مجلة الرسالة/العدد 1015/الإسلام دين الفطرة والحرية
→ فرنسا أم الحرية! | مجلة الرسالة - العدد 1015 الإسلام دين الفطرة والحرية [[مؤلف:|]] |
من سير الخالدين ← |
بتاريخ: 15 - 12 - 1952 |
للأستاذ محمود عبد العزيز محرم
رحم الله الأستاذ عبد العزيز جاويش فقد أمضى عمره مكافحا دون وطنه ودون دينه. وخرج من الدنيا كما خرج المجاهدون أمثاله من غير نسب ولا جاه ولا مال. وحسبه من مجد الدنيا وزخرفها أن يذكره الناس من بعده بكل خير وجمال ومعروف، وأن يبعثوا إليه في مثواه الأخير بتحيات عاطرة خارجة عن حدود المادة وحدود الضرورة، إنما هي تحية روح إلى روح، جزاء ما قدم للدين والوطن من نفسه وماله ونشاطه.
لم تكن حياة هذا البطل المجاهد سهلة ولا ميسرة، وهو لم يرد أن يقنع في حياته هذه بما ييسر لكثير من الناس، فيرضى به، ويقبل عليه، ولا يرى بأسا في الركون إليه ولو إلى حين، فيكفي نفسه مشقة الجهد والبذل والدءوب. بل أرادها حياة واسعة في مجال واسع، حتى يستشعر لذتها وبهجتها، كلما ضرب هنا وهناك في فجاج الأرض وأقطار المعمورة، وكلما جرد قلمه منافحا عن وطنه الذي ذل تحت أقدام المستعمرين. وكلما سود الصحائف في تبيان أهداف دينه وأغراض الدعوة الإسلامية المباركة.
وما كان الإنجليز ليرضوا عن هذا الوطني الحر والمتدين عميق الإيمان، فطاردوه من مكان إلى مكان. وكانوا وراء كل محاولة لإيذائه أو إعناته أو إخراجه من وطنه مصر. ولذلك لم يكد يستقر به المقام في هذه البلاد. فكان دائما يضطر إلى الاضطراب في بقاع أخرى من العالم، يجاهد فيها في سبيل وطنه ودينه ما أتيحت له الأسباب والوسائل، فإذا ما سنحت فرصة لرجوعه إلى الديار مرة أخرى، رجع غير محس ضجرا ولا خوفا ولا ضعفا، واستأنف جهاده الذي لا ينقطع إن في مصر وإن في غيرها، وعاد إلى التحرير والكتابة في الصحف التي كانت ترحب بما يكتب وتفسح له في صفحاتها مكانا محمودا.
وقد رأس عبد العزيز جاويش تحرير (اللواء) بعد مصطفى كامل، وأخرج مجلة (الهداية) لإفهام المسلمين أسرار القرآن وهو في مصر، ولما أبعد إلى تركيا أعاد إصدار هذه المجلة، وأصدر مجلة (الهلال العثماني) ومجلة (الحق يعلو).
وقد حوكم أكثر من مرة بسبب مقالاته الوطنية اللاذعة في اللواء، كمقاله (دنشواي أخرى في السودان)، وكمقاله (ذكرى دنشواي)، وكمقدمته لكتاب (وطنيتي) الذي وضعه ع الغاياتي.
واشتغل بعض الوقت بالتعليم. وتولى منصب المفتش الأول للغة العربية. وكان أستاذا للعربية بجامعة أكسفورد. وعين مراقبا عاما للتعليم الأولى وأدخل عليه إصلاحات كثيرة، ووضع أساس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وأعاد إصلاح كلية صلاح الدين بالقدس الشريف وعهد إليه بإدارتها.
وأسهم في جميع التبرعات وإرسال الأسلحة وتهريب القواد الأتراك إلى طرابلس لمقاومة الغزو الإيطالي. وحين أعدت قوة من الجيش التركي في سنة 1915 لتخليص مصر من الاحتلال الإنجليزي اشترك فيها.
وإذا ضاقت به مصر خرج إلى تركية أو ألمانية أو سويسرا وأصدر مجلة (العالم الإسلامي) الوطنية في تركية. وأصدر مجلة في سويسرا ومجلة في ألمانيا.
من هذا ترى أن الرجل كان شعلة من النشاط الدافق. وكان نشاطه منوعا فحينا يكتب في الصحف. وحينا يصدر المجلات بلغات مختلفة. وحينا يجمع التبرعات ويسهم في تحرير الوطن الإسلامي من الغزو الأجنبي. وحينا يصلح برامج التعليم ويشرف على بعض فروعه ونواحيه. وحينا يكتب محررا وطنه صابا لعناته على المستعمرين وأعوانهم. وحينا يكتب مدافعا عن الإسلام شارحا دعوته مبددا للشبهات التي يثيرها أعداؤه. وهو حينا في مصر. وحينا آخر في تركية أو ألمانية أو سويسرا أو إنجلترا وكان يوجه كل هذا النشاط إلى الخير، لا يألوا في ذلك جهدا، ولا يرى بابا إلا طرقه، غير طامع في منصب أو مال أو جاه.
وفي الحق أن الأستاذ عبد العزيز جاويش كان من الأبطال المجاهدين، الذين أخلصوا لله وللوطن من غير أن يعلنوا عن أنفسهم وجهادهم، ومن غير أن يطلبوا على ما فعلوا أجرا ولا جزاء، حتى تخطاهم إلى الظفر والفوز كل مهرج دعي أفاق.
وكتاب (الإسلام دين الفطرة والحرية) الذي ألفه الأستاذ عبد العزيز جاويش يتفق وطبيعة مؤلفه المكافحة. فالمؤلف لم يرض بالذل ولا بالاستعمار ولا بالخنوع، ولم يرض بالقيود التي تعوق الإنسان عن أداء رسالته التي تؤهله لها فطرته، فهب مناديا بالتحرر من الاستعمار والجهل والطواغيت. والكتاب كذلك لم يرض بالظلم الواقع على الإسلام، ولا بالدعاوى الفارغة التي يتهم بها زورا، ولا بالتقليد الذي حد من قدرة المسلمين وجعلهم آلات من غير وعي ولا إدراك، فكان هو الآخر صوتا ناطقا بما للإسلام من حق مجحود، وبما له من ميزات سامية تحمل الناس في رفق على العدل والإنصاف والحرية والكرامة.
ولكي نفهم قيمة هذا الكتاب، وهو كتاب قيم لا مراء، يجب أن نعرف أن الفترة التي كتب فيها هي الفترة التي كان الاستعمار يطرق بمطرقته الآثمة كل معاقل الحرية والأمان والنور في مصر. كان يحاول أن يشككنا في قدرتنا، وفي اقتصادياتنا، وفي علمنا، وفي ديننا، وفي معنوياتنا التي نستند إليها في الظروف العصيبة والمحن الملمة. وكان هذا، ليخلو له وجه البلد، فيصنع ما يشاء، ويوجهه إلى حيث يريد. وكان يتابعه في ذلك كثير من أبناء الوطن من المسلمين وغيرهم. وكان هو يعتمد على هؤلاء المشايعين له في تحقيق أغراضه وإذلال البلاد وإهانتها، ممثلا ذلك في زعمائها الأحرار، ودينها، وأخلاقها، ومواردها كلها. وفي ذلك الحين شن المستعمرون والمبشرون والمقلدون من المسلمين على الإسلام حربا واسعة. واتهموه بكثير من الاتهامات الباطلة، فألقوا في قلوب المسلمين وعقولهم أن الإسلام لم يعد يصلح أساسا لحياة أمة حرية بالتقدير والاحترام. ولم يكن المسلمون الأكفاء ليرضيهم هذا التجديف فوقفوا له واعترضوا طريقه. وقفوا في وجه الاستعمار، وفي وجه المبشرين، وفي وجه المقلدين من أبناء الإسلام، وفي وجه الجهل بشؤون الدين وشؤون الحياة العامة.
قيل إن الإسلام انتشر بالسيف ولم ينتشر بالحجة والاقتناع، وقيل إن الإسلام أباح للمسلم أن يعمد إلى الطلاق ليتخلص من زوجته دون قيد ولا شرط. وقيل إن الإسلام رضى عن الرق وأباحه. وقيل إن نبي الإسلام لم يكن إنسانا سويا حين تزوج كثيرا من النساء، وحين تزوج امرأة زيد بعد طلاقها. وهذه كلها موضوعات دار حولها البحث، وعرضها كتاب (الإسلام دين الفطرة والحرية) عرضا مفيدا، وأبان عن وجهة الإسلام في هذا كله، وأظهر الناس على حقائق الأمور فيما يتعلق بعدا الإسلام وأنصافه وحكمته ومراعاته صالح الأفراد والجماعات في كل قوانينه وأصوله، فلم يكن دينا إباحيا ولا ظالما ولا قاهر بالسيف ولا غابنا الإنسان حقه وحريته.
وإذا كان للصليبين والاستعماريين عذر فيما يدعون، فإنه لا عذر للمسلمين الذين طمس الجهل والغرور على عيونهم وبصائرهم، والذين يجرون وراء الأوربيين متابعين لهم فيما يرون من رأي ويصطنعون من مذهب. وقد جدف علماء المسلمين كثيرا في تفسير القرآن، وفي تأويل الحديث، وفي الفهم عن موارد الإسلام النقية، حتى كانوا_من حيث يعلمون أو لا يعلمون_عونا لأعداء الدين، بل كانوا أشد إيذاء له وتكديرا لصفوه، فاتخذت أقوالهم وأعمالهم حجة على الإسلام لا حجة له (إن النقائص التي مثلت بالإسلام في أعين غير أهله، إنما نشأت من اعتبار أعمال الخلف الصالح، ميزانا لتقدير قوانين الشرع ونواميسه، فمن قائل بسد باب الاجتهاد، ومن إمام أو خليفة قضت عليه أغراضه البهيمية أن ينتهك حرمات الله، ثم يحارب الله فينسب إليه ما ليس من دينه في شيء، ومن عالم اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، فأفتى بما يطابق أهواء ملك أو أمير تذرعا إلى الزلفى منه، ومن أحمن أرعن لم يرض من اليسر ما رضى الله لعباده فشط بالناس وأعتسف بهم، حتى ضاقت نفوسهم، وأيقنوا بالعجز عن احتمال تكاليف الدين فانقطعوا عنه ظانين بالدين الظنون)
والدعوة الإسلامية دعوة تهذيبية اجتماعية إصلاحية. ولكن كثيرا من المسلمون لم يرموا إلى هذه الغاية في تفسيرهم القرآن الكريم، ففسروه على وجوه مختلفة، لا على هذا الوجه الذي يؤدي إلى غابته الرفيعة. منهم من فسره تفسيرا علميا فلسفيا مستوحيا الحقائق العلمية والنظرات الفلسفية. ومنهم من حشاه بالإسرائيليات التي لا تغني كثيرا ولا قليلا. ومنهم من عنى بالنكات البلاغية والفوائد النحوية. ومنهم من جعل للقرآن ظاهرا وباطنا، فالظاهر للعوام، والباطن للخواص، مع أنه قرآن عربي صريح واضح، ومنهم من أول بعض الآيات تأويلا سيئا يصرفها عن غرضها الذي سيقت له إلى أغراض أخرى ليست من الإسلام في شيء.
هذه الجهود المختلفة في تفسير القرآن، لم تكن على بصيرة من هدف الدعوة الإسلامية، ولم تكن تستقي من منابع الإسلام الصافية، ولذلك ضلت الطريق السوي في خدمة الإسلام والمسلمين ولو أنفق المسلمون جهودهم في الاستنارة البصيرة، والاجتهاد القويم، وشرح أهداف الإسلام كما يرسمها القرآن والحديث، لما كانت هذه الدعاوى المزورة التي يقصد بها الإزراء على الإسلام وعلى نبيه وعلى مبادئه وغاياته.
إن الإسلام يجل الحرية. ذلك لأن أنسامها تنفس عن الصدور والعقول والأفئدة، وترقى بالإنسانية مصعدة في مدراج الكمال، وتضفي على أعمال الإنسان وأقواله وأفكاره وشاح الشخصية الأصيلة. وقد بسط الأستاذ عبد العزيز جاويش موقف الإسلام من الحرية بسطا رائعا لا يخلو من تعمق وفهم لأسرار الشريعة الغراء. وهو يستدعيك إلى التسليم بما يقول حتى فيما يرى من رأي مخالف لرأي جمهور العلماء. وهذا الخلاف نفسه يجعلك تؤمن بأن الرجل نقي السريرة لا يرى إلا إلى عزة الإسلام والمسلمين.
لم يقصر الإسلام في ذات الحرية، بل دعا إليها، وجعلها أساسا لبناء المجتمعات وصيانة الأفراد، وأنحى على المقلدين باللوم العنيف، وراح يجأر بالدعوة إلى التفكر والتدبر، دون مشايعة لرأي موروث أو فكرة بذاتها، وقرر أن الذين لا يستخدمون أبصارهم ومسامعهم وقلوبهم فيما خلقت له هم كالأنعام بل أضل (ألهم قلوب لا يفقهون بها، أم لهم أعين لا يبصرون بها، أم لهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون) (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) وأكثر من هذا أن الإسلام لم ير الإكراه في التعقيد، بل ترك الحرية لكل إنسان يختار من العقائد والمبادئ ما يشاء (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
وإذا كان لا إكراه في الدين، ولا إكراه على أتباع عقيدة معينة، فلم أباح المسلمون قتل المرتد؟ ولم شنوا هذه الحروب في صدر الإيلام على الذين شقوا عصا الطاعة وكفروا بالدين أو ببعض مبادئه؟ وهنا تجد الأستاذ عبد العزيز جاويش يجيب في صراحة تامة أن المرتد نوعان: نوع ارتد عن الإسلام أو بعض مبادئه من غير أن يعلن حربا أو يساند عدوا أو يدل على عورة في الجبهة الإسلامية، وهذا لا يجوز قتله، لأن آيات القرآن الكريم لم تشرع حكما يجوز أن نؤاخذه على أساسه، بل إن الإسلام يرى عدم الإكراه في العقيدة ولا على أتباع فكرة بعينها ولو كان هو هذه العقيدة أو تلك الفكرة. ونوع ارتد عن الدين، وصار حربا عليه، وأعان الكفار على المسلمين، ودل على مواطن الضعف فيهم وهذا يقتل ويحارب، لأن الشرائع المنزلة والوضعية قبل الإسلام وبعده أباحت قتل المحارب واتخذته عدوا. أما الذي حدث على عهد الخليفة أبي بكر، من قتل المرتدين ولو لم يحاربوا، فمرجع ذلك إلى أن الإسلام كان في أول عهده ضعيفا يخشى الانتقاض عليه والإيقاع به، ولذلك قتل كل خارج عليه بعد أن اعتنقه، حتى يأمن على نفسه في أول أمره.
وقد حمل الإسلام الزنادقة على حكم المرتدين. فالزنادقة قتلوا في أول الأمر زمن علي بن أبي طالب، لأن الإسلام كان يخشى الدسائس، وكان يعمل على أن يؤمن حياته وحياة أتباعه في هذه الفترة الأولى من حياته. أما بعد أن آمن، وقوى، واشتد، ولم يعد يخشى المكائد ولا الانتقاض، فلا يجوز أن يقتل الزنديق، كما لا يجوز أن يقتل المرتد، وإن كانا ينصحان ويستتبان أبدا، عملا بمبدأ الحرية الذي أقره الإسلام وحماه ودعاه إليه.
والإسلام لا يخشى العلوم المختلفة ولا المعارف الكونية. وهو الذي وسع فلسفة اليونان وحكمة الهنود ومعارف الفرس. ودفع المسلم إلى استقبال العلم من مشارق الأرض ومغاربها، عن المسلمين وعن غيرهم، لأن العلم الصحيح لا وطن له، ولأن العلم الصحيح من الحقائق الكونية التي لا تبدل، ولأن الحرية أصل كريم في الحياة الإسلامية (لذلك كان شأن القرآن إزاء العلوم، وقد كان من موسوعاتها العلوم العقليات من الرياضية والطبيعيات وما وراء الطبيعة، فهو الذي قام بالدعوة إليها، والترغيب في البحث عن دقائقها وأسرارها، وهو الذي ببركته وجد بين المؤمنين آلاف من أمثال: الكندي، ومحمد بن موسى الخوارزمي، ويحيى ابن أبي منصور، والعباس بن سعيد الجوهري وأحمد بن كثير الفرغاني، وجعفر بن محمد البلخي، ونصير الدين الطوسي، وثابت ابن قرة، وعمر الخيام، وابن سينا، وابن رشد، وأبي الحسن أبن الهيثم، وأشباه هؤلاء من فطاحل العلوم الرياضية والطبيعية والأثقال والموسيقى وغيرها).
لم يكن الإسلام إلا دينا حرا، يرعى العقل ويحترمه، ولا يميل إلى إلزام أحد شيئا. فهو واسع العلوم المختلفة والفلسفات المتباينة، وهو لا يقتل المرتد المسالم ولا الزنديق الذي يهادنه. وهو ندد بالمقلدين ودعا إلى التفكر والتدبر وإلى العلم الصحيح والنظر السليم. وأنت تعلم أن الكفار في أول العهد بالدعوة المحمدية قد طلبوا من النبي - على سبيل التحدي والتعجيز والمشاقة - معجزات كونية، كأن يأتي بالله والملائكة قبيلاً، وكأن يرقي في السماء ولن يؤمنوا لرقيه حتى ينزل عليه كتاب يشهد بصدقه ورسالته، وكأن يكون له بيت من زخرف وجنات من نخيل وعنب قد فجرت الأنهار خلالها تفجيرا. وأنت تعلم أن النبي لم يجبهم إلى هذا، لأنهم يعجزونه، ولأنهم لن يؤمنوا مهما أتوا من المعجزات، ولأن الإسلام لا يريد أن يكبتهم ويحملهم على اعتناقه والإيمان به، إذ هو دين الحرية والاختيار الخالص. ولكن كيف يكون ظهور المعجزة إلزاما وحملا للمشركين على الإسلام؟
الحقيقة التي جرت عليها السنة الإلهية في الأمم السابقة، أن الأمة من الأمم إذا طلبت معجزة وحققت لها هذه المعجزة، ولم تؤمن بها وتنزل على مقتضاها، عجل الله لها الخسف والعذاب والإبادة. ومعنى هذا أن الأمة كانت بمنطوق المعجزة ومفهومها تحمل الناس على الإيمان برسالة الرسول الذي ظهرت على يديه، وإلا فالعقاب والإهلاك. أما الإسلام، فلأنه دين الحرية الذي لا إلزام فيه ولا حمل، ولأن المعجزة الكونية التي كان يتبعها الإيمان أو العذاب - فلم يستجب إلى ما طلبه المشركون من هذه المعجزات الكونية، حتى لا يكون ثمة حمل على الإيمان به ولا إلزام للمشركين أن يتبعوه.
هل لنا أن نعرف وجوه الجمال في هذا الدين التي كثر ما أغصينا عنها! وهل لنا أن نعرف المجاهدين الأبرار الذين أنفقوا أعمارهم وحيويتهم في سبيل الدين والوطن! وهل آن أن ترجع الحقوق المهضومة إلى أصحابها فيتسنموا الذروة اللائقة بهم! إن الدين قد أساء إليه أبناؤه المرتزقون، وإن الوطن قد غلي على أمره بفعل المهرجين أدعياء الوطنية، وها نحن أولاء الآن في عهد بوادر الكرامة والعدل والحرية، وما أظن هذا العهد يحرم المخلصين جزاءهم، ويجحدهم فضلهم، بل يرفعهم إلى مكانهم في الخالدين - الأحياء منهم والأموات سواء.
محمود عبد العزيز محرم