الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 1016/الأدب الأردى والثقافة الباكستانية

مجلة الرسالة/العدد 1016/الأدب الأردى والثقافة الباكستانية

مجلة الرسالة - العدد 1016
الأدب الأردى والثقافة الباكستانية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 22 - 12 - 1952


للأستاذ مسعود الندوي

اطلعت على كلمة للدكتور عمر حليق عن الاتجاهات الحديثة في الثقافة الأردية، الصادرة في العدد 1004 من الرسالة الزاهرة، فاستوقفتني منها أمور أحببت أن ألفت إليها نظر الكاتب وأصحح بذلك ما وقع في كلمته من الأخطاء. والذي يظهر من المقال أن حضرة الدكتور لا يعرف اللغة الأردية، ولم يطلع على روائع الأدب الأردي مباشرة؛ وله بعض العذر في ذلك. أما الذين تكرموا بتزويده بالمعلومات الخاطئة، فليس لهم عذر؛ اللهم إلا أن يكونوا من طلاب الأدب، وإنما اضطروا إلى القيام بهذا الواجب بصفتهم الرسمية. ومهما يكن الأمر، فإن الواجب يحدوني أن أشفع تلك المقالة بكلمة موجزة من عندي، عسى أن يتقبلها الدكتور الفاضل بقبول حسن.

إن أول ما استوقفني من كلمة الدكتور، هو الفرق بين الأدب الأردي قبل الاستقلال وبعده، والدعوى بابتعاده عن تقليد الغرب، والعدول عن إتباع تيارات الثقافة الغربية بعد الحصول على باكستان. ولكن من دواعي الأسف أن الأمر ليس كذلك؛ بل الحق أن الأدب الأردي الحديث أخذ في الانحطاط بعد الاستقلال، وشرع الكتاب الجدد في تقليد الأدب الغربي وإتباع معالمه من غير أن يبتكروا شيئا. وأكبر شاهد على ذلك ذيوع المجلات الخليعة الداعرة في السنين الخمس الفارطة وكثرة انتشارها وقلة المجلات الراقية المحتشمة. والمجلات الأدبية أيضاً يستولي على معظمها الشيوعيون الذين يسمون أنفسهم (تقدميين) والذين جل همهم أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. وقد رفع أمر بعض أئمة الكفر والضلال منهم - أمثال سعادت حسين منسوط والكاتبة عصمت بغتالئ - في المحكمة وعوقبوا بغرامات زهيدة ما زادتهم إلا شرا وتماديا في الغي. وهناك قسم ثالث - وهم لا يكادون يتجاوزون عدد الأنامل - يريدون أن يخدموا الأدب للأدب وحده، ولا ينحازون إلى دعاة الفحشاء والخلاعة. وعلى رأسهم الأستاذ بشير أحمد صاحب مجلة (همايون) الشهرية، الذي كان وزيرا مفوضا لباكستان في تركية منذ عهد قريب.

ولا يحسبن القارئ أن دعاة الإسلام والمستمسكين بالفضيلة والأخلاق ساكتون أمام هذه الدعوات الخليعة التي تروجها المجلات الداعرة وتساعد عليها محطات الإذاعة بأغانيه المستهترة المبتذلة؛ لا يحسبن أحد كذلك، فإن المستمسكين بالفضيلة المعتزين بالآداب الإسلامية واقفون لهم بالمرصاد، مقاومون لهم بالحجة، مقارعون النبع بالنبع. فقد ظهرت في السنين الخمس الماضية طبقة من الأدباء الإسلاميين والشعراء الداعين إلى رصانة الأخلاق والمحافظة على الآداب الإسلامية والشرقية، ينشرون أفكارهم ونتاج قرائحهم في مجلات وصحف لهم خاصة، ولها انتشار في البلاد لا بأس به، ربما يفوق مجلات الشيوعيين من انتشار ورواج. والذين على رأس هذه الحركة هم الشاعر المبدع ماهر القادري، الذي يعد أكبر شاعر في باكستان بلا نزاع؛ والأديب نعيم الصديقي الذي ملك مشاعر الشباب بمحاضراته ومقالاته وقصائده الرنانة السائرة وغيرهما. والشاعر ماهر، على ذلك، يعد حجة في اللغة الأردية، وهو يحرر مجلة (فاران) الشهرية التي تصدر في العاصمة. أما الأديب نعيم الصديقي فهو أيضاً يشرف على تحرير مجلة شهرية راقية (جراغ راه - سراج الطريق)، تصدر في العاصمة نفسها. - هذا وجملة القول أن النزاع شديد عندنا اليوم بين الأدب الشيوعي والأدب الإسلامي، ولكل منهما مجلات وصحف وندوات وحفلات وأشياع.

هذه واحدة. والثانية أن الدكتور ذكر اللغة البنجابية المحلية وما لها من تأثير في (تطعيم) الأدب الأردي. والحال أن (البنجابية) لهجة محلية، لم يكن لها من صبغة أدبية تذكر. وأهل (بنجاب) هم الذين يحملون اليوم لواء الأدب الأردي ويدافعون عن حوزته؛ حينما تنكرت للغة الأردية الأرض - الهند - التي نبتت فيها وازدهرت واتت من كل زوج بهيج، ولا يكاد يقبل عليها ويتلقاها بالقبول سكان (بنغال) الذين يعتزون بلغتهم البنغالية المحلية المنحصرة في حدود مقاطعة بنغال؛ بل يريدون أن تكون لغة رسمية كالأردية. وغير خاف على اللبيب الفطن ما في هذا الاقتراح من بذر الشقاق والتفرق.

نعم، في سكان مقاطعة الحدود الشمالية الغربية عصبية شديدة للغتهم المحلية (بشتو)؛ ولكنها لغة محلية في طورها البدائي. ولولا تعصب أفغانستان لها واتخاذها منها لغة قومية بدل الفارسية لما كان لها شأن يذكر. ونحن واثقون من أن أولى الرأي والفكر من إخواننا سكان الحدود لا يزالون باذلين الجهد المستطاع في تعميم اللغة الأردية ونشرها في مدنهم وقراهم، حتى تعم اللغة الأردية سائر مدنهم وقراهم ويرفرف عليها لواؤها.

وقد ذكر الدكتور حليق الكاتب (السيد محمد إكرام) بجانب (أساتذة النقد وجهابذة الحل والعقد) كالأستاذ المحقق السيد سليمان الندوي والدكتور عبد الحق - الذي يلقب بـ (بابا أردو) - والحال أن محمد إكرام لم يكن من شأنه أن يبدأ ويعاد في ذكره في مثل هذا المقام. وجل مزيته التي يتمتع بها أنه يتبوأ منصبا عاليا في الحكومة المركزية، وله مصنفات يمكن أن تعد في الطبقة الثانية من المصنفات الأردية. أقول يمكن أن تعد، فإني قد قرأتها وأعرف قيمتها عن خبرة وعلم. ومعظم النقاد لا يقيمون لمؤلفاته وزنا. أما إنشاؤه بالأردية فمما لا شك فيه أنه ركيك بارد، لا يجعله حتى في عداد الطبقة الثالثة من كتاب الأردية. ثم خلط الكاتب (الاتجاهات في الأدب البنغالي) بالاتجاهات في الأدب الأردي. فالأدب البنغالي، متشبع في جملته بالروح الوثني، كما كان للهنادك الوثنيين من سلطة أدبية ونفوذ ثقافي منذ قرن كامل. نعم! قد كان للشاعر الثائر القاضي نذر الإسلام - الذي سماه الدكتور نصر الإسلام - يد عظيمة في تحرير الأدب البنغالي من أثار الصبغة الوثنية وتطعيمه بالأدب الفارسي والأردي، وكذلك للأستاذ الكبير محمد أكرم خان، يد باللغة وجهود مشكورة في إطلاق سراح الأدب البنغالي من رق الأدب الوثني الهندكي. وله تلاميذ وأتباع ينتهجون نهجه ويسلكون طريقه في الأدب البنغالي.

أما الشاعر عبد الحسين الذي ورد ذكره في مقال الدكتور الفاضل، فلم نسمع به أصلا، اللهم إلا أن يكون من شعراء اللغة البنغالية الذين لم تلمع أسماؤهم في هذه الناحية من القطر.

هذه كلمة موجزة أردت أن أشفع بها مقالة الدكتور عمر حليق قياما بالواجب وتعاونا على تبيين الحق والصواب. وللدكتور الفاضل تقديري وتحياتي.

مسعود الندوي