصحاء جيلنا من تهيأت له الذرائع إلى إتقان فنه هذا الإتقان، وقليل مثله من عرفوا الحياة ولابسوها كما أرادت ثم قابلوها بالضحك والسخرية، وقليل جداً من خبروا المجتمع المصري خبرته، فكتب ما توقع منه نفعاً في رفع مستواه الأدبي.
أحسن الأستاذ خليل بك مطران بقوله في تقدمه كتاب البشري إنه متحف حافل بالمفاخر، وإن كل طرفة من طرفه جديرة بأن تطالع في تدبر وروية وقد كسر كتابه هذا على ثلاثة أبواب (الأدب) و (الوصف) و (التراجم). فعالج في الأدب فصولاً في القصص، والنقد الأدبي، والأدب بين القديم والجديد، والأدب القومي وغير ذلك، وفي باب الوصف جوّد في مقالة (الراديو)، كما يصفه أعرابي قادم من البادية و (في الطيارة بين الماظة والدخيلة) وفي غيرها من الفصول. وفي التراجم ترجم لحسين رشدي باشا من رجال السياسة وللشيخ علي يوسف من أرباب الصحافة ولمحمد بك المويلحي من أهل الأدب. ترجم بروح جدّ فكانت ترجمته على مثال التراجم المتعارفة. أما يوم ترجم (في المرآة) مثلاً للشيخ أبي الفضل الجيزاوي ولأحمد مظلوم باشا وللدكتور محجوب ثابت فإنه أتى بالمرقص المطرب، وربما لم يكتب لأحد من المحدثين إن وُفّق إلى مثل هذه الإجادة في تصوير الصفات والحركات بهذه الطريقة.
وبعد فإن أدب الشيخ البشري لا يتذوقه كما قال شاعر العرب مطران إلا من يدرسه ويعاود دراسته بروية وتبصر. وصاحبه واحد من بضعة المنشئين في هذا العصر، يحاولون بأسلوبهم - ولكل واحد منهم أسلوبه على حياله - أن يعيدوا إلى العربية رونقها القديم من الجزالة والسلاسة، والبعد عن السجع إلا إذا جاء عفو الخاطر.
ولعلهم موفقون إلى بلوغ الغرض الذي سددوا سهام أقلامهم إليه.
- 2 -
أعجبني من هذا الدليل في القسم الإسرائيلي منه وصف عمال اليهود في فلسطين و (لعل أرفه حياة يعيشها عامل في العالم كله هي حياة العامل اليهودي في فلسطين) بفضل (الهستدروت) أي النقابة العامة لعمال اليهود. وهي جمعية توزع العمل على العمال وتدافع عن حقوقها وتكره أصحاب الأعمال على التقيد بأنظمتها وتؤمن حياة العمال وتجد لهم عملاً وتوزع العمل بينهم في الأزمات وعند تكاثر العمال وهبوط الأعمال. وللهستدروت شركات تعاون وقرى يعيش ساكنوها عيشة اشتراكية. قال إن الفلاحين في القرى الاشتراكية يعيشون حياة غريبة الشكل بالنسبة للشعوب الأخرى. خصوصاً الشعوب العربية. فهم لا يتناولون أجراً ولا يعرفون قيمة الدراهم. بل يعملون في قراهم بدون أجر، يأكلون ويشربون ويلبسون وينامون ويتنزهون ويتطببون ويتزوجون ويتناسلون، من غير أن يكلفوا بدفع فلس واحد، لا يعترفون برئيس ولا زعيم، ولا يجعلون للأديان السماوية سلطاناً كبيراً عليهم، وكلهم في نظر إخوانهم يتساوون في الحقوق والواجبات؛ وقد لاحظ الكاتب أنه يصعب على كل إنسان أن يعيش عيشاً اشتراكياً كما يعيش هؤلاء إلا إذا كان على جانب من العلم والثقافة، ويميل بفطرته إلى الحرية المطلقة، على ألا يستعمل هذه الحرية في خرق الأنظمة والقوانين؛ ومن أهم شركات التعاون شركة المساكن، ولها بنايات ضخمة في البلدان التي ينزل فيها العمال مثل حيفا وتل أبيب، وتتألف هذه البنايات من 150 بيتاً، ولا يختلف بعضها عن بعض إلا بالسعة، وكلها مبنية على طراز واحد استكمل شروط الصحة والفن.
ويعيش الأولاد في القرى الاشتراكية حياة مستقلة تختلف عن حياة الكبار، فلهم بيوت ومطاعم خاصة ومطبخ مستقل ومربيات خصوصيات، قال: والإنسان الاشتراكي لا يعيش هنا لنفسه فقط، بل للمجموع، وعليه أن يجدّ لسعادة المجموعة الاشتراكية أو الأخوية الاشتراكية التي يعيشها، ولا يحاول أن يعتلي على زملائه أو يتحكم فيهم، فهو عامل وشريك، ورأس مالي وفقير معدم في وقت واحد؛ والأغرب أن على هذا الإنسان الذي يعيش بدون أمل في الرفعة والسؤدد الشخصي أن يجد ويجتهد، ويعمل بهمة ونشاط كما لو كان يعمل لمستقبله ومستقبل أولاده وأحفاده؛ وإذا لاحظ إخوانه في الاشتراكية أنه كسول خامل، يعمل أقل مما يقدر على عمله، لا يتوانون عن إفهامه بلطف وجوب مغادرتهم، فإن تجاهل أفهموه صراحة وحكموا بطرده؛ ومتى زهد في الحياة الاشتراكية تقدم له الجمعية نفقات سفره إلى المكان الذي يقصده، وإن رغب أحد الاشتراكيين في زيارة أهله نقدوه نفقات سفره ذهاباً وإياباً إلى أقصى الأرض ليعود إليهم بعد انقضاء مدة الأذن، ومن كان له فقراء من أهله في مدن أخرى، تقدم له المجموعة الاشتراكية مبلغاَ شهرياً لا يتجاوز الجنيهين، وفي هذا الدليل فوائد كثيرة ينبغي للفلاح المصري والشامي والعراقي أن يتعلموها، وينسجوا على منوالها بما يلائم طباعهم وعاداتهم.
محمد كرد علي