الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 121/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 121/البريد الأدبي

بتاريخ: 28 - 10 - 1935


وفاة الشيخ محمد بخيت

في اليوم الثامن عشر من هذا الشهر استأثر الله بالفقيه العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية السابق؛ وهو خاتم طبقة من العلماء المحققين الذين تميزوا في حياة الأزهر بالتبسط في العقائد، والتعمق في الفقه، فانتهت إليه الأمانة فيهما حيناً من الدهر. كان - غفر الله له - من أشد المعارضين لحركة الإصلاح التي قام بها الإمام محمد عبده، دفعه إلى تلك المعارضة الثائرة شهوة المنافسة من جهة، وتحريض أولي السلطان من جهة أخرى، وكان في الشيخ زكانة شاهدة، ودعابة لطيفة؛ وطموح إلى مساماة الإمام في منصبه ونفوذه وشهرته حرك فيه الأخذ بنصيب من الأدب والثقافة العامة. ولعله كان أعلم أهل جيله بدقائق الفقه الحنفي، وأبسطهم لساناً في وجوه الخلاف بين أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة.

ولد في بلدة المطيعة من أعمال أسيوط في سنة (1271 هـ) (1856م)، ثم دخل الأزهر في سنة 1282 هـ وتخرج منه سنة 1292 فأشتغل بالتدريس فيه. ثم أنتقل سنة 1297 إلى القضاء فتقلب في مناصبه حتى تولى قضاء مصر نيابة عن القاضي التركي نسيب أفندي. وفي سنة 1914م عين مفتياً للديار المصرية، وظل في هذا المنصب حتى أحيل على المعاش سنة 1921م وقضى بقية أيامه في الإقراء والإفتاء حتى قبضه الله إلى رحمته.

اختراع الخراع للصفدي

وقع الأستاذ الطنطاوي على نسخة من هذا الكتاب الغريب عند بعض أصدقائه الأدباء، وقد وصفها في العدد الماضي وفي هذا العدد، وقال إنها ناقصة من أولها وآخرها، وقد أخبرنا صديقنا الأستاذ محمود حسن زناتي أمين الخزانة الزكية إن من هذا الكتاب نسخة مخطوطة كاملة في مكتبة المرحوم عبد الله باشا فكري، وهي الآن في حوزة حفيده الأستاذ محمد أمين فكري بك بوزارة المالية؛ فعسى أن يتيح الله لهذا الكتاب الطريف من ينشره.

قبر الصف إلى الأخ الأديب الأستاذ على الطنطاوي

ذكرت يا سيدي أثراً من آثار صلاح الدين الصفدي بعدد (الرسالة) العشرين بعد المائة ودللت على فضل الرجل وعلى أثره في الأدب العربي، فهل تدري يا سيدي ابن يرقد هذا الرجل الفذ؟ إن قبره في مدينة صفد (فلسطين) قبر متهدم، في حارة لليهود، في بقعة لا تزيد على خمسين متراً مربعاً. . . أتريد أن تعلم أكثر من ذلك؟ - إن جيرانه لا يأنفون أن. . . يقذفوا قبره بزبالة بيوتهم.

قبر مندرس، في مكان ضيق قذر، مجهولة قيمة ساكنه، لا يزار ولا يعرفه إلا القليل، وما كان ليعرفه كل من يعرفه الآن لولا زيارة المرحوم شيخ العروبة له قبل عشر سنوات، والتبرع. . . ببناء جدار حوله!

منذ الحرب حتى يومنا هذا لم يزر قبر (إمام عصره) من الأدباء إلا المرحوم أحمد زكي باشا، فهل هذا هو التقدير لأدبائنا؟ أمة تنشد الحياة والاستقلال وإحياء الماضي العزيز، أيليق بها أن تهمل قبور رجال العلم والأدب فيها لتصبح. . . مزابل؟ قارن بين وستمنستر والبانطيون و (مقبرة) صلاح الدين تعلم السر في الفرق بين من أدباؤهم السابقون في وستمنستر، ومن قبور أدبائهم كقبر ابن أيبك!

ها قد مر على رقدة صلاح الدين الأخيرة خمسمائة وتسعون سنة كاملة، وبعد عشرة سنوات تبلغ الستمائة، فماذا أعددنا لإحياء ذكراه الستمائة؟ في وقت يقيم الغربيون المهرجانات الكبيرة لأحياء ذكر أدبائهم في كل عام! عسى ألا تمر العشر السنوات الباقية لذكرى الستمائة سنة لوفاته وقبر مهمل قذر لا يزار.

(صفدي)

نظريات الجنس والسلالة والخصومة السامية

اتخذت نظريات الجنس والسلالة في العهد الأخير أهمية خاصة؛ فهي اليوم روح النظام الذي يسود ألمانيا، وقد أخذت تثير في بعض الدول الأخرى جدلاً لا نهاية له؛ وقد كان اليهود ضحية هذه الفورة التي اتخذت في ألمانيا أشكالاً من العنف والهمجية تذكرنا بروح العصور الوسطى وأساليبها؛ على أن نظرية الجنس وتفوق السلالة لم تقف عند اضطهاد اليهود، ولو وقفت عند هذا الحد لكانت مسألة محلية بالنسبة لألمانيا، ولكن هتلر ودعاته ذهبوا بعيداً في صوغ النظرية الجنسية، فنادوا بتفوق السلالة الجرمانية أو السلالة الشمالية (النورديكية) على جميع أجناس البشر، ووصموا الأجناس السامية كلها بالانحطاط وعدم الأهلية لإنشاء الحضارة، ونادوا بوجوب إخضاعها وتمدينها واستغلالها بواسطة الشعوب الشمالية. ومن هنا تتخذ الدعاية الهتلرية أهميتها بالنسبة للشعوب الشرقية، وهي التي وصمت بهذه الوصمة وصدر في حقها هذا الحكم؛ وقد كانت ألمانيا وما زالت مهد التعصب الجنسي، وكانت بالأخص مهد الخصومة السامية؛ ولم يأت زعيم الدولة الألمانية في ذلك بجديد في كتابه (كفاحي) الذي يحدثنا فيه طويلاً عن عناصر الانحطاط والخطر في اليهودية، فإن الثقافة التي تلقاها لا تسمح له بمناقشة هذه الشؤون العلمية والتاريخية؛ ولكنه نقل معظم أقواله من الكاتب الألماني كرستيان لاصن؛ وقد كان لاصن أول من صاغ من الخصومة السامية نظرية علمية تاريخية، وأول من تحدث عن انحطاط الأجناس السامية في كتاب نشره في منتصف القرن الماضي؛ ثم تلاه المؤرخ الفرنسي أرنست رينان؛ واتخذت نظرية الخصومة السامية من ذلك الحين شكلها الجدلي.

نكتب ذلك لمناسبة كتاب ظهر أخيراً بالإنكليزية عنوانه: (كيف التباين من الله) بقلم الكاتب الإنكليزي لويس بروان؛ وموضوع الكتاب هو الحديث عن مركز اليهود في المجتمع والإنسانية؛ وقد يبدو لأول وهلة إن المؤلف وهو يهودي يجري على نغمة الدفاع عن جنسه؛ ولكن الواقع أنه لا يبدي في ذلك حماسة خاصة؛ وإنما لب الكتاب وموضوعه الأول هو تحليل النظريات الجنسية التي ترتبت عليها الخصومة السامية؛ وشرح الأسباب التي أدت إلى تفاقمها وإلى الصراع بين اليهودية وخصومها، ويرى الكاتب أن الحركة اليهودية لم تتخذ هذه الأهمية من تلقاء نفسها، ولكنها نمت وأشتد ساعدها بسبب الاضطهاد والمطاردة؛ ويدلل الكاتب على نظريته بسير الحركات العالمية الكبرى، فالنصرانية ما كانت لتنمو وتنتشر هذا الانتشار لو لم تطارد في بدء ظهورها بعنف وقوة، وكذلك اليهودية؛ فمنذ غابر العصور كان اليهود موضع الاضطهاد والبغض والزراية، وكانوا يجلدون ويعذبون وتحرق منازلهم وتصادر أموالهم، ولكن اليهودية هي اليوم أقوى ما تكون حياة وحيوية؛ بل هي اليوم في ازدهار وتقدم، وقد نتساءل أيكون ذلك رغم الاضطهاد والمطاردة؛ ويقول الكاتب كلا بل بسبب الاضطهاد والمطاردة. ثم يقول إن اليهود لم يكونوا قط جنساً أو شعباً متحداً، ومن الخطأ أن نعتقد أن العصبية الدينية هي التي تربطهم وتقوي تضامنهم؛ ذلك أن اليهودية دين سهل، يقبل مختلف التطورات والتفسيرات؛ ولكن اليهود يجتمعون في مسألة واحدة ما زالت قائمة خلال القرون، تلك هي أنهم دائماً موضع البغض والزراية من بني الإنسان؛ وقد أرغموا خلال العصور على أن يناضلوا من أجل حياتهم، فبث فيهم النضال قوة؛ واليهودي يشعر أنه ليس كباقي الناس، ولكنه يحمل دائماً على أن يشعر بأنه يوجد شيء ضده؛ ومن ثم تعلم الحذر والتحوط إلى درجة يدهش لها الجمهور الرفيع.

ويكتب لويس براون بوضوح وسلالة ويستعرض ما في بني جنسه من عيوب وفضائل بروح الاعتدال والإنصاف، ويحلل نظريات الجنس والسلالة بقوة وذكاء، ويفند ما فيها من تحامل وسفسطة، ويتساءل عن المعيار الذي يتخذه دعاة النظرية لتفاضل الجنس والسلالة: أهي المظاهر الخلقية المادية كالجمجمة والفك والشفتين واللون وغيرها، وهذه جميعاً يختلف معيار التفاضل فيها عن مختلف الأجناس والشعوب، وربما فضل الزنجي الرجل الأشقر في بعض تقاطيعه أو خواصه، وربما فضل المغولي الأصفر القصير باقي الأجناس بدقة شفاهه وحمرتها، وهكذا. ولا يحاول لويس براون بأي حال أن يزعم أن لليهود تفوقاً خاصاً، ولكنه يقول فقط إن الجمهور الرفيع لم يترك باباً من أبواب الاضطهاد والمطاردة، لسحق اليهود إلا ولجه، وحيثما ترك اليهودي لنفسه ولم يزعج نراه نسياً منسياً، ولكن حيث يواجهه الصراع والمطاردة نراه قوياً يغالب الحوادث.

وقد أثار كتاب لويس براون في الداوئر السياسية والاجتماعية كثيراً من الاهتمام والجدل؛ وربما كان كتابه أول كتاب من نوعه، يذكرنا بمؤلفات سلفه ومواطنه الكاتب والفيلسوف اليهودي الأكبر (مكس نردو) الذي لفت أنظار العالم منذ ثلث قرن بقوة جدله في نقض أصول المدنية الحاضرة وأكاذيبها الاجتماعية والجنسية والسياسية.

تمثال لحنة بافلوفا

من أنباء لندن أنه سيقام في إحدى حدائقها تمثال بديع للراقصة الروسية الشهيرة حنه بافلوفا، وقد أوصت بصنع هذا التمثال لجنة من محبي الفنون في لندن حيث عاشت الراقصة الشهيرة حيناً من الدهر؛ وعهد بصنعه إلى المثال السويدي الكبير كارل ميلس، وستبلغ نفقاته ثلاثين ألف جنيه؛ وتقرر أن يقام في بستان ريجنت في حديقة الورد، وهي تقع إلى جانب بركة البجع، وهو الطير الذي أوحت حركاته إلى بافلوفا بأشهر وأروع رقصاتها المسماة (رقصة البجع). وتعول اللجنة على جمع المال المطلوب من إيراد (فلم) يمثل حياة بافلوفا في طائفة من أبدع رقصاتها ومنها (رقصة البجعة المحتضرة)؛ وقد أخذت هذه المناظر قبل وفاة بافلوفا بقليل وأشترك فيها مع الفنانة الشهيرة بعض كبار الراقصين الذي عملوا معها.

وتمثل حياة بافلوفا وحدها طوراً من أعظم أطوار الفن الراقص؛ وقد ولدت هذه الراقصة المبدعة في بتروجراد في سنة 1885، وتعلمت الرقص في بعض مسارحها، ولم تبلغ العاشرة من عمرها حتى ذاعت شهرتها وتقدمت في سبيل المجد والرياسة الفنية بسرعة مدهشة؛ وكانت فنانة رائعة الإبتكار، وعلى يدها دخلت أوضاع (الباليه) الراقصة في طور جديد وبلغت ذروتها من الافتنان والروعة. وكان الفن لديها وحياً وسمواً. وقد طافت عواصم العالم الكبرى مثل لندن وبرلين وباريس ونيويورك ولقيت فيها جميعاً فوزاً باهراً. وقدمت إلى مصر سنة 1929 ففتنت المجتمع المصري برائع فنها ولا سيما برقصة (البجعة المحتضرة) وتوفيت سنة 1931 في مدينة لاهاي وطويت بوفاتها صفحة من أروع صفحات الفن الحديث.

أرض السعداء

يوجد بين جزائر المحيط الهادي التابعة لإنكلترا جزيرة صغيرة يصح أن تسمى بالجزيرة السعيدة. وتسمى هذه الجزيرة (جزيرة تونجا) وهي إحدى مجموعة جزائر (الأحباب) التي وقف بها الرحالة الشهير (كابتن كوك) أثناء طوافه في أواخر القرن الثامن عشر بهذه المياه الخطرة. وأمير هذه الجزيرة زنجي يسمى البرنس (توفا آهو) وهو شاب في الثامنة عشرة ولكنه طويل القامة جداً، وهو يدرس الحقوق في مبلورن ووجه الرضى والسعادة في (تونجا) هو أنه ليس بها فقير ولا معوز ولا تدفع فيها ضرائب. وكل فرد من سكانها يبلغ السادسة عشرة يعطى أرضاً مساحتها نحو ثمانية فدادين ومسكناً قروياً، أو بعبارة أخرى تهيأ له كل أسباب العيش والرخاء.

وقد استبدلت ضريبة الدخل بجعل سنوي قدره جنيهان يدفعه كل ذكر بالغ؛ ولكنه ليس بضريبة في الواقع لأنه يخول له مقابله أن يعالج مجاناً هو وأفراد عائلته في مستشفى الحكومة؛ ومعظم إيراد الحكومة يجبى من الجمارك وضريبة السيارات.

ويكفل التعليم الحر بوجود المدارس الابتدائية وهي كلها مجانية؛ وهناك كليتان صغيرتان. ومن مفاخر هذه الجزيرة النائية التي لا يجاوز سكانها ثلاثين ألف نفس أن ليس بها أمي واحد.