مجلة الرسالة/العدد 108/سود قمصانكم حمر غدا
→ حافظ بك إبراهيم | مجلة الرسالة - العدد 108 سود قمصانكم حمر غدا [[مؤلف:|]] |
النسيان ← |
بتاريخ: 29 - 07 - 1935 |
ً
للأستاذ فخري أبو السعود
أمةَ الأحباش يا أُسْدَ الحمى ... علِّمي الطليانَ عُقْبى من بغى
أنتِ لَقَّنتِهِمُ في عَدْوَةٍ ... غَالِيَ الدرس، وطُوبى من وعى
فَنَسوهُ، فَأَعيديه عسى ... يحفظون الدرس رنَّانَ الصدى
ويُميط القومُ عن أعينهم ... غرراً بات شبيهاً بالعمى
ويُقلُّونَ دَعاوى لَهُمُ ... مَلأَُوا من إفكِها الأرضَ سُدَى
مثَّلُوا الذِّئْبَ ولكن لم يَرَوْا ... حَمَلاً يَرْهَبُ ذُؤبَانَ الفلا
هُمْ أرادُوا أن يُحاكُوا دولةً ... مُلكُها يجمع أطراف الدُّنى
أَمَةٌ قامت تُحاكي حُرَّةً ... ساخراً من جهلها هذا الورى
مِنْ سِويسْرَا الشَّرْقِ رَجَّوْا جَنَّةً ... لَهُمُ طابت مَعِيناً وجَنى
طَمعوا فيها ولكن دونها ... مربضُ الأساد مِنْ ذاك الشَّرى
حشدوا حولكِ من قمصانهم ... جحفلاً طبَّق أجواز الفضا
وأثاروا مُرْعِدَاتٍ فوقهم ... حائِماتٍ حجبتْ أفْقَ السما
وأعَدُّوا من جحيم العلم ما ... يفلق الهام وما يبرى الصَّفَا
طالما بَدّدْتِ خصما عادياً ... في عصور الجهل قِدماً والدُّجى
فانْظُرِي اليومَ عدوَّاً باغياً ... صَالَ بالعلم وفي النُّور سَطَا
جَرَّدَ السُّمْرَ مِنَ الفَضْلِ وقد ... قَصَرَ الفضلَ عليه والحجى
أُمةَ الأحباش فَانْضِى عزمةً ... ما تَلَقَّتْ جحفلاً إلا أنثنى
وإذا جاءُوا فقُولي لهمُ ... قولةً فيها رشادٌ وهُدى:
(نحن خَضَّبْنَا بكم في عَدْوَةٍ ... جانبَ السهل وأَفْوَادَ الرُّبى
فأجمعوا أشلاَءكم مِنْ تُرْبِها ... قبل أن تَخْطُوا إلى هذا الحِمى
نحن إن لم نَقْرَأ العلمَ ولم ... نَحْذِق الفَنَّ ولا نَحْتَ الدُّمى
نمنَعُ الحوضَ ونَفْنى دونه ... ونعاف العيش في ظل العدى
يا عبيدَ الأمس إنا لم نَدِنْ ... أبَدَ الدهر لجبَّارٍ عَتَ ما رَوَى التأريخ عنّا أبداً ... غيرَ عزٍّ باذخٍ فيما رَوَى
لم نُغِرْ يوماً على جارٍ لنا ... غير أنَّا كمْ رددنَا من طَغى
فإذا ساءكُمُ في أرضنا ... - يا بني الصُّفْرِ - رقيقٌ يشترى
فغداً نَقْرِنُ منكمْ بِهِمُ ... كلَّ مفْتونٍ على الغاب اجترا!
تَدَّعُونَ الفضل ظلماً والعلا، ... والعلا منكم براءٌ والنَّدَى
لكُمُ في الغدر ماضٍ مظلم ... في طَرابُلْسَ من الفضل خلا
كم غدرتم وفررتم هلعًا ... ما صبرتم مرَّة في الملتقى
عُمَرُ المختارُ قد جَلَّلكُمْ ... يومُه عاراً على طول المَدَى
فالبسوا العار عليكم سرمدًا ... وأنزلوا حيث نزلتم بالظُبى
مالكم غير ظُبانا من قِرى ... عبثاً منّيْتُم النفس المنى
سود قمصانكم حمْرٌ غداً ... من نجيعٍ من لُهَاكم قد جرى!)
وتحايا - أُمةَ الأحباش - من ... كلِّ حُرِ ْوَد َّلو كان الفدا
لو دَرَى الحربَ لَلَبَّى ومضى ... في صفوف الحق لا يخشى الردى
إذ تَنَحَّى كلُّ شعبٍ طالما ... شاد بالسلم وبالحق شدا
مَلأَ الدنيا كلاماً فإذا ... قيل: مَن للسلم والحق؟ انزوى
أُمَمُ الغرب وما أدراك ما ... ما أمم الغرب وما رهط العلا
ذَلّ من يطلُبُ نَصْفاً فيهمُ ... إنما يُطْلَبُ في ساح الوغى
فخري أبو السعود