مجلة الرسالة/العدد 110/محمد طاهر باشا نور
→ مصر والشرق الإسلامي | مجلة الرسالة - العدد 110 محمد طاهر باشا نور [[مؤلف:|]] |
الأدب والأديب ← |
بتاريخ: 12 - 08 - 1935 |
مثل نادر من المثل العليا في كرم الخلق وعفة الضمير وصدق النية؛ استأثر به الله وأمته وأسرته أحوج ما تكونان إلى كفايته ورعايته؛ فكان الأسى على فقده شاملا يتبين في كل وجه، ويحز في كل قلب؛ والمصيبة في الأخيار النوابغ مصيبة الإنسانية جمعاء، لأن كمالها قائم على كمالهم، وتقدمها سائر على أعمالهم، وسلامها معقود بما ينبعث عن فطرهم النبيلة من إلهام الجمال والخير والحق. كان رحمه الله على كرم أبوته وأمومته، وشرف منصبه وأسرته، متواضع النفس لين الجانب؛ وكان على هذا التواضع وذلك اللين أبي الطبع شديد الأنفة، لا يطمئن على مكروه ولا يصبر على غضاضة. ومن العجب النادر أنه استطاع على سلامة قلبه النفاق، وبراءة لسانه من الملق، ونزاهة نفسه عن الخنوع، أن يصعد في مناصب الدولة الخطيرة صعود الشمس في الفلك، فلم تعقه مكاره العزة والأباء عن بلوغ الغاية منها؛ وفي ذلك ولا ريب نجاح للكفاية في استقلالها، وانتصار للحق في ذاته
لم يكن طاهر باشا رجل حزب، ولكنه كان رجل أمة. حصر جهد في
عمله، وحدد عمله بواجبه، وانطوى قلبه منذ نشأ على صراحة القانون
ونزاهة القضاء ونصاعة العدل؛ فكان في كل عمل تولاه مظهرا لهذه
الأخلاق وموئلا لأصحاب الحق
وفي سنة 1924 كان زعيم الأمة الخالد سعد باشا زغلول رئيسا للحكومة، وكان رضى الله عنه حريصا على أن يقيم حكومته على الإخلاص في العمل والنزاهة في التصرف والفناء في الواجب؛ فخلا يومئذ منصب النائب العمومي، وهو ألصق المناصب القضائية بسلامة الناس، لأنه يد القانون وعين العدالة ولسان الحق؛ فدار الزعيم الجليل بعينه وقلبه في رجال القانون وكبار الدولة يتوسم صفات النائب التي يريدها في الوجوه، ويتعرفها من الماضي، ويتجسسها من الأسئلة، فلم يقع اختياره الموفق إلا على طاهر نور مدير الإدارة القضائية، وهو من غير العاملين معه ولا المقربين إليه ولا المتصلين به. فقام النائب المختار بما حمل من أعباء العدل على ما تحققه فيه الزعيم من الفطانة والأمانة والذمة والحكمة، لا يضطرب في مهب الأهواء، ولا يسخر سلطانه لشهوات الرؤساء، ولا يعرض أخلاق الناس وأعراضهم لهوان السياسة، حتى طغى في مصر الحكم وفشا في الناس الظلم، فلم يستطع في ذلك العهد البغيض أن يوفق بين جور الحاكم وعدل القانون، فنقل وكيلا لوزارة الحقانية سنة 1930، وظل فيه على عهد الناس به حتى قبضه الله إليه. رحمه الله رحمة الله واسعة، وعوض أمته وأسرته منه خير العوض.
الزيات