الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 11/في الأدب الغربي

مجلة الرسالة/العدد 11/في الأدب الغربي

مجلة الرسالة - العدد 11
في الأدب الغربي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 15 - 06 - 1933


من الأدب الفرنسي:

للأستاذ شاتوبريان (1768 - 1848)

للأستاذ أبي قيس

ولد فرنسوا شاتوبريان في سان مالو وهو قدوة الكتّاب في القرن التاسع عشر، اقتبس عن الفصحاء المدرسيين كبسكال وبوسويه وفولتير، وتأثر ببلغاء الإبتداعيين كروسو وبرناردان، ولكنه لم يقلد منهم أحدا. هو مصور ماهر لا يصف إلا ما يشاهده بأم العين فيثير في مخيلة قارئه أروع المشاهد، ويبالغ في الإتقان والمحاكاة حتى يجعل الغائب كالشاهد، ففتح بذلك مغالق الطبيعة وكشف عن سواحر محاسنها.

وهو ذلك الشاعر الذي يصور ببراعة حركات الفؤاد ووثباته، والخطيب البليغ الذي يرتفع حجاب السمع لرائع تشبيهاته واستعاراته، ولم يظهر في القرن التاسع عشر أسلوب أفخم ولا أسلس ولا أكثر تنوعا من أسلوبه، فكان لتبسطه في فنون اليراع إماما للشاعر المبدع، والكاتب الممتع، والمؤرخ الصادق، والناقد المنصف، والخطيب المثير، والقصصي القدير؛ وحسبك دليلاً على مبلغ تأثيره في كتاب عصره أن فكتور هوجو كتب على دفتره المدرسي وهو في الخامسة عشرة ما نصه: (أريد أن أكون شاتوبريان أو لا أكون شيئا!)

ومن روائعه: الشهداء وروح النصرانية، ورحلة من باريس إلى بيت المقدس وهي التي عربنا منها للرسالة وصفه لعرب فلسطين وحوادث آخر بني سراج التي عربها الأمير شكيب الأديب المنتج العجيب، ولخصها صاحب النظرات واتالا التي نقلها أنطون فرح إلى العربية.

عرب فلسطين

العرب حيثما أبصرتهم في فلسطين ومصر أو في بلاد البربر، قد ظهروا لي بقامة أقرب إلى الطول منها إلى القصر، مشيتهم البخترية برشاقة طبعوا عليها وخلقتهم في أحسن تقويم: وجوه مسنونة وجباه مقوسة عريضة وأنوف يزينها القنا والشمم، وعيون نجل لوزية الشكل ذات نظر نديُّ عذب، ثم لاشيء يشعرك منهم بوحشة، وان لبثت أفواههم مطبقة أبداً: ذلك انهم إذا ما اخذوا في التحدث إليك أسمعوك لغة تطربك نغمتها ويفعمك شذاها، ولمحت ثغوراً يروعك البياض الناصع من ثناياها والشنب مما يذكرك بأسنان العسابر وبنات آوى

والعربي يرتدي على الأغلب جلباباً يشده الحزام على الخصر وتراه ينزع يده حينا من كم جلبابه هذا فيمثل لك الردية القديمة وتبصره حينا آخر يلف بعباءة من صوف فتكون له رداءً أو كساءً أو وقاءً من الحر بحسب التفافه بها أو طرحها على منكبيه أو رأسه وهو يمشي حافياً أو منتعلاً ويتسلح بالبندقية والخنجر والرمح الطويل.

إن القبائل ترحل قوافل، والإبل تمشي قطاراً، والبعير الأول منه يجره حبل من مسد حمار هو قائد القافلة: فهو لذلك قد أُكرم بإعفائه من الأثقال وبما حبوه من أنواع الرعاية والاختصاص والعشائر الموسرة تزين الأباعر بالمخمل المهدب والريش والبنود.

أما الجواد فإنه يكرم على قدر استيفائه لأقسام العتق والكرم ولكنهم مع ذلك لا يتسامحون في سياسته أبداً فلا يحبسون الخيل في الظل بل يعرضونها لِلَفْحْ الهواجر مربوطة بالأوتاد من قوائمها الأربع ربطاً تجمد له في مقرها، وهي أبداً مسرجة وكثيراً ما تقضي نهارها على ورد واحد، ولا تعلف في اليوم كله إلاّ حفنات من الشعير: ومثل هذا التقتير في العلف مع انه لا يَهْزِلُها كفيل بتعويدها السرعة والصبر والقناعة.

راقني كثيراً جواد عربي كان مقيداً في الرمضاء. وشعر عرفه منتشر، ورأسه منحنِ بين يديه التماساً لبعض الظل، وهو ينقد بعين وحشية صاحبه ناظراً إليه عن عرض شزراً فإذا ما أنت فككت قيده وقذفت بنفسك على ظهره أزبد وحمحم ثم نهب الأرض نهباً.

إن كل ما يروى لنا عن ولع العرب وغرامهم بالقصص هو حق لا مرية فيه وأنا مورد لك على ذلك مثالاً:

سمرنا ذات ليلة على الرمل من ساحل البحر الميت، وبات التلاحمة حول النار المتأججة وبنادقهم ملقاة إلى جانبهم على الأرض والخيل، وهي مثلنا على شكل دائرة موثقة بأوتادها، وبعد أن احتسينا القهوة وتجاذبنا أهداب الأحاديث سكت هؤلاء العرب ما خلا شيخهم الذي كنت المح من خلال سنا النار حركات وجهه الناطقة ولحيته السوداء وأسنانه البيض والأشكال المختلفة التي كانت تتشكل بها ثيابه وهو ممعن في سرد قصته. وكان أصحابه يصغون إليه الإصغاء كله، مائلين إليه برؤوسهم ومقبلين بوجوههم على اللهب وهم يصيحون تارة صيحة إعجاب وطرب، ويقلدون أوضاع الشيخ المحدّث تارة أخرى. وبعض رؤوس من الخيل كانت ممتدة فوق السامر بأعناقها وانك لتتبينها في العتمة فتكمل بها صورة تلك اللوحة الرائعة ولا سيما إذا أنت أضفت إليها ناحية من البحر الميت ومن جبال فلسطين!. (دمشق - أبو قيس)