مجلة الرسالة/العدد 120/البريد الأدبي
→ رحلة إلى حدود مصر الغربية | مجلة الرسالة - العدد 120 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 21 - 10 - 1935 |
ذكرى الموسيقي سان سيان
احتفلت الدوائر الفنية الفرنسية في أوائل أكتوبر الحالي بالذكرى المئوية لمولد الموسيقي الشهير شارل كامي سان سيان. ويشغل سان سيان في عالم الموسيقى مركزاً فريداً، فهو حلقة اتصال بين المشرق والمغرب يندر وجودها، وله بالأخص صلة بمصر لا يزال يذكرها من تمتع بسماع عزفه في هذه البلاد قبل الحرب الكبرى. وقد ولد هذا الموسيقي الشهير في أكتوبر سنة 1835 بباريس ودرس الموسيقى منذ حداثته، ودرس عزف الأرغن على العازف الشهير بنوا، ودرس التأليف الموسيقي على هاليفي في معهد باريس، وتخصص في الموسيقى الكنسية. وفي سنة 1858 عين عازفاً لكنيسة المادلين، ولم يمضي قليل حتى طار صيته كعازف ومؤلف موسيقي، وفي سنة 1867 نشر مقطوعته الشهيرة (أعراس بروميتيه) فلقيت نجاحاً عظيماً، وأتبعها بنشر سلسلة أخرى من المقطوعات القوية الشائقة وأخصها مقطوعة عنوانها (شمشون ودليله) التي عزفت لأول مرة في فيمار بألمانيا وأكدت صيته وعبقريته كمؤلف لمقطوعات الأوبرا، ومن مقطوعاته الأخرى: (الرقصة المروعة)، (شباب هرقل)، (هنري الثامن)، (اسكانيو)، (البرابرة)، (هيلين) وغيرها
وقد ساح سان سيان كثيراً في بلاد المشرق، فزار الجزائر ومصر، وتأثر بمحيطها ومثلها الشرقية. وله مقطوعات شهيرة يلذ سماعها للشرقي بنوع خاص، ففيها يتجلى سحر السماء الصافية، وروعة الصحراء، وجمال الليالي الشرقية
ومما يرويه المستر أدوين ايفانس الناقد الموسيقي الشهير، أنه كان يمر ذات مساء بالإسكندرية في طريق الرمل، إذ سمع عزفاً بديعاً على (المعزف) (البيانو)، فسمره السحر في مكانه وسرعان ما علم أن هذا العازف إنما هو سان سيان، وإنه يقضي بمصر أياماً في خفية وتنكر
وذاع صيت سان سيان في جميع أوربا، ولا سيما فرنسا وإنكلترا والنمسا وألمانيا. وعاش زهاء خمسة وثمانين عاماً. وتوفي بالجزائر في ديسمبر سنة 1921
مباحث عن أصل الترك
أنشأت حكومة الجمهورية التركية في استنبول متحفاً لعلم الأجناس البشرية يقصد به بنوع خاص أن يعاون العلماء الباحثين في أصل الجنس التركي على تحديد خواصه الجنسية وتعيين السلالة الإنسانية التي ينتمي إليها. ولكي يتمكن العلماء من إجراء المباحث العلمية اللازمة أصدرت الحكومة لائحة تبيح فتح قبور العظماء الترك وفحص جماجمهم وإيداعها بالمتحف المذكور عند الحاجة
وقد نفذت هذه اللائحة بالفعل وفتح قبر سنان باشا أعظم مهندسي الترك؛ وقد عاش في القرن الخامس عشر وأنشأ أكثر من مائتي مسجد وقصر ومكتبة كلها من الأبنية الأثرية الشهيرة؛ وفحصت جمجمة المهندس الشهير لجنة من العلماء. وسيجري أيضاً فحص عدد من جماجم العظماء الترك الآخرين من رجال الحرب والسياسة والتفكير. وتشجع الحكومة هذه المباحث وتعضدها؛ وهي تجري بإشراف عالمين أجنبيين كبيرين أحدهما الأستاذ موشيه الأخصائي في علم الأجناس البشرية
والمعروف أنه يصعب جداً أن تحدد خواص الجنس التركي أو خواص العنصر السائد فيه لأن الترك ليسوا إلا شعبة من جنس آسيوي كبير هو الجنس المغولي على الأرجح؛ وهو جنس متشعب الفصائل، هذا إلى أن الشعب التركي امتزجت به خلال العصور أجناس كثيرة أخرى دخلت الإسلام واعتنقت الحضارة التركية؛ ثم إن الترك درجوا خلال العصور على التسري، وكان الكبراء منهم يحوزون في (حريمهم) نساء من مختلفي الجنسيات، فمن الصعب بل ربما كان من المستحيل أن يستطيع الترك المعاصرون إرجاع أصلهم إلى جنس بذاته
خطر على المؤلفين
هل يقرأ الناس اليوم أكثر مما كانوا يقرءون؟ وهل يربح المؤلفون أكثر مما كانوا يربحون؟ دلت الإحصاءات في إنكلترا وفي أمريكا على أن قراء الكتب الإنكليزية قد زادوا في سنة 1934 عنهم في سنة 1933 بمعدل نحو عشرة في المائة، وكان المفروض أن ذلك يعني أن المؤلف قد زاد ربحه ولكن الواقع أن أخبار المؤلفين لا تسر، والأدلة متوفرة على أنهم يسيرون من سيئ إلى أسوأ، وقد دل البحث على أن أشد العوامل وطأة على المؤلفين هو نظام المكاتب الدورية المأجورة؛ ويوجد من هذه المكاتب في أمريكا نحو خمسين ألف مكتبة، وهي تنتشر الآن في إنكلترا بسرعة مدهشة، ونظام هذه المكاتب في غاية السهولة فهي لا تطلب ضماناً عما تعيره من الكتب، ولا تتقاضى من القارئ إلا أجراً زهيداً قد لا يتجاوز بضعة ملاليم عن الكتاب الواحد، على أنها مع ذلك تجني أرباحاً طائلة، وبهذه الوسيلة يقرأ الكتاب الواحد مئات وربما آلاف من الناس، ولا يصل المؤلف منهم شيء، وقد وصفت هذه المكاتب السيارة بأنها (الوباء الأسود) بالنسبة للمؤلفين؛ فإذا لم يوضع نظام آخر لهذه المكاتب يكفل للمؤلفين نوعاً من المشاركة في الربح، فإنها تنتهي بتثبيط همم المؤلفين، ويحجم المؤلفون بذلك عن التأليف، وعندئذ يكون المشتغلون بهذا النظام قد قتلوا الدجاجة ذات البيضة الذهبية، وما يقال عن إنكلترا وأمريكا يمكن أن بقال عن مصر التي أصبحت فيها عارية الكتب والمجلات والصحف رذيلة ذائعة
معرض للإنجيل
مضت أربعمائة عام كاملة على طبع أول إنجيل باللغة الإنكليزية. وقد احتفل بهذه الذكرى أخيراً في إنكلتراً؛ وأقامت مكتبة رينالدز الشهيرة في منشستر معرضاً للأناجيل القديمة. والإنجيل الذي يحتفل بذكراه هو الإنجيل الذي ترجمه (كفرديل)؛ وقد عرضت إلى جانبه أناجيل عديدة بمختلف اللغات تمثل تطور الإنجيل منذ نشأة النصرانية حتى القرن الأخير. والمعروف أن أول إنجيل طبع هو إنجيل جوتنبرج الذي طبع في سنة 1456، وتوجد منه الآن في العالم كله أربعون نسخة فقط. وبين هذا الإنجيل، وإنجيل (كيفرديل) ثمانون سنة؛ وقد ظهرت تراجم عديدة أخرى للإنجيل منذ العصور الوسطى منها تراجم إلى العبرية واليونانية والألمانية والفرنسية؛ وظهرت بالإنكليزية تراجم لأجزاء من الإنجيل في وقت مبكر جداً؛ من ذلك ترجمة كايدمون في القرن السابع، وترجمة الراهب بيد في القرن الثامن، ثم ترجمة ألفريد الأكبر. وقد عرضت هذه الأناجيل كلها في صعيد واحد. وعرض معها إنجيل مخطوط كان ملكاً للملكة اليصابات
آثار الفيكنج
كشفت المباحث الأثرية في السويد عن أشياء مدهشة تدل على بعد المدى الذي انتهى إليه (الفيكنج) في تجوالهم في طلب السلب والغنيمة، في القرنين الثامن والتاسع من الميلاد، ومن ذلك ما وجد في جهات متعددة في أنحاء السويد وحفظ في متاحفها، وهي عبارة عن طائفة كبيرة من الآثار واللقط الشرقية، وبالأخص النقد الشرقي القديم، فقد وجد منها زهاء عشرين ألف قطعة، وجد معظمها في جزيرة جوتلاند، وتدل بعض الأحجار المنقوشة على أن بعض زعماء الفيكنج سافروا حتى ضفاف بحر الخزر (بحر قزوين)، وتوفوا هنالك في تلك القفار النائية؛ وفي متحف البندقية أسد من المرمر عليه نقوش (فيكية) محي بعضها؛ وكان هذا الأسد من غنائم الحرب التي حصلتها البندقية من اليونان في القرن السابع عشر
كيف يشجعون الأدب
قرأنا في أنباء أمريكا الأخيرة أن الرئيس روزفلت أقر مشرعاً أدبيا ضخما يعد الأول من نوعه، وخلاصته أن الحكومة الأمريكية قد اعتمدت نحو سبعة وعشرين مليون ريال (خمسة ملايين جنيه ونصف) لتغذية الحركة الأدبية والفنية في أمريكا، وأن هذا المشروع الذي يبدأ في تنفيذه من سبتمبر الماضي سيؤدي إلى إيجاد أعمال لخمسين ألفاً من الكتاب والموسيقيين والفنانين لمدة ستة شهور
وهذا المشروع بلا ريب من مفاخر الرئيس روزفلت وسياسته، وإذا كان ثمة بلد نرجو أن يحدث فيها مثل هذا المشروع صداه وأثره، فهي مصر التي ما زالت تتجاهل الحركة الأدبية والفنية، وما زالت تتركها لمصيرها وبؤسها. ولقد عنيت الحكومة أخيراً بمسألة التمثيل، ورصدت لتشجيعه وإنهاضه زهاء ثلاثين ألفاً، هذا عدا عشرة آلاف أخرى تفرق كل عام على الفرق الأجنبية. وإذا كنا نحمد لوزارة المعارف عنايتها بالتمثيل وهو من عناصر الفن وأركانه، فإننا لا نستطيع أن نسيغ موقفها إزاء الحركة الأدبية وإزاء المشتغلين بالأدب والكتابة، فلم نسمع إلى اليوم أن وزارة المعارف قد فكرت في عهد من العهود أن ترصد أي اعتماد لتشجيع الحركة الأدبية، ولم نسمع أنها رصدت يوماً أي مبلغ لمكافئة الكتاب المبرزين أو مؤلفي الكتب الممتازة، ومنذ أعوام ترصد وزارة المعارف اعتمادات مختلفة لإعانة الممثلين والممثلات، ولكنها لم تفكر يوماً في أن ترصد مبلغاً لإعانة الكتاب والمؤلفين، ولسنا نجد مبرراً لمثل هذا الإغفال المؤلم من وزارة المعارف، فهل لنا أن نؤمل أنها في عهدها الجديد، تعنى بهذه المسألة؟ وهل لنا أن نؤمل أنها كما ذكرت التمثيل والممثلين تذكر الأدب والكتاب، فتعمل لهؤلاء شيئاً مما تريد أن تعمله لأولئك؟ آخر كتاب للكولونيل لورنس
من أنباء نيويورك أن شركة للنشر قد أعلنت أنها ستخرج في الخريف القادم عشر نسخ فقط من آخر كتاب وضعه الكولونيل لورنس بطل الثورة العربية الشهير، وعنوانه المضرب وستطبع هذه النسخ العشر على ورق من الحرير الفاخر وتعرض النسخة الواحدة للبيع بمبلغ خمسمائة ألف دولار (مائة ألف جنيه!) والمقول أن بيع الكتاب بهذا الثمن الخرافي يقصد به حماية حق طبعه وعدم إذاعته. ومما يذكر بهذه المناسبة أنه لما طبع كتاب لورنس الشهير (سبعة أعمدة من الحكمة) في أمريكا عرضت النسخة للبيع بمبلغ أربعة آلاف جنيه وبيعت كلها وكان المطبوع منه 120 نسخة فقط
كتاب جديد لدانونزيو
صدر أخيراً كتاب جديد لجبرائيلي دانونزيو شاعر إيطاليا الأكبر بعد صمت طال أمده. وعنوان كتاب الشاعر الجديد طريف مدهش، فقد سماه (مائة ومائة ومائة ومائة صفحة من الكتاب السري لجبرائيلي دانونزيو الذي يود الموت) والكتاب مدهش رائع حقاً؛ فهو يحتوي على طائفة كبيرة من ذكريات دانونزيو ومخاطراته وتجاربه الشخصية وملاحظاته من كل ضرب، وهو يفيض بالصور البديعة والآراء الغريبة، والتخيلات المدهشة والاضطرام المتقد في سبيل المجد والشهرة. وينقسم الكتاب إلى قسمين، قسم يحتوي على قصص الشباب وأحلامه الوحشية، وقسم عنوانه (الكتاب السري)، وفيه يتحدث دانونزيو عن الدور الذي قام به في الحرب الكبرى، ومخاطراته وأحلامه وأعماله العبقرية التي جعلت من الشاعر جندياً شهيراً، وجعلت منه بطلاً قومياً لإيطاليا
من ضحايا النازي
يعيش في المنفى رهط كبير من أكابر الكتاب الألمانيين (غير اليهود) وذلك لأنهم من خصوم هتلر وسياسته؛ ويعاني الكثير منهم شظف العيش وآلام المنفى لأنهم حرموا من أموالهم وأملاكهم التي صادرتها الحكومة الألمانية. وقد توفي أخيراً في باريس أحد هؤلاء الكتاب، وهو الدكتور هلمان فون جيرلاخ
وكان فون جيرلاخ قبل قيام الحكم الهتلري من أقطاب الصحافة الألمانية، يحرر (جريدة برلين الأسبوعية) وقد اشتغل فون جيرلاخ بالسياسة منذ بعيد وتقلد النيابة في الرخستاج مراراً عن سيليزيا العليا موطنه. ولكنه كان ديموقراطي النزعة يدعوا إلى السلام والتفاهم مع فرنسا، وهو الذي أسس شعبة حقوق الإنسان الألمانية، ولما قام الحكم الهتلري في ألمانيا فر من ألمانيا إلى باريس، فنزعت الحكومة أملاكه وأمواله، وجعل فون جيرلاخ جهوده لمقاومة الحكومة النازية ومبادئها حتى توفي في نحو الخامسة والستين من عمره
منازل الفضل
كان الأستاذ الجليل محمد محمود جلال قد أخذ يكتب تحت هذا العنوان عن الدور القديمة التي كان لها أثر ظاهر في تاريخ مصر الحديثة، فنشر في العدد الثامن والثمانين من (الرسالة) مقالاً نفيساً عن (قصر الوالدة)، ثم شغلته شواغل الحياة عن موضوعه. وقد جاءنا اليوم كتابان أحدهما من الأديب (علي فهمي) بالمنصورة، والآخر من (فؤاد شاكر) بالقاهرة يستنجزان الأستاذ وعده بالمضي في هذا الموضوع الطريف الذي يجمع بين الفائدة والعضة واللذة، والأستاذ لا شك فاعل