مجلة الرسالة/العدد 1010/الميسر والأزلام
→ على هامش الدفاع عن الشرق الأوسط | مجلة الرسالة - العدد 1010 الميسر والأزلام [[مؤلف:|]] |
العزوف عن القراءة ← |
بتاريخ: 10 - 11 - 1952 |
2 - الميسر والأزلام
للأستاذ عبد السلام محمد هارون
الجزور:
1 - إذا كان للميسر موضوع كما يقولون، فهو (الجزور). والجزور يقع على الذكر والأنثى من الابل، ولكنهماكثر ما ينحرون النوق.
2 - وليست كل ناقة ولا كل بعير بصالح للميسر، وإنما كانوا يتخيرون أسمنها وأنفسها واعزها عليهم، فكأنما ألهموا من وراء الغيب (ن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون). وفي ذلك قول لبيد:
وجزور أيسار دعوت لحتفها ... بمغالق متشابه أجسامها
أدعو بهن لعاقر أو مطفل ... بذلت لجيران الجميع لحامها
يقول: رب جزور تصلح لتقامر الأيسار عليها دعوت لدمائي لنحرها لتلك المغالق المتشابهة، وهي سهام الميسر يشبه بعضها بعضا. وأراد بها هنا سهام القرعة يقرع بها بين إبله أيها ينحر لندمائه. فهو يدعو بتلك السهام لنحر ناقة عاقر أو أخرى مطفلوإنما ذكر (العاقر) لأنها أسمن وأحمل للشحم , و (المطفل) نفاستها عليهم وعزتها
3 - وكان إذا أرادوا أن يسيروا ابتاعوا ناقة بثمن مسمى يضمونه لصاحبها، ولميدفعوا ذلك الثمن حتى يضربوا بالقداحعليها فيعلموا على من يجب الثمن
وسيأتي فيما بعد أن الثمن يدفعه من خابت سهامهم متضامنين في ذلك بحسب أنصبتهم لو فازوا.
4 - وكانوا قبل أن يضربوا بالقداح يجعلون بينهم عدلاً يأخذ من كل امرئ منهم رهنا بما يلزمه من نصيب قدحه أن خاب، مقدار كل الاحتمالات التي يتعرض لها الغارمون، ويسمون هذا العمل (التأريب) وهو التشديد في الخطر.
وأحياناً يتغالى الياسرون فيجعلون مكان أعشار الناقة أعداداً من الإبل، كان يجعلوا موضوع الميسر عشراً من النوق لا ناقة واحدة يقسمونها عشرة أجزاء. . . وكذلك إذاأرادوا أن يضربوا على اكثر من هذا العدد جعلوا مكان العشر من أعشار الجزور بعيرين، ومكان عشرين أربعة، ومكان ثلاثة الأعشار ستة، فان أرادوا على ذلك فعلى هذا السب 6 - وهناك ميسر آخر غريب، ذكره طائفة من العلماء، وهوان يكون موضوع الميسر إنساناً. وقد أنشدوا في ذلك قول سحيم بن وثبل الرياحي:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ... ألم تعلموا أني ابن فارس زهدم
أي ألم تعلموا أني ابن صاحب الفرس المسمى (زهدم).
قال صاحب اللسان (كان قد وقع عليه سباء فضرب عليه بالسهام. وقوله: ييسرونني، هو من الميسر، أي يجزئونني ويقتسمونني).
وهذا تفسير ساذج، من الصعب أن يتصوره عاقل إلا أن يريدوا اقتسام رقه وعبوديته فيما بينهم، كما أن يكون العبد ملكا عدة أشخاص يملك كل منهم شخصاً منه. ونجد ابن سيده يفسر البيت تفسير أشنع من تفسير صاحب اللسان إذ يقول: (وييسرونني من الميسر، أي يجتزرونني ويقتسمونني) وهولا ريب تفسير خاطئ.
وقد فسره ابن قتيبة تفسيراً عاقلاً بقوله: (فمن زوى ييسرونني، أراد: يقتسمونني ويجعلونني اجزاء، احسبه أراد ومن رواه ياسرونني جعله من الأسر.
الجزار
ويسمونه (القدار) على وزن همام. ولذلك القدار خبرةخاصة بتقسيم الجزور، فهويقسمها عشرة أقسام:
فإحدى الوركين جزء، والورك الأخرى جزء، والعجز جزء والكاهل جزء، والزور - وهو ما ارتفع من الصدر إلى الكتفين جزء، والملحاء - وهو وسط الظهر بين الكاهل والعجز - جزء , والكتفان جزء، والذراعان جزء، وإحدى الفخذين جزء، والأخرى جزء.
ويبقى بعد ذلك (الطفاطف) وهي أطراف الجنب المتصلة بالأضلاع، و (فقر الرقبة) فتقسم وتفرق على تلك الأجزاء بالسواء، فإن بقى عظم أو نصفه بعد القسم فذلك الريم، وكانوا يجعلون ذلك الريم للجازر، فان بخلوا به ولم يجعلوه له كان ذلك مسبة لمن لم يجعله.
وأما نصيب بائع الناقة فهو الأطراف والرأس غالباً.
وذهب الأصمعي في ذلك مذهباً غريباً، وانهم كانوا يجزئون الجزور على ثمانية وعشرين جزءاً، ذهب في ذلك إلى حظوظ القداح، وهي ثمانية وعشرون، للفذ حظ، وللتوأم حظان، وللرقيب ثلاثة، وللحلس اربعة، وللنافس خمسة، وللمسبل ستة، وللمعلى سبعة، فجميع هذه ثمانية وعشرون.
قال ابن قتيبة: (ولو كان الأمر على ما قال الأصمعي لم يكن هنا قامر ولا مقمور، ولا فوز ولا خيبة، لأنه إذا خرج لكل امرئ قدح من هذه فاخذ حظ القدح اخذوا جميعا تلك الأجزاء على ما اختار كل واحد منهم لنفسه، فما معنى إجالة القداح؟ وأين الفوز والغرم؟ ومن القامر والمقمور؟)
عدد الأيسار
والأيسار: المتقامرون، واحدهم (يسر) بالتحريك.
وكان الحد الأقصى للأيسار أن يكون سبعة، على عدد قداح الميسر، لا يتجاوز عددهم ذلك، وليس لهم حد أدنى يقفون عنده. فإذاكان عددهم سبعة قالوا: قد توحدت القداح أي اخذ كل رجل قدحاً، وإنما يكون ذلك في المجاعات الشديدة وغلاء اللحم، فيحتاج الأمر في التكافل إلى هذا العدد الكبير وإذا نقص عدد الأيسار فلا بد أن ينبر واحد منهم أو أكثر ويأخذ اكثر من قدح واحد ويتأهب للمغامرة، ويسمون ذلك الأخذ (متمم الأيسار) وهم يعدون ذلك التتميم مفخرة وفضيلة قال النابغة:
أني أتمم أيساري وامنحهم ... مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدمة
قداح الميسر
1 - يقال للواحد من قداح الميسر بالكسر، وسهم وزلم، وقلم وأكثرها استعمالاً في ذلك هو (القدح).
2 - والقداح: عيدان تتخذ من النبع، وهو شجر تصنع منه القسي والسهام، ينبت في قلة الجبل، معروف بالمتانة واللين.
3 - تنحت هذه العيدان وتملس وتجعل سواء في الطول، وإنما تختلف في العلامات والوسوم.
4 - وهي صغيرة القدر، قال ابن قتيبة: وتسميتهم لها بالحظاء دليل على إنها كصغار النبل).
5 - ولهذه القداح راس صغير، قال ابن قتيبة (ووجدت الشعر يدل على أن له رأساً احسبه ناقصاً عن مقدار جسمه، حديد الطرف) واستشهد لذلك بقوله الراعي:
بدا عائداً صعلاً ينوء بصدره ... إلى الفوز من كف المفيض المورب
والصعل: الصغير الرأس، ولذلك قيل للظليم، وهو الذكر من النعام (وصعل) لدقة رأسه.
6 - ولونه اصفر، لأنه من نبعوما شاكله، ولأنه ايضاً قد يقدم فيصفر كما تصفر القوس العتيقة.
7 - ويصفونه بالاعوجاج والأود، دلالة على كرم عوده ولينه.
8 - وكثيراً ما يكون ذا سفاسق، أي طرائق وخطوطا مستقيمة أو منحنية تكون في لون العود، كما تكون في الخلنج دأعواد السروج وأشباه ذلك.
9 - وهو مدور أملس كالسهم
10 - ويصفونه بالحنين والرنين إذاضرب به، وذلك لرزانته وسلامة عودة من القوادح والسوس فإذا ضرب به حن ورن كما يطن الصفر والحديد.
هذا ما أمكن الإمام ابن قتيبة أن يستخرجه من الشعر العربي لينقل إلينا ذلك الوصف الدقيق لقداح الميسر.
عدد القداح وأسماؤها
هذه القداح التي مضى وصفها في الفصل السابق ليست كلها على نمط واحد، بل هي نوعان:
النوع الأول: القداح ذوات الحظ، وعددها سبعة، وهذا العدد يقابل الحد الأقصى لعدد المتقامرين.
النوع الثاني: القداح التي لا حظ لها، وعددها ثلاثة.
قداح الحظ
1 - الفذ، وله حظ واحد.
2 - التوأم، وله حظان اثنان.
3 - الرقيب، وله ثلاثة حظوظ.
4 - الحلس، وله أربعة حظوظ.
5 - النافس، وله خمسة حظوظ.
6 - المسبل، ويسمى أيضاً المصفح، وله ستة حظوظ.
7 - المعلي، وله سبعة حظوظ.
وهذا السهام السبعة متشابهة الأجسام، لا يمتاز بعضها عن بعض إلا بعدد الفروض، أي الحزوز التي تحز فيها لتبين قدرها. فلفذ حز واحد، وللتوأم حزان اثنان، وللرقيب ثلاثة. . وهكذا.
وربما كانت هذه العلامات بالنار، يسمونها بالوسم والوسمين والوسوم، بدلاً من تلك الحزوز.
وقد نظم أبو الحسن علي بن محمد الهمداني أسماء سهام الحظ في قوله:
يلي الفذ منها توأم ثمبعده ... رقيب وحلس بعده ثم نافس
ومسبلها ثم المعلىفهذه ال ... سهام التي دارت عليها المجالس
وانشد الراغب الأصفهاني أبياتاً لعروة بن الورد يذكر فيها أسماء القداح الفائزة، واراها من مصنوع الشعر ومولده، وهي:
أنت بالمعلى عند أول سورة ... وبالمسبل التالي وبالحلس والتوم
وجاءت بفذ والضريب يليهما ... وبالنافس المعلوب في الرأس والقدم
فراح بها غنم وتعزم ما جنت ... وقد يغرم المرء الكريم إذااجتر
وأنت منيح باليدين متى تعد ... تعد صاغراً لا مال نال ولا غرم
وهذه الأبيات المهلهلة لم ترد في ديوان عروة، وليست من شعره بسبب، وهي أشبه ما يكون بشعر ابن مالك في الفية النحو، أو بشعر أبي الحسن على بن محمد الهمداني الذي سبق الإنشاد له، كما أن ما فيها من الخطأ الفني ينطق ببطلان نسبها إليه، فان هذه القداح لا يمكن أن يخرج جميعاً في ميسر واحد كما سيأتي القول عن الكلام على (مجلس الميسر).
وكان العرب في بعض الأحايين يستعيرون قدحاً ميموناً، أي قدح كان من السبعة ذوات الحظوظ، قد جرب من قبل فوجد سريع الخروج في الميسر، يستعيرون من غيرهم ويجعلونه في قداحهم بدلا من آخر مثله، تيمنا به وبما يجلبه من الظفر، ويسمون ذلك القدح (المنيح)، وهوغير المنيح الذي سيأتي ذكره في القداح التي لا حظ لها.
وكانوا يأخذون من هذه القداح على قدر احتمالهم، فاقلهم حالاً هو اخذ (الفذ) لأنه أن ربح غنم حظاً واحد وان خاب غرم حظاً، ويليه في القدرة اخذ (التوام) أن فاز فاز بحظين، وإن خاب غرم حظين، وأقدرهم وأعلاهم شرفاً هو صاحب (المعلى) لأنه أن خاب غرم سبعة حظوظ فاحتملها.
القداح التي لاحظ لها
وهناك قداح لا حظ لها، وهي قداح الحظ، ولكنها مجردة من السنات والعلامات، وتجعل مع القداح الحظ ليكثر بها العدد، ولتؤمن بها حيلة الضارب فتختلط عليه فلا يجد إلى الميل مع أحد سبيلاً، وليكون ذلك أنفى للتهمة وابعد من المحاباة وتسمى هذه القداح (الإغفال) جمع غفل، بالضم، واصله في الدواب ما لا سمت له، ومن الأرضيين ما لا علم فيها.
وهذه القداح ثلاثة في اصح الأقوال:
1 - الوغد.
2 - السفيح.
3 - المنيح.
وقد نضم أسماؤها بعضهم في قوله:
لي في الدنيا سهام ... ليس فيهن ربيح
وأساميهن وغد ... وسفيح ومنيح
وقيل: وهذا قول شاذ -: إن عددها أربعة:
1 - المصدر.
2 - المضعف.
3 - المنيح.
4 - السفيح.
للبحث صلة
عبد السلام محمد هارون