الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 106/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 106/الكتب

بتاريخ: 15 - 07 - 1935

1 - فتح العرب لمصر: للدكتور بتلر

ترجمة الأستاذ محمد فريد أبو حديد

2 - فنون الطهي الحديث

لمؤلفيه السيدين أبي زيد أمين وطغيان سعيد

للأستاذ محمد بك كرد علي

من الكتب كتاب واحد يغني عن عشرة، وقلما أغنى قط كتاب عن كتاب. وهذا الكتاب في فتح العرب مصر يدخل في باب ما لا يستغني عنه من الكتب لفائدته وطرافته. صرف مؤلفه في وضعه وقتاً طويلاً يدرس ويبحث، ثم يستقرئ ويستنتج، فجاء كتابه ناضجاً من كل وجه، حرياً بأن يتعلم بعض من يؤلفون بالعربية أصول التأليف المنقحة بالنظر إلى هذا الكتاب وكيف يدرس الغربيون أبحاثهم ليفيدوا العلم ويأتوا بالمتقن من صفحاته

استعان المؤلف في تأليفه بشذرات قليلة مما كتبه الروم ومؤرخو الكنيسة القبطية، وما كتبه أهم المؤرخين من العرب والإنجليز والفرنسيين والألمان، وما عثر من أوراق البردي في أرجاء مصر، وما كشف من عادياتها القديمة، ورجع إلى عالم عصره الشيخ محمد عبده فأعطاه بعض قطع اختارها أو كتبها، وكانت خاصة بالفتح، وساعده غير واحد من أعلام مصر في قراءة جمل من القبطية وغيرها فجلا تاريخ هذه الحقبة بأجمل أسلوب عصري، صوَّر لك ما وقع من حوادث الفتح العربي كأنك تشهدها

قال: (ولعل القارئ يستطيع من مطالعة الملاحق التي ألحقناها في آخر الكتاب أن يتبين شيئاً من مقدار ما هنالك من خلط في التاريخ، ومقدار ما عانيناه من المشقة في ابتداع طريقة لضبط تواريخ، الفتح الفارسي والفتح العربي، فالظاهر أن مؤرخي العرب لا يعرفون شيئاً عن تيودور القائد الأعلى لجيوش الروم، فهم يخلطونه ببعض أصاغر القواد، وهم كذلك يخلطون بين قيرس (المقوقس) وبنيامين، وبين فتح قطر مصر وفتح مدينة مصر، وفتح الإسكندرية، ولا يميزون بين فتح الإسكندرية الأول الذي كان صلحاً وبين فتحها الثاني الذي كان عنوة، وكانوا يذهبون إلى أن القبط قد ساعدوا العرب ورحبوا بهم. وقد ظلم التاريخ القبط في ذلك ظلماً فاحشاً على نحو ما ظلم العرب ظلماً كثيراً بنسبة حريق خزانة كتب الإسكندرية إليهم) قال: وما كأن لنا إلا قصد واحد وهو أن نصل إلى الحق، وقال إنه ممن يحمل لكل من الشعبين العربي والقبطي أكبر الإعجاب

ومن براهينه في تبرئة العرب من حريق خزانة الإسكندرية أن هذه القصة لم تظهر إلا بعد نيف وخمسمائة عام من وقت الحادثة وقد فحص هذه الحكاية وحللها (شأن عشرات من علماء المشرقيات) فألفاها كما رأوها سخافات مستبعدة ينكرها العقل، وقال أن الرجل الذي ذكر أنه كان أكبر عامل فيها مات قبل غزو العرب بزمن طويل، وإن القصة قد تشير إلى واحدة من خزانتين: الأولى خزانة المتحف، وقد حرقت في حريق قيصر، وإذا لم تتلف كلها كان ضياعها فيما بعد في وقت لا يقل عن أربعمائة عام قبل فتح العرب. وأما الثانية وهي خزانة السرابيوم أما أن تكون تلفت قبل عام 391، وإما أن تكون قد ضاعت، وعلى كل فقد ضاعت أخبارها قبل فتح العرب بقرنين ونصف قرن، ولو كانت هذه الخزانة باقية عندما عقد قيرس صلحه مع العرب على تسليم الإسكندرية لنقلت الكتب، وقد أبيح ذلك في شروط الصلح الذي يسمح بنقل المتاع والأموال في مدة الهدنة وقدرها أحد عشر شهراً، وإن كتاب القرنين الخامس والسادس لا يذكرون شيئاً عن وجود الخزانة، كذلك كتاب أوائل القرن السابع، وأنه لو صح أن هذه الخزانة قد نقلت أو لو كان العرب قد أتلفوها حقيقة لما أغفل ذلك كاتب من أهل العلم وهو يوحنا النقيوسي، وكان قريب العهد من الفتح، ولما مرّ على ذلك بغير أن يكتب حرفاً الخ

وقال المؤلف في الحاشية إنه لم يقصد سوى إثبات الحقيقة، وما قصد الدفاع عن العرب، وليس الدفاع بضروري، ولو كان ضرورياً لما تعذر أن نجد شيئاً يليق الاعتذار به عن ذلك، ولا شك أن العرب عنوا فيما بعد بجمع كثير من الكتب القديمة وغيرها مما وقع في أيديهم، وعنوا بحفظها، وترجموا منها في كثير من الأحوال. قال: وفي الحق أنهم أقاموا مثلاً يجدر بفاتحي هذه الأيام أن يحذوا حذوه، فقد نقل سيديليو في تاريخ العرب العام أن الفرنسيين عندما فتحوا مدينة قسطنطينية في شمال أفريقية أحرقوا كل الكتب والمخطوطات التي وقعت في أيديهم (كأنهم من صميم الهمج)؛ ووجد الإنجليز عند فتح مدينة مجدلة خزانة كبرى من الكتب الحبشية فحملوها معهم، ولكنهم لم يلبثوا أن تركوا أكثرها في كنيسة على جانب الطريق إذ وجدوا في حملها عناءً. وقيمة الكتب التي نجت وحفظت تدل على فداحة الخسارة التي لحقت العلم بضياع ما ترك منها أهم

بهذا الإنصاف، وهذه العناية، وهذا الجهد، ألف المؤرخ الإنجليزي تاريخ الفتح العربي في مصر، فرسم صورة جميلة، وكان إعجابه بعمرو بن العاص لا يقل عن إعجابنا معاشر العرب به وبأمثاله من الصحابة الفاتحين. وعناية المترجم الفاضل شديدة بتجويد ترجمته على صعوبتها لما حوت من النقول العربية وغيرها من اللغات ليرد الوثائق إلى أصلها؛ وقد وقع له تحريف في بعض الأعلام، ومنها ترجمته اذاسا وهي الرُّها وأطلق عليها الترك (أورفه)؛ ومنها (افيسوس) وهي (إفسس) مدينة في آسيا الصغرى أطلالها قرب أزمير اليوم؛ ومنها (برجاموس) وهي (فرغاموس)، وفي قاموس الجغرافية القديمة للعلامة أحمد زكي باشا أن فرغامس هو الاسم الوارد في كتب العرب للدلالة على مملكة قديمة بآسيا الصغرى اسمها عند الإفرنج ومنه اشتقوا الكلمة التي يطلقونها على الرق (بفتح الراء) أي الجلود المستعملة للكتابة، لأنها أول ما صنعت بهذه المملكة، فيقول الطليانيون والفرنساويون الخ. وقال مدينة (بيرويه) وهي مدينة حلب ذاتها. هذا إلى هنات قليلة لا يكاد يخلو منها كتاب منقول إلى لغتنا من لغة أعجمية. أما الترجمة في مجموعها فيستحق عليها المترجم كل ثناء وشكر

- 2 -

أحسن مؤلفا فن الطهي الحديث على الطراز العربي والغربي وضعه. ألفاه بعد أن عانيا صناعة الطبخ بالعمل في مصر وبلاد الغرب سنين طويلة وعملا في قصور الملوك والأمراء وفنادق النبلاء والملآء، فجاء الكتاب نافعاً في بابه لا تستغني عنه ربة دار، ولا طاهٍ يروقه أن يزين خُوانه بشهيّ الألوان، ويتفنن في تلذيذ الآكلين بطعام صحي منوع. جاء الكتاب في 1170صفحة كبيرة وصفت فيه الأطعمة والحلويات والمتبلات مشفوعة بالمقادير الواجب استعمالها وبصورة وضعها وصنعها بحيث لا يكاد يحتاج من يريد الاقتباس منها إلا إلى قليل من الدقة والعناية حتى يتفنن في طبخ الطعام ويجهز ألواناً رائعة شائقة شكلاً وطعماً. وكنا نتمنى لو دفع المؤلفان كتابهما إلى من يصقل عباراته ويترجم أسماء بعض الألوان الإفرنجية بألفاظ عربية تدني مفهومها من ذهن من لا يحسن لغة من اللغات الأجنبية من أبناء العرب

وقديماً ألف أجدادنا في هذا الموضوع بما دل على رسوخهم في الرفاهية، وقرأنا في الكتب أن الخليفة الفلاني أو الملك الفلاني كان يقدم على مائدته عشرات بل مئات من ألوان الطعام. والتفنن في الطبخ دليل الحضارة، ولطالما كان بعض الأمراء يرسلون إلى الأقطار البعيدة بعض طهاتهم ليأخذوا عنها صنع أطعمة لا يعرفونها، والمطابخ الإفرنجية اليوم أرقى من المطابخ الشرقية؛ لأن طعامها يطهى على أساليب كيماوية صحية لا نزاع في خفتها وطرافتها. وحضارة الغرب أرقى من حضارة الشرق، اللهم إلا في مسائل يتفرد بها الشرقيون

فليس البحث في الأكل الجيد إذاً بالذي يعد انحطاطاً، ونحن لو أنعمنا النظر لا نفسر هذا الجدال القائم بين البشر اليوم وقبل اليوم وبعد اليوم إلا على الرفاهية، وما فلسفة الأمم إلا فلسفة خبز في الواقع. ودعوى خدمة المدنية والإنسانية صورة مبهرجة يراد بها غير ما تعطي ظواهرها. والأمة التي يكثر خبزها وتتلون أطعمة المتوسطين والموسرين فيها هي أمة راقية سعيدة، والعرب الذين عهدنا لهم تلك الخشونة في المطعم لما فتحوا الممالك وخرجوا من جزيرتهم أغرقوا في التنطع والتنوّق إغراق غيرهم من الأمم

محمد كرد على