مجلة الرسالة/العدد 118/المثنى بن حارثة
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 118 المثنى بن حارثة [[مؤلف:|]] |
الجمال البائس ← |
بتاريخ: 07 - 10 - 1935 |
على ذكر (نادي المثنى) ببغداد
للدكتور عبد الوهاب عزام
كانت قبائل ربيعة ضاربة شرقي نجد، موغلة إلى الشمال حتى أعلي الفرات. . وكانت الوقائع تثور بينهم وبين الفرس في الحين بعد الحين، فكانوا أجرأ العرب على فارس، وكان العرب يسمون فارس الأسد، فسموا ربيعة (ربيعة الأسد)
وكان بنو شيبان من هامات ربيعة في الجاهلية، وهم كانوا أبطال (ذي قار)، وامتد بهم المجد في الإسلام فكان منهم بيتوتات لها في الحرب والمكارم مآثر. يقول أبو تمام:
أُولاك بنو الأفضال لولا فعالهم ... دَرجن فلم يوجد لمكرمة عقْب
لهم يوم ذي قار مضى وهو مفرد ... وحيد من الأشباه ليس له صحب
به علمت صُهب الأعاجم أنه ... به أعربت عن ذات أنفسها العُرب
هو المشهد الفرد الذي ما نجا به ... لكسرى بن كسرى لا سنام ولا صُلْب
- 2 -
وقد امتدت أحقاد ذي قار بين الفرس وبني شيبان خاصة، وقبائل بكر عامة؛ حتى كان بنو شيبان طلائع الفتح الإسلامي في العراق: لما عم الإسلام الجزيرة وتوطد سلطانه سمع أبو بكر بوقائع سيد من شيبان في سواد العراق فقال: من هذا الذي تأتينا وقائعه قبل معرفة نسبه؟ قال قيس بن عاصم المنقري: (هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد؛ هذا المثنى بن حارثة الشيباني)
ثم قدم المثنى على أبي بكر يسأله أن يؤمره على قومه ففعل. وكان المثنى من قبل على قومه أميرا، وبقي من بعد أميرا يستعينه الأمراء إذا حضروا، ويستخلفونه إذا غابوا، حتى مات بين مآثر مشكورة، ومناقب محمودة. وقد صدق عمر حين سماه: (مؤمر نفسه)
وبعث المثنى أخاه مسعودا إلى الخليفة يستمده فأرسل خالدا إلى العراق؛ فلما نزل خالد النباج كتب إلى المثنى وهو معسكر بخفان ليأتيه، وبعث إليه بكتاب من أبي بكر يأمره بطاعته. قال الطبري: (فانقض إليه جوادا حتى لحق به). فانظر إلى الرجولة كيف تسارع إلى الطاعة!
ولما توجه خالد إلى الشام استبد المثنى بأمرة العراق، وكان بطل موقعة بابل وفيها قتل الفيل
قال الفرزدق يعدد بيوتات بكر:
وبيت المثنى قاتلِ الفيل عَنوة ... ببابل إذ في فارسٍ مُلك بابل
ثم سار المثنى إلى أبي بكر ليخبره بجلية الأمر في العراق، فوفاه مريضا قد أشفى، فأوصى أبو بكر عمر قال: (فان أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى.) وسار الناس إلى العراق وأميرهم أبو عبيد الثقفي. فلما كانت موقعة الجسر التي زلزل فيها السلمون وقطع جسر الفرات وراءهم فتهافتوا في الماء وقف المثنى في أنجاد من العرب ينادي: (أيها الناس! إنا دونكم فاعبروا على هينتكم، ولا تدهشوا، فأنا لن نزايل حتى نراكم في ذلك الجانب). وحمى المثنى الناس حتى عبروا. ثم خلق المثنى من الفلول المهزومة يوم الجسر نصرا بهرا في موقعة البويب برأيه وسياسته وشجاعته، واحتسب فيها أخاه مسعودا؛ ثم تكاثر الفرس عليه فكتب إلى عمر، فأمره أن يتنحى بالناس حتى يأتيه أمره. ثم أرسل عمر سعد بن أبي وقاص في حشد عظيم، وانحاز المثنى إلى ذي قار. وقدم سعد إلى زرود ينتظر المثنى، ولكن الأسد المرزأ، والمسعر المجرب، انتفضت به جراحات يوم الجسر. فبينما سعد يرجو مقدمه جاءته وصيته تحملها امرأته سلمى وأخوه المعنى. عمل سعد بوصية المثنى وأمر أخاه مكانه، ثم تزوج امرأته. وقد شهدت سلمى وقعة القادسية، فلما حمى الوطيس؛ واستكلبت الموت على الأبطال، نظرت فلم تجد المثنى يسوس الأنجاد، ويقود الجلاد، فصاحت: (وامثنياه! ولا مثنى اليوم للخيل). مات المثنى وشهد له التاريخ أنه (كان شهما شجاعا ميمون النقيبة حسن الرأي. أبلى في حروب العراق بلاء لم يبله أحد)
- 3 -
فيا شباب بغداد الذين أنشأوا نادي المثنى ليحيوا ذكره! اذكروا فيه الرجولة الكاملة، والشجاعة البالغة، والمجد والسؤدد، والعمل المخلد. اذكروه قائدا مقداما، وأميرا حازما، وسيدا مطاعا، وجنديا مطيعا. اذكروه حرا أبيا، ومثلا عربيا، وخلقا عاليا. واستمدوا من ذكراه وذكرى أمثاله أخلاقا صلبة تقيكم رخاوة الحضارة، وعزيمة ماضية ترفعكم عن ذلة الرفاهية، وتقتحم بكم الأهوال إلى الغاية البعيدة ولأمل العظيم. ثم اذكروا أن المثنى فتح العراق جنديا مسلما، فاذكروا الإسلام ومجده، واعتصموا بأخلاقه، واستمسكوا بمعاليه. وسيروا قدما في عزة العروبة، وهداية الإسلام، وأنتم الأعلون والله معكم
عبد الوهاب عزام