الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 119/أمام المشنقة

مجلة الرسالة/العدد 119/أمام المشنقة

بتاريخ: 14 - 10 - 1935


(على لسان أحد الشبان المحكوم عليهم بالشنق لجريمة أتاها)

للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي

قسا عليّ الفلكُ ... بعد قليلٍ أهلكُ

ما باختياري في شبا ... بي للحياة أترك

أين مضت صحابتي ... وايَّةً قد سلكوا

مَن ذا إذا متُّ سَيَبْ ... كيني ومَن ذا يضحك

قد نصبوا لي شركا ... فما عداني الشرك

ما بال شمسي أخذت ... عند الشروق تَدْلك

قد استوى ضوء الضحى ... في أعيني والحلَك

لم أجْنِ لو كانت يدُ ال ... مقدور لا تشترك

بالدم قد خضَّب كفّ ... ي القدَرُ المُحَرِّك

قد أفرحَ النُظَّارَ بي ... أنَّ دمي ينسفك

ازدحموا حولي ولِلْ ... أنفاس منهم أمسكوا

ليبصروا كيف حيا ... تي حبلُها ينبتك

ما هي إلاَّ رجفةٌ ... وبعدها لا أحرك

أفي قلوبهم عليّ ... عند موتي حَسَك

إنيَ إنسانٌ له ... أخطاؤه لا مَلَك

كم ليَ من مثل لو أنّ (م) ... سرّه ينهتك

خذوا حياتي إنها ... أثمنُ ما أمتلك

لا تحبسوا الرحمة عمَّ ... ن قد قضوا أو أوشكوا

ولو تجسّم الأسى ... لكان دمعاً يُسفَك

كل البقاع للحيا ... ة فوقها مُعَتَرك

أمَّا الحياة فهي إن ... وَلّت فلا تُستَدرك

والموتُ بالإنسان إلاَّ ... مرّةً لا يفتك إذا أتت ساعته ... فكلُّ شيء مُهلك

تعقده الحياة وال ... موت له يُفكّك

قد يُدفَن المرءُ على ... أخيه ثم يُترَك

بعد البِلى تَعانَقُ ال ... عظامُ أو تشتبك

إن البلى لكل مَن ... حواه قبرٌ يعرك

نهارُه وليلُه ... كلاهما مُحلولِك

مشنقتي هي التي ... أودّها وأفرك

وعلَّني إذا ركب ... تُها فلا أرتبك

فأعتلي كأنني ... أدركتُ مالا يُدرَك

إني سلكتُ مسلكا ... صعباً وبئس المسلك

والحقُّ خير ما يقو ... ل المرء حين يهلك

هذا جزاء مجرمً ... بالأبرياء يفتك

بغداد

جميل صدقي الزهاوي