مجلة الرسالة/العدد 1014/رسالة الشعر
→ نكسة في دار العلوم! | مجلة الرسالة - العدد 1014 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
الأدب والفن في أسبوع ← |
بتاريخ: 08 - 12 - 1952 |
الرؤيا الصادقة
بمناسبة الذكرى النبوية
للأستاذ محمد بهجة الأثري
من لحر بات يشكو الوصبا ... زافرا أنفاسه كاللهب؟
هاجت (الذكرى) شجاه فصبا ... وانثنى يندب حظ العرب
رب ليل بت موصول الأنين ... يتنزى شجنى مضطرما
باكيا مجد الشموس الأولين ... وزمانا بالمعالي معلما
أمة عزت بدنيا وبدين ... كيف ذات واستحالت أمما؟!
سامها ما سام أقوام (سبا) ... في الليالي زمن ذو ريب
مثلما تعصف ريح بدبي ... عصف الظلم بها في الحقب
صحت لما ذقت ذرعا بالشجا ... أرقب الليل برقراق الدموع:
أيها الليل! أما فيك رجا؟ ... أو ما للصبح من بعد طلوع؟
ثم أغفيت على هم رجا ... بفؤادي وأنا معي جزوع
فعراني مثل أحلام الصبا ... طائف في النوم قد طوف بي
هز أشواقي إليه طربا ... ليته في الصحو يحيي طربي
وتنورت مع الفجر سنا ... طبق الشرق وجاز المغربا
أطلعته البيد منها موهنا ... مشرقا بين (حراء) و (قبا)
ساطعا يغمر آفاق الدنا ... باهر الحسن يروع الغيهبا
فاض يهدي في طريق موكبا ... يتلألأ في الفلا كالشهب
سالت البيد به مصطخبا ... جائشاً فوق وهاد وربى
تارة يعلو أهاضيب الصخور ... لا يبالي ما يلاقي من صعاب
ويخوض الرمل حيناً كالبحور ... مثلما تمخر فلك في عباب
كلما جد وأضنته الوعور ... يمتلي عزماً شديداً واصخاب وإذا رامت رجال مطلبا ... ذللت كل عصى منصب
وإذا استحلى هواها مأربا ... وجدت لذتها في النصب
لجب راع فؤاد الملكوت ... وثنى الشمس إليه والقمر
لم تشاهد مثله في العظموت ... هذه الدنيا، ولم تسمع خبر
كربت من ذعرها منه تموت ... قبل أن يأخذه منها النظر
راعها حتى إذا ما اقتربا ... فرعى أحوالها في حدب
وجدت أنبل قوم رغبا ... ينشد الخير كريم الرغب
سار يطوي الأرض خفاق اللواء ... كلما مر بقوم عظما
وهو في كل صباح ومساء ... يفتح المدن ويهدي الأمما
كاد لما ضاقت الأرض الفضاء ... يبتغي بالفتح آفاق السما
وإذا حل بواد أخصبا ... منبتاً أزكى نبات طيب
أمرعت منه البرايا أدبا ... وحياة حرة المضطرب
وتبينت فتى صلت الجبين ... لامع الغرة يجلي من بعيد
حف بالبيض بأيدي الدارعين ... فوق جرد تحتها الأرض تميد
قلت: من ذا؟ قيل لي: ليث العرين ... قلت: من تعنون؟ قالوا: ابن الوليد
قلت: والأبطال راعت بالطبا؟ ... قيل لي: صحب النبي العربي
قلت: ما يبغون؟ قالوا: أربا ... جل عن قصد الهوى والغلب
صاح كالضيغم: يا خيل اهذبي ... ورمى الشرق بلحظ أشوس
قال: هيا، أبلغيني أربى ... أربى تطهير (بيت المقدس)
فاستطارت في الفضاء الأرحب ... تنهب الأرض لعز أقعس
واستطارت في فؤادي لهبا ... لهفة للمشهد المستغرب
ثم شيعت بطرفي الموكبا ... وبنفسي منه كل العجب
قلت للنفس، وفي النفس جراح ... كلما ذكرتها نضت دما
وخيول الله تعدو في البطاح ... ، بين عيني، تعض اللجما
فوقها كالقدر العاتي المتاح ... كل جبار علا مستلئما: انظري يا نفس هذا العجبا ... أترين القوم أصحاب النبي؟
كيف لا بست زماناً غربا؟ ... كيف عادت سالفات الحقب؟
وعلا التأذين في الفجر الرهيب ... موقظاً تهداره كل نؤوم
فتيقظت وفي قلبي وجيب ... كحبيس الطير في كف ظلوم
مطبقا عيني على الحلم العجيب ... بالتذاذ أتمنى لو يدوم
خلتني يقظان حتى أكذبا ... حاضر أبصرته عن كثب
صحت لما بان لي منقلبا: ... إن هذا أسوأ المنقلب!
حاضر أقبح به من حاضر ... وثبت فيه على الأيد القرود
قد تجلى عن خؤون غادر ... دغل النبات جياش الحقود
أخضع العرب لحكم جائر ... قد قضى أن يستنيموا لليهود
لعب اليوم بهم ما لعبا ... ولكم جد يرى في اللعب
شقهم لا دولا بل عصبا ... ثم أشقاهم بحرب العصب!
فيم هاجت بينكم (حرب البسوس) ... يا معيدي نكبة (الأندلس)؟
أعلى الميراث أحقاد النفوس؟ ... أم على تسليمه المختلس؟
أم بقايا من رمال وضروس ... هيجت من شهوات الأنفس؟
أخجلوا يا قوم صرتم عجبا ... في الدنا، بل لعنة في الكتب
ما أضعتم وطناً، بل حسبا ... أين من يحمي لرد الحسب؟
أمة قد أنسيت أوطارها ... فأدارت في المناحات الكؤوس
وأثارت للهوى أوتارها ... والأعادي في مغانيها تجوس!
فمتى ترحض عنها عارها؟ ... ومتى تعبس في يوم عبوس؟
إنما يلعب حر غلبا ... لا حريب مبتلى بالنوب
أو عزيز سيم خسفا فأبى ... لا الذي أضحى وطئ المركب
لا تلمها، إنما خذلانها ... جره التضليل من قوادها
جار عن نهج الهدى ركبانها ... إذ جروا فوق خطا روادها
كل من تبصره يختانها ... لا يبين الصدق في إرشادها في سبيل المال. . من قد كتبا ... جاذب الساسة حبل الكذب
وانثنى الشاعر عما وجبا ... ومضى ينعت بنت العنب
يا شباب العرب في شتى البلاد ... لست أختص شآماً أو عراق
إن لي فيكم وإن عم الفساد ... أملا أن تحطموا عنها الوثاق
إن جرح العرب محتاج ضماد ... ضمدوه بدم منكم يراق
وأعيدوا الوطن المغتصبا ... بالمواضي من يد المغتصب
تبعات الملك شتى أربا ... سوف تلقى للشباب النجب
اذكروا - الله - مجد الفاتحين ... واصنعوه مثلما قد صنعا
لا تغروا، مالكم غير (الأمين) ... أسوة فيما نهى أو شرعا
كل جد في جديد الحاضرين ... لم يغب عن شرعه فيما وعى
اقرءوا دستوره المنتخبا ... تجدوه زاخراً بالنخب
هو روح وحياة وهبا ... صادق الإيمان أسمى الرتب
نسخت آيته في العالمين ... آية الشمس بآفاق السماء
وتحدى ما بنى في الغابرين ... عادي الهلك وآفات الفناء
وتعالى فوق مجد المالكين ... مجده الخالد ما دام البقاء
لو وراء الخلد ملك أو نبا ... لاحتوى محموده من كثب
كذب المطري سواه كذبا ... غير مدح التبر مدح الترب
أيها المبعوث بالأمر العظيم ... جل باري النور! ماذا أطلعا؟
جئت والدنيا يغشيها السديم ... فأنرت الشرق والغرب معا
طلعت شمسك. . لكن في الحلوم ... وتسامت عن كسوف مطلعا
كم أزاحت عن عقول سحبا ... جللتها من ظلام الريب
وجلتها في الأعالي شهبا ... هاتكات للدجى والحجب
أنت من علم أمثال (عمر) ... يتحدى بالفتوح الدولتين
أنت من أطلع أبطال السير ... مثلما تبدي السماء النيرين
أنت من أحيا الأعاريب الغرر ... وبهم أحييت أهل المشرقين ثم مالوا عنك ميل، فنبا ... عزهم، واستهدفوا للنوب
وأقلوا في الحياة الكربا ... وهوان العيش في المرعى الوبى
يا رسول الله خير المرسلين ... يا منيل العرب غايات الفخار
قم تأمل حالهم في العالمين ... كيف بعد العز ذلوا في الإسار
هدموا ما شدت من دنيا ودين ... فقضى الله عليهم بالبوار
أركضوا الأهواء فيهم خببا ... ورموا وحدتهم بالشجن
كل من تلقاه ينحو مذهبا ... ويحهم! لم يتركوا من مذهب
صدعت بيضتهم أشقى الأمم ... وهمو لاهون. . كل بهواه
جدعت منهم خياشيم الشمم ... وبغى بعض على بعض وتاه
هل سبيل النجح إيقاظ النقم ... عمه الجاهل شر من عماه!
ليتهم قد أججوها الهيدبى ... للعدا لا لابن أم وأب
ويحهم! قد بلغ السيل الزبى ... غير ذي رفق، وهم في حرب
يا نياما ضيعوا ما ورثوا ... عهد العلي والشرف!
أفما آن لكم أن تبعثوا ... سيرة الهادي ومجد السلف
إن (أهل الكهف) قبل انبعثوا ... من رقاد طال تحت السدف
وأعادوا في الحياة الدأبا ... ومنال المجد رهن الدأب
فاستفيقوا وأثيروا العربا ... طال يا قوم رقاد العرب!
بغداد
محمد بهجة الأثري