الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 118/بين الهدى والهوى

مجلة الرسالة/العدد 118/بين الهدى والهوى

مجلة الرسالة - العدد 118
بين الهدى والهوى
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 07 - 10 - 1935


للشاعر الحضرمي علي أحمد باكثير

في طلوع الفجر الوليد على الكو ... ن، وإيذان ليله بالهروبِ

وهبوب الأنفاس من رُدْنَى الصب - ح برَوْح يحي النفوس وطيب

رنْ في مسمع السكون أذانُ ... قُدُسيّ الترجيع والتثويب

سال - حتى عم الفَضَاء - حَناناً ... ذائباً في شعاعه المسكوب!

خلِقاً عاَلًما من النور والفت ... نة والسحر والجمال الغريب

رَعَشَاتُ من الغناء السماويّ (م) ... تَخطَّي الأسماعَ نحو القلوب!

إنما الدين الحقّ فنُّ طهور ... قد سما في معناه والأسلوب!

وقف (الشاعر) التقيّ يصلِّي ... في خشوع لذي الجلال المهيب

فرِحاً قلبه يطير استناناً ... في مجال من الأماني رحيب

مطمئناً لو أنه احترق الكو ... نُ جميعاً ما مسه بلهيب!

عامراً بالهدى يكْاد يرى الله (م) ... بعينيه فهو جدّ قريب

ربّ! لِمْ لا تراك عيني؟ ألاَ تب ... دو لعينَيْ عبدٍ إليك منيب

كَلِفٍ بالجمال يصبو إلى من ... بع بعد الأنبوب فالأنبوب!

فاطْوِ عني الحجاب تشهدْ جفوني ... لمحةً من جمالك المحبوب

مرَّ في سمعه حَفيفُ لِسَهمٍ ... ناشبٍ في فؤاده المنكوب

ما وعى السمعُ أودرى القلبُ إلاَّ ... بعد حين من وقعه والنشوب

مَنْ رماه؟ وأيَّ نصل وعن أيّ (م) ... ةِ قوس رمى؟ وفي أيّ حُوب؟

ولوَى الجيدَ يَسْرةً فإذا هُو ... بمثال من الجمال النجيب

قمر طالع عليه من الشّر ... فة يرنو إليه كالمذهوب

لفَتَتْهُ الصلاة نحو المصَلّى ... فادَّرَاهُ بكل سهم مصيب

ربّ! ماذا أرى؟ ألمحة نور ... منك، أم وهْم ناظرٍ مكذوب؟

أم مَلاكاً بعثَته بقبولي ... ونجاح المؤمّل المطلوب

ربّ! قلبي صبا إليه! كأنْ لم ... أَكُ في موقف الصلاة الر أين وَلّى اطمئنان نفسي؟ ومَنْ لي ... بخشوعي إليك والترحيب؟

ربّ! حل الهوى محل الهدى في ال ... قلب، ويلاه! ربّ عافِ الذي بي!

وانتهى من صلاته وهو يهذي ... بضلالات شعره والنسيب:

(ألهمِيني وحي الجمال! فعهدي ... بشهود الجمال غير قريب

إن تكن نظرتي لوجهك ذنباً ... فالْتِاعي كفّارة لذنوبي

وابعثي لي - لتدفئي بُرَدَائي - ... وقدةً من ذراعكِ المشبوب!

واُصبَحيني من خمر عينيك كأساً ... تنفِ عني متاعبي ولُغوبي

وابسمي لي - والابتسام يسير - ... تبتسمْ لي الحياةُ بعد قطوب)

(هي لغز يحلو التأمل فيه ... لحكيم وشاعر وأديب

هي في لِبْسة التفضل حُسْنُ ... من يد الله، ليس بالمجلوب

يا لَها حلوةً عليها من النو ... م بقايا تثاؤب محبوب!!

وبأهدابها خيوط ضياءٍ ... عَلِقت من أحلام ليل عجيب!

مُرسَلاً شَعرُها على غير ترتي ... ب ولكن أحلى من الترتيب!

خطَّ في خدها الوِساد - سعيدا - ... آيةً من بدائع التذهيب!

وأذاع النسيم عنها بلاغا ... أفعم الجو من أريج وطيب

إن طيباً في الحُق ليس كطيب ... مرسل من غلائل وجيوب

بكرت تنضح الشجيرات بالما ... ء فيَنْعمْنَ بالبنان الخضيب

وفؤادي أحق بالريّ منهن (م) ... فهلاّ تمدّه بذَنوب!

وقفت وقْفة الدَّلال أمامي ... تتلهَّى في كفّها بقضيب!

أرسلت كهرباءها فتمشت ... في عروقي بهزة ولهيب

فكأنا (قُطْبا عمودٍ) ترمي التّيْ ... يَار فيه من جيئه وذهوب

(بين جهدي وجهدها أبداً فر ... قُ) فما إنْ تكفّ عن تعذيبي

أيها (السالب) الجميل حناني ... ك ترفّق بمهجة المسلوب)

واستهل الصبح الجديد على الكو ... ن مُلَقَّي بالبشر والترحيب

وأتى (الشاعر) الصلاةَ بقلب ... شاَعر بالملام والتثريب مستنيب إلى الإله يُرَجّى ... عفوه عن ضلاله والحوب

فدوى في أعماقه رَجْعُ صوتٍ ... كصدى الرعد أو دويّ النُّوبِ

كيف يقوَى على سنا (الربّ) قلب ... جُنَّ لما رأى سنا (المربوب)؟

والكمالات لا تَنَاهى لدى الل ... هـ فلابد من بقاء الغيوب

علي أحمد باكثير