مجلة الرسالة/العدد 121/في وصف الطباع
→ في وادي الهوى | مجلة الرسالة - العدد 121 في وصف الطباع [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 28 - 10 - 1935 |
وصف شامل للنفس وطباعها
للأستاذ عبد الرحمن شكري
ما ازدريت الأنام الاوهان ال ... كيد منهم وهان منهم عداء
وتفردت لا أصول بكيد ... وتزهدت واستقام العزاء
ومن الناس مَنْ إذا ما ازدراهم ... كان منه الإجرام والاعتداء
ولو أنى أكبرتهم لم يروني ... غافراً واحتوتنيَ البغضاء
ولو أنى أكبرتهم لم تر الرح ... مة ديني وما بهم رحماء
ودهم مثل بغضهم فيه عدوى ... مثل عدوى تسعى بها الثؤباء
ويرى المرء انه كان كل شيء ... هو تبر وما عداه هباء
مركز الكون حوله دارة الأف ... ق وبهو من فوقه وسماء
ولقد تحمد الخليل طويلاً ... ثم يبدو ما كان منه انطواء
فإذا الغدر شيمة وطباع ... وإذا الود والوفاء رياء
وإذا النفس جانب مدلهم ... بالدنايا وجانب وضاء
وإذا المرء يحمد الصحب منه ... جانباً والكريه منه خفاء
ومع الخبر بالأنام فقد يع ... رو الفتى عند غدرهم إعياء
كل يوم يخال منه جديداً ... وهو رث وما طواه العفاء
قلبه الأمل المضلل بالو ... د يقود الأسى إليه الرجاء
ومع اليأس منهم كرم الصف ... ح إذا الحتم ما جنوا والقضاء
كلهم يشتكي ويشمت بالشا ... كي وكلٌّ كما يسيء يساء
كلهم يندب الوفاء وكلٌ ... يتأذى وطبعه الإيذاء
كلهم قانص يرى في وفاء ال ... بخل صيداً وليس منه وفاء
كلهم لا يود للناس ماَ ير ... غب فيه لنفسه ويشاء
ويُسَرُّ الفتى ويُبدى اكتئاباً ... إنْ ألَمَّتْ بصاحي بأساء
صادق العطف كان أو كاذب العط ... ف ففي نحس خله سراء وارتياح أَن لم يُصَبْ مثل خل ... نزل الحزن داره والشقاء
وسواء خب وغِرُّ ولا غَرْ ... وَفللغر صولة وعداء
كلهم إن يرقك منه ذكاء ... بعد حين يرعْك منه غباء
فكأن الذكاء منه وميض ال ... برق والعقل كله ظلماء
كلهم يبغض النقيصة حقاً ... حذر الناس بغضه إخفاء
واكتساباً للحمد والربح يقلا ... ها ولولاهما لعيف الرياء
كلهم يُلْبِسُ النقيصةَ منه ... حلة الخير وهو منه بَرَاءُ
يغضب المرء للفضيلة كيما ... يحسب الناس أن ذاك نقاء
وسواء نقص وفضل لديه ... إنْ تدانت من كسبه النعماء
ومن الناس من يبوح بنقص ... وكثيرٌ من قوله إطراء
كالذي قال إنما أفقدته ال ... حلم منه صراحة وإباء
يمدح الحلم مغرياً وهو يسطو ... مغنم الحب في الورى الحلماء
وحذاراً للشر يمدح خيراً ... ذاك جبن في طبعه واتقاء
قسم النقص والمحامد بين ال ... ناس منه الأحقاد والأهواء
فلئيمٌ من كان منه جفاء ... وكريمٌ من كان منه إخاء
ذاك ميزانه وما الحق إلا ... ما رأى الحق يأسه والرجاء
ويرى الأخرقَ الذي يرحم النا ... سَ وإن ود أنهم رحماء
كي يمدوه بالذي ضن عنهم ... بجداه وهكذا الأحياء
كل حي يصون منه حياة ... ولئن غال ما عداه العفاء
حاطها بالصيال والمكر والقَسْ ... وِ ولم عم سواه الشقاء
وبإنكار كيده وأذاه ... وبدعوى الكمال وهو طلاء
يتدنَّى يبغي العلاء ولا يث ... نيه عما يحط منه إباء
غير من آثروا على أنفس من ... هم نفوسَ الورى وقد قيل داء
وعجيب إِنْ كان أَطْهَرُ ما في ال ... نفس داءً والحرص منه الشفاء
واشد القُساَةِ يُنِكُر لؤم ال ... ناس كيما يكون منه مضاء وهو يُطْرِى الحياة بُقيا على الكيد وذعراً يكون منه الثناء
بين أمرين يدرج الناس طراً ... جوع بطن أو أن يكون امتلاء
ومن الجوع أو حذاراً له أو ... خشية الموت كم قسا الأحياء
وامتلاء يصير شهوة جسم ... يهتك الطهرَ حفزها والمضاء
هَيِّنٌ بعدها إذا ما الضحايا ... نال منها نحس ونال شقاء
خمص بطن ونهمة وحذار ... واحتيال وقسوة ورياء
ذلك العيش ثم ما كان من خي ... ر بَكِىٍّ لولاه عيف البقاء
وقتالٌ على الحياة دعاه ال ... حيُّ فضلاً يبغي به ما يشاء
ذاك فضلُ إذا أساء ولكن ... هو نقص في الناس حين يُساء
ولو أن السبيل للموت سهل ... لم تكن عنه نجوة أو عزاء
فاحمد العيش إن حبك للعي ... ش مُلِحٌّ مما تمادى العناء
إنَّ أقوى الرجاء ما تعرف النف ... س وإنَّ قَبَّحَ الحياةَ الذكاء
لم يعفها وإنما شاء أن يُبْ ... صِرَ قدماً من حسنها ما يشاء
دائب بَصَّرَ الأنام بما جَ ... مَّلَ عَيشاً ووصفة إِغراء
والذي يكلأ الحياة على العل ... م بها لا تروعه الأشياء
يمدح المرء مثل ما حاز من فض ... ل فإنْ زاد كان منه هجاء
فقليل ما تصدق النفس قولاً ... وكثير من أجل ذاك المِراء
مهجة الحاسدين في سورة الأح ... قاد والبغض مهجة هوجاء
ساء فعلٌ منهم فساءت ظنون ... والورى في طباعهم شركاء
سوء ظن الأنام طبع ولكن ... مقلة الظن مقلة حولاء
كل حي أمامه ما جنى الخص ... م يراه وما جناه وراء
وعجيبٌ أن يُحْسَد المرء حتى ... بعد أنْ لم تَدمُ له النعماء
أي نفس من أنفس الناس عافت ... حسداً للقلوب منه اكتواء
لا بل الفضل إنْ تضاءل ما في ال ... نفس منه ولم يكن إيذاء
كلهم ذلك الحسود ولكن ... هَيّنٌ ما بدت به الفضلاء لو ينال الأنام ما حسدوه ... حسدوا ضده وليِمَ القضاء
حسبوا اللؤَم من ذكاء وعقل ... فادَّعاه الطغام والأعلياء
وتباهوا بقدره اللؤم فيهم ... استشاطوا إنْ قيل هم لؤماء
وقليل ما يندم المرء أن لم ... يك جُرْم من بعده الازدراء
فإذا الناس زَيَّنُوا منه جرماً ... شملته مِنْ مدحهم خيلاء
ومضى سادراً يرود من الآ ... ثام مرعى ودأبه الكبرياء
يبتغي المرء أن يرى الناس طراً ... حيث يرضى وخلقهم ما يشاء
وهو لا يستطيع تغيير ما في ... نفسه كي يكون منهم رضاء
وحقيق بالشك مَنْ رأيه يت ... بع ما خولجت به الحوباء
رأيه مثل خلقه وهواه ... حاكم فيه جَوُّه وُالغذاء
في قنوط ومطمع وانقباض ... وارتياح تناكرت آراء
لو بدا الشر في النفوس تعادت ... رحم الله فاحتواه كساء
وإذا الشر أعوز المرء عجزاً ... ادعَّىَ أن عجزه استعلاء
ومُقِرَّ بالشر كي يُغْفَرَ الش ... رَّ وكيما يعود منه اعتداء
واعتراف بالجود حرصٌ وكسبٌ ... وهو منه استزادةٌ لا وفاء
ولقد يحقد العشير إذا خ ... لاّك رزء وكان منه رثاء
يجرأ الفرد بالجميع على الش ... ر ولولاه غاله استخذاء
شد من أزر سافل أنَّ شراً ... جُمِعَتْ في مناله الجبناء
فجبان يشد أزر جبان ... وعداء يكون منه عداء
ولقد يفعلون خيراً ليخفى الش ... ر منهم وذاك منهم رياء
والشقي الجزوع من شر قوم ... جر نفعاً منه إليهم رجاء
مستنيم إلى الولاء ويكوي ... قَلْبَه أن يغيض منهم ولاء
جاهل بالأنام يخدعه المُط ... ري نفوساً لهم وحق الهجاء
لقنوه أن المروءة أن يغ ... تر بالناس وهو منه غباء
لا بل الفضل خيره وهو يدري ... إنْ بلاهم أنَّ قد يعز الجزاء مطمئناً بعد اصطناع جميل ... عندهم إنْ دهاه منهم بلاء
كلهم ظالم وان كان مظلو ... ماً ما رأى أنَّ قَسْوَةُ استشفاء
يشتفي من لواعج الغيظ والذ ... ل بظلم الأذَلِّ بئس الدواء
يظلم الصاغر الضعيف كما يظ ... لمه من له عليه اعتلاء
طبقاتٌ مقدرَّات من الطغ ... يان ما إن يُخَال فيها انتهاء
ومع الشر والأباطيل في النف ... س فللخير أنة سيماء
عبد الرحمن شكري