الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 115/من تراثنا العلمي

مجلة الرسالة/العدد 115/من تراثنا العلمي

بتاريخ: 16 - 09 - 1935

3 - كتاب في البيزرة

وصف وتحليل نسخة من كتاب مفقود، في علم ضائع، لمؤلف

مجهول

للأستاذ علي الطنطاوي

تتمة

وللصيد لذة مشتركة موجودة في طباع الأمم، وكأنها في سكان البدو والأطراف أقوى لمصاقبتهم ومنازلتهم إياها، فلا تزال تراهم ذاكرين وبها متمثلين، ومنها طاعمين، حتى أن نساءهم ليتصيدن على الخيل، ذكر ذلك بعض الرواة فقال: أتيت مكة فجلست في حلقة فيها عمر بن عبد الله بن غبي ربيعه المخزومي وإذاهم يتذاكرون العذريين وعشقهم وصبابتهم، فقال عمر: أحدثكم بعض ذلك: إنه كان لي خليل من بني عذرة (وقصّ قصة الدوحة، وهي على طولها، وعلى أنها أخذت من الكتاب نحواً من عشر صفحات من أجمل قصص الحب في الأدب العربي، وهي مشهورة لم نروها لطولها).

وربما ألث السحاب وجرت الأدوية وتتابع السيل، وثلجت الصحراء، حتى يعم ذلك معاقل الأروَ، وكناس الظباء، ومرابض المها، ومفاحص القطا، ومسالك الطير من الهواء، فلتجأ الصوار والسّرب والعانة والرعيل والرف إلى العمارة، فتؤخذ قبضاً وتكون حالها في استسلامها، وضعف من يقدر عليها في تلك الصورة كقول علي بن الجهم في وصف غيث:

وحتى رأينا الطير في جنباتها ... تكاد أكف الغانيات تصيدها

ولا يكون لصيدها ذلك الموقع، على أن ناساً قد أمكنهم مثل ذلك فرأوا تركه، وقالوا إنما لجأت إلينا وعاذت بجوارنا، فنؤمنها ولا نروعها ولا نجور عليها، وفعل مثل ذلك مجبر الجراد واسمه حارثة بن حنبل من طيء، وكان الجراد قد وقع في أرضه، فبدأ بالوقوع حول خبائه، فخرج أهل الحي ليصيدوه، فركب فرسه واشرع إليهم صدر قناعة وقال: ما كنت لأمكنكم من جاري وفخر بذلك قومه، فقال هلال بن معاوية التغلبي:

ومنا الكريم أبو حنبل ... أجار من الناس رجل الجراد وزيد لنا ولنا حاتم=غياث الورى في السنين الشداد

وفعله رجل من بني عبد الله كلاب يقال له همام، وبات بأرض خلاء ليس معه أحد، فأوقد ناراً، وقد كان صاد صيداً، فلما رأى الذئب النار أتاها، وذلك من شأنه إذا رأى النار، فلما قرب الذئب منه وهو غرثان أقبل يتقرش ما يرميه همّام من العظام ولا يراه، فلما تبينه رمى إليه بقية صيده ولم يرعه، وأنشأ يقول:

يارب ذئب باسل مقدام ... منجرد في الليل والأظلام

عاود أكل الشاء والأنعام ... قد ضافني في الليل ذي التمام

في ليلة دانية الأرزام ... يقرش ما ألقى من العظام

فبات في أمنى وفي ذمامي ... مستدفئاً من لهب الضرام

آثرته بالقسم من طعامي ... ولا يخف نبلى ولا سهامى

ولو أني غيري من الأقدام ... من اللئام لا من الكرام

إذن للأقي عاجل الحمام

وأخبرني من وثقت بصدقه عن رجل من جله أهل همذان أن الثلج كثر في ضياعه حتى لجأت إليها عانات كثيرة، فأخذنا وكلاؤه ولم يحدثوا فيها حدثاً وكتبوا إليه بخبرها، فكتب إليهم أن أقيموا لها قضيماً وعلفاً إلى أن ينحسر الثلج، فإذا أنحسر الثلج فخلوا سبيلها واحموها حتى تصل إلى أبعد موضوع من العمارة ففعلوا ذلك.

وتلجأ أيضاً إلى الأنس والعمارة إذا أجدبت السنة وعدمت الكلآ، وذكر هذا المعنى إبراهيم الموصلى في قوله يرثى أخاه اسمعيل بن جامع المغنى، فقال:

وإني واسمعيل يوم فراقه ... لكالغمد يوم الروع فارقه النصل

فان أغش قوماً بعده أوازورهم ... فكالوحوش يدنيها من الأنس المحل

يذكرنيك الخير والشر والتقى ... وقول الخنا والحلم والعلم والجهل

فألقاك عن مذمومها متزهاً ... وألقاك في محمودها ولك الفضل

وقد زعم قوم أن هذا الشعر لمسلم بن الوليد الأنصاري

ومثله لآخر:

تخرم الدهر أشكالي فأفردنى ... منهم وكنت أراهم خير جلاس وصرت أصحب قوماً لا أشاكلهم ... والوحوش تانس عند المحل بالناس

وأخبرني مخبر عن أبي العباس الخ ... عن المعتصم أنه أوغل

يوماً في الصيد وحده، فبصر بقاض يصيد ظباءً فاستدناه وقال حدثني أعجب ما رأيت في صيدك، فقال:

خربقت المشارع التي تردها الظباء، فلما شمت الخريق صدرت عطاشاً، ثم عادت من غد فانصرفت أيضاً عطاشاً، ثم عادت في اليوم الثالث بأجمعها، فلما جهدها العطش رفعت رؤوسها إلى السماء فأتاها الغيث فما انصرفت حتى رويت وخاضت في الماء.

وذكرت العلماء بطبائع الحيوان أن الوحش ربما انحازت إلى العمران عن مواضعها من الجبال والبر الذي يتصل بفصل الشتاء، فيستدل برده وثلجه لأنها تحس في الجبال بتغير الهواء وبرد شديد، فتستدل بذلك على ما بعده من قوة البرد وتخاف الهلاك فتلجأ إلى العمارة.

(باب) من كان مستهتراً بالصيد من الأشراف: إسماعيل غبن إبراهيم الخ. . وحمزة بن عبد المطلب الخ. . ومن خلفاء بني العباس الخ. . الخ. . (وهو باب طويل حافل بالأخبار الممتعة، والأشعار المستملحة).

(باب) صفة البواشق وذكر ألوانها وشياتها وأوزانها وصفة الفاره منها: فالأحمر الأسود الظهر جيد صبور على الكد، والأحمر الظهر والبطن رخو ماله جلد الخ. . .

وأكثر ما رأيناه من أوزانها مائة وثلاثون درهماً، وأقله خمسة وتسعون الخ. . .

(باب) في ضراءة الباشق وفراهته وما يصيد من الطرائد المعجزة التي هي من صيد البازي وذكر علاجات البواشق وعللها وما خلص منها من العلل ونجب، وذكر القرنصة وذكر ما عاش عندي منها بالقاهرة حرسها الله، وذكر ما يحتاج إليه في القرصنة من الخدمة، وذكر السبب الذي استحقت به التقدمة على البزاة إذا كان مؤلفو الكتب يقدمون البازي على سائر الجوارح.

(فصل) صفة ضراءة الباشق وهو وحشي، يحتاج الباشق إلى أن يكون على يد رقيق من البيازرة يعرف ما يعمل هو، وهو أن يخيط عينه إلى أن يكلب على الطعم ومقدار ذلك سبعة أيام الخ. . . فإذا كلب كلباً تاماً على الطعم فأفتحه وأطعمه الخ. . . فإذا لم يبق عليك من إجابته شيء على ما وصفنا، فخذ له من طير الماء الفرافير ولقفه إياها الخ. . . الخ. . .

(فصل) ذكر الضراءة على البيضاني والمكحل

إذا أردت أن يصيد الباشق البيضاني والمكحل الخ. . . وقد رأيت من فراهة البواشق ثلاثة لم يسمع بمثلها قط الخ. . . وكان لنا باشق وحشي الخ. . . ولم أر مثله إلا باشقاً قط الخ. . . وكان لنا باشق وحشي الخ. . . ولم أر مثله إلا باشقاً كان لمولانا صلوات الله عليه (يعنى العزيز الفاطمي)، فانه أمرني في بعض الليالي أن أشبعه وشغل هو صلى الله عليه بطير الماء الخ. . . وإنه كان لنا باشق يعرف بباشق ابن حوفية، وكان يكون على يد أمير المؤمنين صلى الله عليه الخ. . . وهذا لم أر مثله إلا من باشق كان الخ. . . وقد كان عندي باشق حوام الخ. . . الخ.

(فصل) صفة علاج القرنصة وذكر ما تحتاج إليه من آلتها.

(فصل) ذكر علاج القرح في جناح الباشق وكيف يخرج

(فصل) صفة علاج اللدود.

(باب) في صفة البزاة وذكر شياتها وألوانها وأوزانها وضراءتها والحوادث التي تحدث لها وعلاجاتها وما تحتاج إليه من الخدمة في قرنصتها.

(فصل) صفة شياتها

(فصل) ذكر أوزانها.

(فصل) صفة ضراءة البازي: إذا وقع البازي إلى الصياد فسبيله أن يخيط عينيه الخ. . .

وقد كان لي باز، وكان الخ. . .

وكان عندنا باز حمل إلينا من دمشق الخ. . .

ولقد بلغنا في صيد البازي خبر عجيب، لم نسمع مثله، وذلك أن مسلماً دخل إلى بلد الروم الخ. . .

(فصل) ذكر ما يحتاج إليه البازي في القرنصة.

(فصل) ذكر سياسة الذرق.

(فصل) ذكر الأدوية والعلاجات وما يستدل به من الذرق على كل علة.

(فصل) ذكر ما يحدث الجص وصفة علاجه

(فصل) ذكر علاج النفَس.

(فصل) ذكر علاج البشم.

(فصل) ذكر علاج البياض إذا أصاب عين البازي

(فصل) ذكر ما يولد القمل في البازي وصفة علاجه.

(فصل) ذكر علاج المسمار إذا أصاب كف الجارح

(فصل) ذكر ما يحدث الورم في الكفين وصفة علاجه.

(فصل) ذكر علاج القلاّع

(فصل) ذكر ما يتبين به كون الدود في البازي وصفة علاجه.

(فصل) صفة علاج الحرّ.

(فصل) صفة علاج مخاليب الجارح إذا تقلعت

(فصل) صفة علاج البرد.

(فصل) صفة علاج اعوجاج ريش الجناح

(فصل) صفة علاج العقر إذا أصاب كف البازي.

(فصل) ذكر ما يحدث السدة في المنخرين وصفة علاجهما.

(باب) في تفضيل الصقور على الشواهين لما فيها من الفراهة وهو السبب الموجب لتقديمها وذكر ألوانها وأوزانها وصفة ضراءتها، (وفي فصول طويلة كالذي مرّ في باب البواشق وباب البزاة).

(باب) في صفة الشواهق وذكر ألوانها وأوزانها وصفة ضراءتها.

(باب) السقاوات وذكر ألوانها وأوزانها وضراءتها، وما تصيده من الوبر والريش، وذكر ما يستدل به على جبدها ورديئها.

(باب) العقبان الخ. . .

(باب) الزمامجة الخ. . .

(باب) ما قيل في العقاب من الشعر المستحسن.

(باب) صيد الفهد الخ. . .

(ذكر) الصيد بالفهد وما يستحسن منه الخ. . . وقال بعض الشعراء الخ. . . (وفي هذا الفصل كثير من الأشعار والأشعار والأخبار الجيدة).

(ذكر) ما قيل في ابتذال الملك نفسه في الصيد بهذا الضاري ومباشرته له الخ. . . (وفي هذا الفصل أشعار كثيرة).

(باب) في صفة الظباء وذكر مواضعها التي تأويها وصيدها وما فيها من المنافع، وما قيل في ذلك من الشعر.

(باب) في ذكر كلاب سلوق وخصائصها وصيدها وعللها ودوائها، وما قيل فيها من الشعر (وفيه فصول وقد أورد المؤلف في بعضها طائفة صالحة من الشعر).

(باب) ذكر ما قيل في الجوارح وما وصفت به من الشعر المستحسن لمتقدم ومتأخر، (وفيه فصول).

(باب) صيد طير الماء في القمر بالبازي والباشق، وهو باب تفردنا دون غيرنا ولم نعلم أحداً سبقنا إليه من مؤلفي كتب البيزرة من المتقدمين (وهو آخر أبواب الكتاب) ثم تأتي الزيادات التي أشرنا إليها في صدر مقالنا السابق.

وهذا وصف موجز، وبيان لقيمة هذا الكتاب الجليل، وإنا لنرجو أن يهيء الله له ناشراً، يسرع إلى طبعه ليستفيد منه أهل الأدب، وأصحاب هذه الصناعة، ويأخذ مكانه في المكتبة العربية، فان مكانه لا يزال خالياً، ولا يسده اليوم في الدنيا كتاب غيره، وإنا لنرجو أن تعنى بأمره (لجنة التأليف والترجمة والنشر) ويكون لها في نشرة مأثورة جديدة، تضم إلى مآثرها الجمة وأياديها الكثيرة على الثقافة والأدب.

علي الطنطاوي