مجلة الرسالة/العدد 1021/من هنا ومن هناك
→ خاطرة | مجلة الرسالة - العدد 1021 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
مُحَاضَرَاتٌ وَمُنَاظرَاتٌ ← |
بتاريخ: 26 - 01 - 1953 |
مشروع هندسي لتحسين المواصلات النهرية في روسيا
أتمت الحكومة الروسية أكبر مشروع هندسي في تاريخ المواصلات النهرية وهو ربط نهري الفولجا والرون بقنال مائي طوله 62 ميلا يجاوره ثلاثة خزانات رئيسية ذات حجم هائل. وبربط أكبر أنهار الاتحاد السوفييتي بعضها ببعض استطاعت روسيا السوفيتية أن تنشئ في دخيلتها بحراً جديداً تعج فيه السفن وسائر أنواع المواصلات المائية الحديثة. وقد اعترفت الأوساط الهندسية خارج الاتحاد السوفييتي بأن هذا المشروع هو من أدق المشروعات الهندسية وأعظمها في تاريخ المواصلات المائية.
وقد أنفقت السلطات الروسية على هذا المشروع وقتا وجهداً ومالا كثيرا، ولكن الفائدة العملية التي ستتولد عن هذا المشروع تفوق بكثير ما أنفقت عليه من مال وجهد.
وقد نصبت إدارة هذا المشروع ستة محركات كهربائية هائلة في كل محطة من محطات المضخات الثلاث التي أنشئت على مجرى القنال الذي ربط النهرين، وفي كل مضخة عدد من آلات القوة الدافعة تسير بتيار قوته 4400 كيلو واط يربط مياه النهرين عبر القنال الجديد في أنبوبة فولاذية قطرها عشرة أقدام تتدفق مياهها إلى مجرى القنال لتحفظ عمقه المائي على نحو ما تقتضيه حمولة السفن التجارية التي أخذت تستعمل القنال لتنقل البضائع والركاب من المناطق الأهلة بالسكان في حوض نهر الأوبي إلى المناطق البعيدة التي تجاور نهر الرون.
وقد احتفلت السلطات السوفيتية بافتتاح القنال الجديد احتفالا كبيرا رددته ألينه الرأي العام ونشرات الدعاية والأنباء التي تبصها السفارات والبعثات السياسية الروسية في العالم الخارجي.
وفاة جون ديوي
توفي في أول يونيه الماضي (الدكتور جون ديوي) أحد أعلام الفكر الأمريكي المعاصر وعميد الفلسفة والتربية (البرجماتزمية) التي تتميز بها الثقافة الأمريكية عن غيرها من ثقافات الغرب.
وقد بلغ الدكتور ديوي من العمر 92 عاما وأنتج ما يزيد على 300 مؤلف من مختلف الأحجام وفي مختلف الموضوعات المتعلقة بالفلسفة والتربية والتوجيه السياسي وعلم النفس والاجتماع.
ولعل أبرز ما ساهم به الدكتور ديوي في حاضر الثقافة الأمريكية هو نظريته في التربية العملية التي أصبحت الآن من مميزات أسلوب التربية والتعليم في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد جاهد هذا المربي الأمريكي الكبير في الدعوة إلى نظريته التربوية شارحا للناس بأن العلم المجرد لا ينفع صاحبه إلا إذا رافقه إدراك عملي لوسائل تطبيقه على الحياة اليومية. ولذلك دافع ديوي عن النظرة (البرجماتزمية) للحياة وقال بوجوب تسخير الثقافة المجردة لخدمة الفنون التطبيقية التي تنفع الناس في حياتهم العملية. وقد واجهت هذه النظرية انتقادا لاذعا من قطب أمريكي آخر له مكانته الهامة في بيت المربين الأمريكان هو الدكتور روبرت هاتشينز رئيس جامعة شيكاغو. ووصف الدكتور هاتشنز نظرية ديوي بأنها (رجعية تتعارض مع الثقافة السليمة) وقال هاتشنز كذلك بأننا يجب أن نبتذل العلم والثقافة الرفيعة لكي نساعد على جعل المدرسة مصنعا لإخراج التلاميذ. فللثقافة الرفيعة أهميتها في حياة الشعوب حتى ولو كانت مقصورة على فئة مختارة من الناس اختارت التخصص في العلم المجرد. فإذا عجزنا عن جعل كل طالب في كل مدرسة يتذوق العلم المجرد والمتعة الثقافية العالية فلا أقل من أن نوفر هذه الفرص لأولئك النفر من الطلبة الذين يؤهلهم استعدادهم الخاص لتذوقها. فمثل هذا النفر المسؤول عن مستقبل الحضارة والثقافة في كل شعب من الشعوب.
(ت. س. اليوت) وشعره في سن الشباب
نشر الأستاذ (كارلوس بيكر) أستاذ الأدب الحديث في جامعة برنستون الشهرية بحثا طريفا عن أمير الشعر الإنكليزي المعاصر (ت. س. اليوت) بمناسبة انقضاء 30 عاما على ظهور ملحمته الخالدة (الأرض الخراب).
ويقول الأستاذ ببكر أن شعر اليوت في سن الشباب يتميز بالنقد الاجتماعي اللاذع الذي مهد له السبيل لبناء مدرسته العتيدة في الشعر العالمي المعاصر. فللمستر اليوت مدرسة فكرية هامة لا يفتصر نفوذها على حاضر الشعر الإنجلوسكسوني بل يتعداه إلى أوساط أدبية أخرى.
وقد ولد اليوت في أمريكا عام 1888، ثم نزح إلى بريطانيا واختارها وطناً له.
وقد اشتهر هذا الشاعر المجود بإنتاجه الأدبي في قصائد من الشعر الطليق واصفا حياة المجتمع التقليدي المحافظ في بوسطن - وهي أشد المدن الأمريكية شبهاً بالمجتمع البريطاني. وقد وزن الشاعر حياة المحافظين من المترفين بميزان الفكر الحر فجاءت قصائده سجلاً لما يعتري هذا المجتمع المترف من جفاف روحي وقلق عاطفي لم تستطع أن تدافع شره أسباب الطمأنينة الاقتصادية وما وفره لهم مركزهم الاجتماعي من رخاء وبحبوحة في العيش.
ثم التفت الشاعر إلى حياة الطبقة التي لم تستطع أن تضمن بحبوحة العيش والطمأنينة الاقتصادية من العمال والمجتمعات الفقيرة التي تعيش على هامش الحياة في المدن الصناعية الكبرى. ووجد اليوت أن هذه الفئة من الناس تعاني أزمات روحية وألواناً من القلق العاطفي ولكنها أزمات أخف حدة بفضل البساطة التي تسود تفكيرهم في شؤون الحياة ومشاكلها. وبين هاتين الفئتين وجد المستر اليوت فئة ثالثة موزعة الأهواء مشوهة الفكر لا ترضى عن حياة الترف وما يصاحبها من ثقافة وتفكير روحي، وترفض جهالة الطبقة العاملة وما يعتريها من جمود عقلي لا يرضي عنه العقل النبيه.
وقد وصف هذا الشاعر نماذج هذه الفئات الثلاث في الحياة اليومية في ديوان له سماه (بروفروك) أصدره في عام 1917 وفي مجموعة من القصائد نشرها عام 1920.
وقد لفت المستر اليوت النظر في تلك المرحلة من فتوته الشعرية إلى بلاغة وصفه للطبقات العاملة في قصائد وجدت جمال التعبير وقوته في وصف زكائب الأقذار والغرف المظلمة القائمة والأثاث المكسر الوسخ. وانفرد اليوت في صياغة هذه المناظر في شاعرية أثبتت أن الشاعر الحق يجد الجمال في المنظر البهيج وفي المناظر والمشاهد التي هي أبعد ما تكون عن البهجة.
وكان شعر اليوت في فترة شبابه مطبوعاً بطابع السخرية والنقد الاجتماعي اللاذع ثم مر الشاعر في فترة نضوج عقي سيطرت على تفكيره سيطرة تامة فجعلته يبحث في تراث الماضي عن علاج لأزمات الساعة ومشكلات الفئات الثلاثة التي يتكون منها المجتمع، ولم يقتصر اليوت على الشعر في نشر آرائه في هذه الفترة بل عمد إلى النثر. وله عدة كتب تحتوي مقالات نثرية هي من أثمن ما في الأدب الإنجليزي الحديث من نتاج. واعتنق اليوت الكاثوليكية بعد أن كفر بالبروتستانتية التي نشأ عليها لاعتقاده بأن البروتستانتية دين لا يكترث بذخيرة الماضي الروحية ولا يعتني بها عناية الكنيسة الكاثوليكية.
وفي عام 1950 نشر المستر اليوت مسرحية جديدة بعنوان (حفلة كوكتيل) عاوده فيها حنينه إلى النقد والسخرية.
ولا يزال المستر اليوت رعيما لمدرسة الشعر الحديث في العالم الانجلوسكسوني. وهو يقيم في بريطانيا اليوم ويتولى إدارة إحدى كبريات دور النشر البريطانية.
الحياة الأدبية في أمريكا اللاتينية
عالم واسع الأرجاء يطفح بالحياة والثورة الفكرية الجامحة - هذا العالم اللاتيني المؤلف من حوالي 22 دولة ودويلة في أمريكا الجنوبية. ومع ذلك يندر أن نعثر في صحف الأدب والفن على استعراضات للحياة الأدبية والفنية في أمريكا اللاتينية - وكل ما يعلمه الناس عن أبناء الأرجنتين والبرازيل والشيلي وفنزويلا وبيرو وكولومبيا وسواها من الأمم اللاتينية في أمريكا الجنوبية لا يتجاوز الأخبار الصاخبة التي تصاحب الانقلابات العسكرية والسياسية التي أصبحت علما على هذه الدول.
والواقع أن الضجة السياسية في أمريكا اللاتينية تخفى ثورة فكرية جامحة فيها كثير من العناصر التي تصاحب الحياة الفكرية في البلاد الآسيوية.
وقد استعرض أحد الكتاب في الملحق الأدبي لجريدة النيويورك تايمس مؤخراً الحياة الأدبية في هذه الدول اللاتينية فوجد أن من أهم العناصر التي تؤثر في الإنتاج الفني لأرباب القلم في أمريكا اللاتينية عنصرين: الحرية السياسية، والعدالة الاجتماعية وهما كما نرى عنصران لهما شبيه في حاضر الأدب الغربي والآسيوي إجمالا.
وفن القصص في أمريكا الجنوبية فن ضعيف، إلا من قلة ضئيلة يتزعمها القصصي الفينزويلي (رامون دياز سانشيز). وقد أصدر هذا الكاتب قصة هي غاية في الإبداع تعالج حياة العمال الوطنيين في مناطق آبار البترول الفينزويلية التي تحتكرها الشركات الأمريكية. والقصة سجل للتطور النفساني العميق الذي يمر به العامل حين ينتقل من حياة بدائية تقريبا في الجبال والمراعي إلى ضجيج المؤسسات الصناعية العصرية على نحو ما نشهده في شرقي الجزيرة العربية هذه الأيام. ولهذا الكاتب قصة أخرى تعالج الصراع العنصري بين الزنوج والسكان البيض (في العنصر الإسباني) في المزارع الإقطاعية المنتشرة في أمريكا اللاتينية.
ويبدو أن القارئ في أمريكا اللاتينية يشارك القارئ الغربي في إقباله على كتاب القصة القصيرة. فالأقاصيص رائجة هناك كتابة وقراءة.
وقد انفردت جمهورية الشيلي من بين شقيقاتها الدول اللاتينية الأخرى بأنها قد أبرزت أعظم شاعر في المنطقة كلها. وهو السنيور (جايربيل ميستوال) الذي منح مؤخراً جائزة نوبل للآداب.