الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 1018/صوت من نجيب فهل من مجيب

مجلة الرسالة/العدد 1018/صوت من نجيب فهل من مجيب

مجلة الرسالة - العدد 1018
صوت من نجيب فهل من مجيب
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 05 - 01 - 1953


لصاحب الفضيلة الأُستاذ محمد البشير الإبراهيمي

شيخ علماء الجزائر

حضرت قبل أسابيع حفلة تكريم للقائد الشعبي العظيم محمد نجيب، أقامتها جمعية من الجمعيات العاملة للإسلام، وسمعت خطباً عادية في المعنى الذي أُقيمت له الحفلة، وسمعت قطعة من الشعر، أشهد إنه شعر حي صادق في تصوراته وتصويراته، وأنه مس مكامن الإحساس مني حينما مس فلسطين، وكأنما غمز من قلبي جرحاً مندملاً على عظم، ثم سمعت في الأخير كلمة القائد البطل، وكان أقلها عن مصر وحركة الجيش وأسبابها وأهدافها، وأكثرها عن فلسطين وحربها وحالةأهلها المتشردين

وأقول: القائد ولا أقول: الرئيس؛ لأنني كنت أسمع كلام قائد لا كلام رئيس، وكنت أسمع كلامه فافهمه بمعنيين: معنى هو الذي تفيده الألفاظ والتراكيب، وينتقل بالسامع من خبر إلى خبر ومن وصف إلى وصف، ومعنى أخر مساوق له ممتد معه، وهو أن هذا الكلام نفسه قائد. . فيه من القيادة أمرها ونهيها وحزمها وصدقها وواقعها وتوجيهها ومضاؤها وجرأتها وجميع خصائصها، فافهم من ذلك كله إن القيادة هي صفته الذاتية، خلقت معه مستسرة في روحه ودمه، ولونتها فطرته السليمة، وكونتها تربيته الشعبية، كما أن الأقدام هو صفة الأسد الذاتية التي خلقت معه؛ فلما أدت قيادته العسكرية رسالتها وبلغت مداها انقلبت قيادة شعبية سماها العرف رياسة، وما هي - في الحقيقة - إلا امتداد لقيادته العسكرية، والقائد القوي الخصائص، في الأُمة الكثيرة النقائص لا يزال يخرج من حرب إلى حرب ويدخل من قتام في قتام.

سمعت كلمات القائد متئدة رزينة، فلما لمست فلسطين ظهرت شجية حزينة، فنطق بالصدق، ولا أصدق من شهادة عيان، محمد نجيب إذا تكلم عن حرب فلسطين، وصور نكبة فلسطين، كان الرواية الثقة والضابط العدل. وقد حلل تلك السبة الخالدة، وعللها باثنتين: قبول الهدنة وفقد السلاح. ثم برأ الشرف العسكري العربي كله من وصمة التخاذل، ولم يعرج على التخاذل السياسي بين ملوك العرب وساستهم، ولكن عده لقبول الهدنة أحد سببي النكبة، وأبلغ من التصريح، في الاتهام والتجريح، فان الراضين بالهدنة هم رؤساء الحكومات العربية من ملوك وساسة لا قادة الجيوش.

كانت كلمات القائد البطل عن فلسطين تمس نفسي - وهو يلقيها - مسة الكهرباء فتحرق ولا تضيء، لأنني - يشهد الله - كنت وما زلت من أشد الناس اهتماماً بالحادثة، ثم من أشدهم التياعا بالكارثة؛ فإذا فاتني - لشقوتي - أن أشارك في وقائعها بجسمي، فلم يفتني أن أشارك فيها بقلمي فكتبتمقالات نارية المعنى قاسية الألفاظ تكاد ترسل شواظاً من نار ونحاسا على المتسببين في تلك الهزيمة المنكرة، بغير أسبابها المعقولة عند الناس، ولكن بسبب لا يستسيغه عقل عاقل وهو قبول الهدنة. . . لذلك كانت كلمات القائد تفيض من نفسه الجريحة وكأنما تفور من نفسي. حتى إذا سكت عن ساسة العرب أحسست بانفعال كنت أتمنى أن أسكنه بشهادة حق من القائد الصادق عليهم تؤيد عقيدتي فيهم؛ فإن شهادة الحق تؤيد الحق حتى لكأنه حقان.

وتكلم القائد البطل عن أولئك البائسين الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: وطننا فلسطين، والذين نسميهم مشردين ونحن شردناهم بما كسبت أيدينا، ووصف وصف المعايشين ما يلقون من شقاء وما يتجرعونه من غصص؛ وبدأ صوته يرتفع ويتهدج وعيناه تغرورقان بالدموع فتشهد بأنه يغالب أسى كميناً وهما دفينا. وكانت الجمل العبقرية التي تساوي الدم الذي سال من جسمه على ثرى فلسطين هي قوله: (كيف نلتذ بالطعام، وننعم باللباس والدفء، وإن إخواننا ليتضورون من الجوع، ويفترشون الغبراء؟ لماذا لا نصوم يوماً من الأسبوع عن اللحم. أو أسبوعاً من الشهر عن هنة من هذه الكماليات. ثم نرصد ثمنها لإطعام إخواننا الفلسطينيين وكسوتهم؟ إن الإمساك عن اللحم يوماً من الأسبوع أو عن الكماليات أسبوعاً من الشهر لا تميتنا وكنها تحيي إخواننا). ثم رمى السامعين بالآبدة التي ظننت أن الجباه تندي لها عرقاً، إن لم تنخلع القلوب منها فرقاً، وهي قوله (إن من العار أن نطلب لهم الحياة ممن أماتهم، ونسألهم القوت من الدول العاتية التي حكمت عليهم بالموت جوعاً، وحكمت علينا بالانحناء ذلاً ومهانة).

حقائق جلاها القائد على مئات من السامعين، وما منهم إلا من له نباهة وذكر ومقام. جلاهافي جمل حاكية، تحتها معان باكية؛ وشرحها الوافي ينتزع مما يتصوره المتصورون. ويصوره المصورون من حال أولئك البائسين. وينتزع من تخاذل العرب ملوكاً وحكومات وسادة وكبراء وشعوباً حتى ضاعت فلسطين وجاع أهلها، وتنتزع من حالة المسلمين المغفلين الذين ما زالوا - وهم ذوو عدد -

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا

وما زالوا يطلبون الصدقة ممن سلبهم، وما زالوا يفزعون كلما لطمهم اليهود إلى الاحتجاج. وما زالوا يطرقون أبواب هذا الهيكل الخرب الذي يسمى جمعية الأمم المتحدة.

أنا لا أتحدث عن قلوب السامعين ومواقع الكلام القائد منها. ولا أملك لها أن تكون خلية أو شجية؛ وإنما أتحدث عن قلبي. فوالذي خلق القلوب مضغاً سوداء وبث فيها شعلاً من النور، لكأنما كانت تلك الكلمات على قلبي نبالاً تنثال على هدف، ونصالاً تتوالى على جريح. يا للعجب العاجب! فيؤمن المسلم بأن المسجد الأقصى هو قبلته الأولى وأنه ثالث المساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد التساجد ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? كأنما ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ماذا ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? نهلك. وحكم سننه فينا فحكمت بأن نملك ولا نملك. فعودوا يعد، وغيروا يغير، وحققوا الشرط يحقق الجزاء.

محمد البشير الإبراهيمي