مجلة الرسالة/العدد 107/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 107 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 22 - 07 - 1935 |
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: لأبى الحسن الأشعري.
التيسير في القراءات السبع: لأبى عمرو عثمان بن سعيد
الداني
للأستاذ محمد بك كرد علي
في مطبعة الدولة في استانبول طبعت لجنة (النشريات الإسلامية لجمعية المستشرقين الألمانية) هذين الكتابين المعتبرين. نشر الكتاب الأول منهما: العلامة ريتر. وكتب الأشعري مفخرة أهل السنة والاستقامة على كثرتها لم يطبع منها سوى كتابين في الهند: (الإبانة عن أصول الدين) و (استحسان الخوض في الكلام) وهذا الكتاب في مقالات الإسلاميين، هو الذي عنى بتصحيحه والتعليق عليه، ووضع فهارسه السيد ريتر، وقال فيه: إنه مهم في بابه لمعرفة فرق أهل الإسلام، لان تأليفه أقدم من (الملل والنحل) للشهرستاني و (الفرق بين الفرق) لعبد القاهر البغدادي و (الفصل في الملل والأهواء والنحل) لابن حزم الظاهري، وأن الأشعري أدرك المتأخرين من المعتزلة وغيرهم من أهل المذاهب، فأضطر في نقل بعض ما ينقله عن أوائلهم إلى الأخذ من الكتب المؤلفة قبله في مقالات الناس مثل مقالات الكعبي والكرابيسي واليمان بن رباب وزرقان وغيرهم، وهذه قد ضاعت كلها.
وقد علل الناشر ضياع الكتب بقوله: إنه كلما كان الكتاب أقدم عهدا كانت نسخه أعزَّ وجودا واقل عددا، وذلك لعدة أسباب: منها استيلاء الفناء عليها بتقادم العهد، وجريان حكم الزمان عليها بالمحو والإفساد، ومنها ضياعها وتلفها عند استيلاء الإعداد على البلاد وجنايتهم على الكتب بالإحراق والانحراق، ومنها اعتداء بعض أهل المذاهب على كتب مخالفيهم، ومنها أن المعلمين والمدرسين الذين كان جلُّ همهم أن يضبطوا قواعد كل علم بأقصر لفظ، عمدوا إلى تهذيب مؤلفات من سبقهم، وتنسيق المباحث وترتيبها، ووصل كل بحث بما يجانسه، وضم كل فرع إلى اصله واختصروها إيثارا للإيضاح والتقريب، وتسهيلا للتعليم والتعلم، فاثر المحصلون كتبهم على الكتب القديمة من أجل ذلك فصارت المؤلفات السابقة كأنها منسوخة باللاحقة فتركت ونسيت.
وكتاب مقالات الإسلاميين بحث مستوفى في المذاهب والفرق الإسلامية، لم يستعمل فيه مؤلفه السباب والمهاترة على ما وقع في مثل ذلك ابن حزم والبغدادي وغيرهما ممن كتبوا في مناقشة أهل الأهواء وأصحاب المقالات. فالأشعري عمد إلى لسان العلم يستخدمه في ذكر مقالات مخالفيه، وقد حوى كتابه فوائد تاريخية وسياسية ولاسيما في تدوين وقائع من طالبوا بالخلافة من العلويين في كل عصر، وفي أحكام الإمامة واعتقاد أهل الفرق فيها، وفي الحكمين والحكم عليهما بما فعلا. أطلق في كل ذلك العنان لقلمه حتى لا تكاد تستبين أن المؤلف خالف أصحابه المعتزلة في شيء، بل هو معتزلي تربية ومنشاً وربما جاءه الفيض من الأخذ عن علمائهم، وإلا ففيها عاديا من فقهاء عصره ومحدثيه.
وفي الكتاب وصف دقيق لمسائل علم الكلام وما أختلف فيه أرباب المذاهب، كتبه بلهجة سلسة يتفهما لأول وهلة حتى من ليس له أنسة بمثل هذه الأفكار والعبارات، وذلك لان المؤلف هضم ما تعلمه وتمثله، فوصفه بدقائقه وصفا قرَّبه من الأذهان. وهذه الموضوعات من أبحاث قدماء العلماء، واليوم لا يهتم لها إلا خواص الناس ومن هم بسبيلهم من طلاب العلم الديني.
والكتاب في مجلدين بلغا أكثر من ستمائة صفحة، هذا عدا الفهرس الذي وضعه الدكتور ريتر في أسماء الرجال والنساء، ذكر فيه المكان الذي وردت فيه تراجمهم تسهيلا على القارئ، وهناك فهرس بأسماء الفرق والطوائف، وثالث بأسماء البلدان والأماكن، وقد تجلى التوفيق والعناية في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب الذي يعدُّ بلا جدال من الأمهات في هذا الموضوع.
الكتاب الثاني هو (التيسير) في القراءات السبع للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، نشره العلامة برتزل وقال في المقدمة التي وضعها له بالعربية: (إن علم قراءة القران أقدم العلوم الإسلامية نشأة وعهداً، وأشرفها منزلة ومحتدا، وكان أول ما تعلم الصحابة من علوم الدين حفظ القران وقراءته، ثم لما اختلف الناس في قراءة القران وضبط ألفاظه مست الحاجة إلى علم يميز بينالصحيح المتواتر، والشاذ النادر، ويتقرر به ما يسوغ القراءة به وما لا يسوغ، وقاية لكلماته من التحريف، ودفعا للخلاف بين أهل القران، فكان ذلك العلم علم القراءة الذي تصدر لتدوينه الأئمة الأعلام من المتقدمين.
قال وفي الحق إن تدوين علم القراءة أفاد المسلمين فائدة لم تحظ بها أمة سواهم، وذلك أن البحث في مخارج الحروف والاهتمام بضبطها على وجوهها الصحيحة لتيسير تلاوة كلمات القران على أفصح وجه وأبينه، كان من ابلغ العوامل في عناية الأمة بدقائق اللغة العربية الفصحى وأسرارها، وكانت ثمرة هذا الاجتهاد والجهد أن القراء تشربوا بمزايا اللغة العربية وقواعدها ودقائقها. ومما يؤيد ذلك أن الكثيرين من قدماء النحويين كانوا مبرزين في علم القراءة، كما كان الكثيرين من أئمة القراء كأبي عمرو والكسائي بارعين في علم النحو.
ويرى الناشر أن على كل من يتصدى للنظر في تاريخ اللغة العربية ودرس المسائل التي تتناولها كتب النحويين، أو للبحث في تنوع اللغات واختلافها بحسب الأقطار والأمصار، ينبغي له أن يتتبع علم القراءة والتجويد؛ ومن شرع في درس معاني القرآن، واستقصاء لطائفه واستخراج حقائقه، ثم اعتمد على القراءة الوحيدة التي يجدها في المصحف الذي بين يديه فقط من غير التفات إلى رواية الأئمة الآخرين؛ فقد غفل عن أمر ذي بال أه.
والمؤلف كان شيخ مشايخ المقرئين في الأندلس، رحل في أخذ القراءات عن الأئمة في الشرق (وكان هو من الأئمة في علم قراءة القرآن، وطرقه ورواياته وتفسيره ومعانيه وإعرابه، ولم يكن في عصره ولا بعده من يضاهيه في قوة حفظه وحسن تحقيقه، ونقل عنه أنه كان يقول: ما رأيت شيئاً قط إلا كتبته، وما كتبته إلا حفظته، ولا حفظته فنسيته؛ وكان أيضاً عارفاً بعلوم الحديث وطرقه وأسماء رجاله، وبارعاً في الفقه وسائراً أنواع العلوم) خلف فيما قيل مائة وعشرين مصنفاً، لا يزال بعضها محفوظاً في بعض خزائن الكتب في الغرب والشرق، واعتمد الناشر في طبع كتاب التيسير على ست نسخ منها ما هو في دار الكتب ببرلين وفي دار الكتب في مونيخ وفي خزانة ليدن وبعض خزائن إستانبول.
وكتاب التيسير كما قال فيه مصنفه مختصر في مذاهب القراء السبعة بالأمصار، يتضمن من الروايات والطرق ما أشتهر وأنتشر عند التالين، وصح وثبت عند المتصدرين من الأئمة المتقدمين. افتتح كتابه بذكر أسماء القراء والناقلين عنهم، وأنسابهم وكناهم وموتهم وبلدانهم، واتصال قراءتهم وتسمية رجالهم، واتصال قراءتنا نجن بهم، وتسمية من أداها إلينا عنهم رواية وتلاوة وأتبع ذلك بذكر مذاهبهم واختلافهم.
دمشق
محمد كرد علي