مجلة الرسالة/العدد 122/من أيام سورية التاريخية
→ فُجور القانون | مجلة الرسالة - العدد 122 من أيام سورية التاريخية [[مؤلف:|]] |
معركة عدوى ← |
بتاريخ: 04 - 11 - 1935 |
ذكرى 24 يوليو!
للأستاذين علي الطنطاوي وسليم الزركلي
قال الملك فيصل رحمه الله: (. . . وقد كان بين هؤلاء الذين سقطوا صرعى في ميسلون بعض رفاقي في معارك فلسطين؛ وإني لأحني رأسي احتراماً لجميع هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم في سبيل اعتداء لم يعرف له التاريخ مثيلاً. . .) (جريدة الأيام الدمشقية العدد 863 من هذا العام)
أخرجْ من دمشق، وخلِّف وراءك الجِسْرَ وفيكتوريا، وهذه البِنْيَة ذات الطبقتين، التي كانت منذ خمسة عشر عاماً (النادي العربي) مثوى الوطنية، ومثابة الإخلاص؛ ودِعْ عن شمالك المرجة الخضراء، التي وقفها نور الدين على سوائم المسلمين، فرعاها نفر من الأقوياء الحاكمين، وعاثوا فيها آمنين مطمئنين؛ وجُزْ بالمِزّة وقلاعها، لا تلتفت إليها، ولا تأبَهْ لها، واستقبل الربوة لا تحفِل بقرارها ومعينها، ولا تعجبْ لأنهارها السبعة، وقد امتدت بين عَدْوَتي الوادي بعضها فوق بعض، كعقود اللؤلؤ في جيد الحسناء، وتناسَ ما قال فيها ياقوت وقد طوَّف أنحاء الدنيا، وجاب أرجاء الأرض، ثم رجع فلم يجد في الدنيا أنزه منها؛ وعدِّ عن النَيْرَب لا تذكر عهده، ولا تَبْكِ أيامَه، فقد ذهب النيْربَ، وغبرت أيامه، وفارقه وأنشد قول ابن حمدان:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها ... فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلا استخفني ... إلى بَرَدى والنير بين حنين
وقد كان شكي في الفراق يروعني ... فكيف أكون اليوم وهو يقين
فو الله ما فارقتكم قالياً لكم ... ولكن ما يقضى فسوف يكون
واسلك على وادي الشاذروان، ولا يقفك عن غايتك أنه وادٍ من أودية الجنة، هبط إلى الأرض لتذكر فيه النفس أيام الجنة الأولى، فتطير إلى سمائها بأجنحة من نشوة الذكرى، ولا يثنك عن وجهتك هذان الجبلان المتعانقان، كأنهما عاشقان قد لبسا من النجوم المزهرة، والأشجار المثمرة، حلة أبهى من السندس، ولا (يزيد) الذي يجري في صلب الجبل يزخر بالمياه، فيطفح بها، فتهبط الصخر من علو مائة ذراع متكسرة مزبدة، كأنما هي ذوب اللجين، حتى تعود إلى أبيها بردى، وهو يجري في بطن الوادي جياشاً ثائراً؛ واستقبل دُمّر لا تقف بجنانها ورياضها، ولا تفتنك قصورها ودورها، ولا يشبك هذا القصر العجيب، ذو المعارج الملتوية، والألوان والنقوش، والبرك والنوافير: قصر الأمير سعيد، ولا قصر شمعايا تجري من تحته الأنهار!
ودع عن يمينك معمل الأسمنت الفخم، الذي قام دليلاً على أن الشرق يستطيع أن يعمل، ويقدر أن يبني. ومركباته التي أبت أن تمشي على الأرض، فسارت متعلقة بأسلاك في الهواء. . وائت الهامة فدعها عن يمينك لا تنزل إلى السهل، ولا تفتنك أنهاره وبهجته، ولا تجذبك فسحته وخضرته، وامش واضعاً (قادسية) عن شمالك، ثم دُرْ دورة فاخرج من الوادي، وامش صُعُداً حتى تدع الوادي من ورائك، وتستقبل الصحراء الخالية القاحلة، فإذا أصحرت فدع الديماس وحدائقه وامش قدماً حتى ترى هذه الهضاب المتسلسلة، والآكام المتتالية، فاعلُها. . حتى إذا بلغت ذراها، ولمحت في عرض البادية، في حضن الجبل، بناءاً غريباً كأن سقفه جناحاً طيارة؛ ورأيت من أمامه سلسل ماء، فاهبط إليه، ثم قف خاشعاً منحنياً، فأنت في ميسلون، وأنت حيال قبر يوسف العظمة. . .
علي الطنطاوي
قِفْ عند هذا الضريح ... واهتف بسكانهْ
هل حلّ فيكم جريح ... من أجل أوطانه
أهوى بكم يستريح ... من برح أحزانه
بغى عليه الزمان ... والغاشم الغادرْ
فراح يبغي الأمان ... في الفَلك الدائرْ
أصمته هوج الخطوب ... ففجرت دمعهْ
ومرهقات الكروب ... فأوقرت سمعهْ
ولم تدعه الحروب ... فكسرت ضلعه
بكى له النيّران ... والكوكب الساهر
فأين هذا الهوان ... من مجده الغابر
الملك رهن الضيْاع ... إن غيل في مهدهْ والسيف ما إن يطاع ... ما دام في غمده
واحسرتا للشجاع ... يبكي على مجدهْ
النذل والخوّان ... والخاتل الماكرْ
يفوز بالجنان ... ويطرد الثائر
تبكي عيون السماءْ ... على أمانينا
وفي مجاري الدماء ... خاضت مواضينا
ما زال رهن الفناء ... شتى مرامينا
هل يرجع الفاتحان: ... الأسد الزائر
للعرش والطيلسان ... والفاتح الظافر
جاست دياري العداه ... والدهر يبغينا
وعاث فينا الطغاه ... ذلاً وتهوينا
لم تصف بعد الحياه ... حتى تعادينا
آن أوان الطعان ... فلينهض العاثرْ
لا يبلغ المجدَ وإن ... عن نيله قاصر
فاستصرخي يا قبورْ ... عزائم الأبرار
ولتحطمنَّ الدهورْ ... صواعق الأحرار
لا عاش من لا يثور ... ويستسيغ العارْ
إنا فدى الأوطان ... من غاصب جائرْ
لا عيش للإنسان ... في موطن صاغر
سليم الزركلي