الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 1005/الأدب والفنّ في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 1005/الأدب والفنّ في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 1005
الأدب والفنّ في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 06 - 10 - 1952


للأستاذ أنور الجندي

مصر في مؤتمر الفن العالمي:

تردد أسم مصر هذا الأسبوع في جميع أنحاء العالم، وتناقلته وكالات الأنباء في كل مكان على أثر الكلمة التي ألقاها الدكتور طه حسين في المؤتمر الدولي للفنانين الذي عقد في قصر الدوج بمدينة البندقية وأشرفت هيئة اليونسكو على تنظيمه وكان المؤتمر قد بدأ جلساته يوم 22 سبتمبر سنة 1952

وكانت (الرسالة) في أحد أعدادها السابقة قد نشرت بعض الأفكار التي صمنها عميد الأدب خطابه الذي أعده لإلقائه في هذا المؤتمر

وهذه خلاصة ما جاء في كلمة الدكتور طه حسين

إذا كانت الأسلحة والنيران والدماء قد غيرت (وجه الأرض) فكم غيرت هذه الأشياء من (نفوس) الناس التي تعرضت بسبب ذلك كله إلى هزات عنيفة

القرن العشرون هو عصر الشك الفلسفي أو التشكك فيما وراء الطبيعة

سجل الدكتور ظاهرة قلة الإقبال على الأدب ومطالعة الكتب

أشار إلى جهود الكتاب لتبسيط آرائهم وجعلها في مستوى إدراك أغلبية القراء وأثر ذلك في الآراء الأصلية ذاتها

المعركة بين الكاتب والناشر، يريد الكاتب من الناشر أن ييسر له من الوسائل المادية ما يكفل له العيش الكريم

من العسير الكتابة بكل أمانة وحرية دون مراعاة أي اعتبار مادي له علاقة بالاحتياجات اليومية

يدل التاريخ على أن الأدباء والفنانين في كل بلد، وفي كل عصر، لم يعتمدوا قط على أدبهم وفنهم في اكتساب قوتهم، بل كانت دوماً لهم مهن أخرى

إن ما يصل الكاتب من مكانة في المجتمع الذي يعيش فيه يفرض عليه واجبات معينة إزاء المجتمع، ويكون لذلك أثر أخلاقي في تصرفاته وكتاباته يمس ما له من حقوق وما عليه من واجبات والواقع أن هذه النقاط التي تناولها الدكتور طه حسين في بحثه والتي تصور حالة الأدب في العالم الآن، إنما هي مستمدة من صميم الحياة الأدبية في مصر، بل تكاد تكون صورة واضحة لما يعانيه الأدب في مصر

ومعنى هذا أننا نقاسي نفس التجربة الأليمة التي يعانيها الأدب والأدباء في العالم كله، وأن الظواهر التي ننقدها في محيط الأدب المصري، ليست وقفا عليه وحده وإنما هي (ظواهر) طبيعية عامة

ويرجع كثير من النقاد والباحثين هذا إلى أثر الحرب العالمية الثانية، فقد انتعش الأدب بعد الحرب العالمية الأولى وأخذ طوراً من القوة والحيوية والجد، واستطاع الأدباء ف خلال تلك الفترة إنتاج طائفة من الأعمال الأدبية والفنية الخالدة

فلما جاءت الحرب العالمية الثانية واستمرت ست سنوات كاملة، كان من الضروري أن تكون هذه المرحلة الحرجة بعيدة الأثر في اتجاه التفكير العالمي، فقد ذاق الناس في جميع أنحاء العالم - في لا البلاد المحاربة وحدها - ذلك اللون الخانق القاتل من الحياة المضطربة المزعزعة، مما أدى إلى تحول خفي في النفسيات كان من أثره الإقبال على لون جديد من القراءة ليس دائما هو اللون الجاد، وليس أبدا هو الأدب الرفيع

ومن هنا نشأت هذه (الأزمة) التي تكتنف الحياة الأدبية والفكرية في الشرق والغرب، والتي تلخص في عجز الأدب الرفيع عن أن يكون مورداً خالصاً، وأن تظهر تلك الحيرة في محاولة الكتاب تبسيط آرائهم حتى تكون في مستوى أغلبية القراء، وكذلك قلة الإقبال على الأدب

مجلس عالمي للفنون والآداب

وقد القي الدكتور جيم توريس بودبت المدير العام لهيئة اليونسكو كلمة تضمنت النقاط الآتية:

أن وظيفة الفنان لا تقوم أساساً إلا على الاختيار ومن ثم وجب أن نوفر لها الحرية، ولا يكون لهذه الحرية من معنى إلا إذا اقترنت بواجبات عميقة

عبودية الفنان تكون على نوعين: الأول أن يكون الفنان ملزماً بالأخذ بتوجيهات خارجية عن فنه يمكن تغافلها وإلا نزل به العقاب. والنوع الأخر هو أن يتصور الفنان - وهو يساير أهواءه الخاصة - أنه يتمتع بقسط أوفر من الحية فيكفر بقواعد فنه بأكمله ولا يكون مصيره إلا فشلاً فنيا

ليس عمل الفنان على الإطلاق عملاً تجريدياً، فالفنان ينتمي إلى بيئة بعينها، وتقليد بعينه، وعصر بعينه، وبلد بعينه، وكل هذا يجعل العمل الفني على صلة وثيقة بالتطور الفكري والنظم السياسية والاجتماعية

وقد طالب مدير اليونسكو بضرورة إنشاء مجلس عالمي للفنون والأدب يناط به توفير المساعدة والتعاون بين الفنانين المبدعين من الدول جميعا وله الآن أكثر من نواة، مثل نادي القلم والمعهد الدولي للمسرح والمجلس العالمي للموسيقى، وجمعيات المهندسين، ولا ينقص هذه العناصر إلا جمعية للفنون البصرية واليدوية

أرستقراطية الثقافة

تقوم دار الكتب المصرية بطبع عدد كبير من المؤلفات الأدبية القديمة، التي تعد من أمهات الأدب العربي

كما تقوم الإدارة الثقافة بالجامعة العربية بتصوير ألوف المخطوطات العربية النادرة في العالم

وكانت بعض البعثات قد قصدت في العام الماضي إلى سانت كاترين في شبه جزيرة سينا لتصوير المخطوطات الأدبية والفكرية هناك

إن هذه الهيئات لا تعترف إلا بعدد من كبار الكتاب وكبار الباشوات السابقين فتهدي إليهم هذه المؤلفات لتوضع كحلية بين مجموعات الكتب المجلدة الموجودة في مكاتبهم وينتهي الأمر عند هذا الحد

ولارتفاع ثمن هذه المؤلفات، وعدم وجود طبعات شعبية منها لا يتيسر مطلقاً لشباب الأدباء - وهم على كثرتهم فقراء لا يملكون قوت يومهم - أن يحصلوا على هذه المؤلفات أو يقرءوها!

وهذا ولا شك لون من أرستقراطية الثقافة، نرجو أن نتخلص منه في العهد الجديد، وأن نعمل على تيسير هذه الثقافة وهذه الألوان الأدبية حتى نجعل في ميسور كل مثقف الحصول عليها من 8 إلى 14 أكتوبر

في خلال هذا الأسبوع تتجدد ذكرى ثلاثة من عباقرة رجال الفن والأدب في الشرق والغرب هم:

عبد الله نديم

المتوفى في 11 أكتوبر 1896

أناتول فرانس

المتوفى في 13 أكتوبر 1924

أحمد شوقي

المتوفى في 14 أكتوبر 1932

ولا شك أن أناتول فرانس سيحظى بالكثير من التقدير من الصحافة الفرنسية ومن المجلات الأدبية

ستتناوله هذه الصحف من جميع نواحيه، شخصيته، أدبه، حياته، مبادله، غرامياته. .

أما عبد الله نديم وأحمد شوقي فسيمر ذكرهما مرور الطيف، لأنهما من الشرق، الشرق الذي ما زال جاحداً لبناته ورجاله ومجهديه

لقد كافح عبد الله نديم الظلم يوم كان كفاح الظلم أقسى ألوان الحياة، واشترك في الثورة العرابية، وهرب، واختفى وطال به الاختفاء، وظل ينتقل تحت جنح الظلام ويغير مظهره، حتى لا يقبض عليه

واستطاع أخيراً أن يذهب إلى الآستانة وهناك وقع في القفص الذهبي الذي كان الخليفة عبد الحميد قد أعده للرجال الأحرار الذين كان يستدعيهم إليه ثم لا يطلقهم مرة أخرى

إن حياة عبد الله نديم هي صورة من الكفاح المرير في سبيل مصر في الوقت الذي كان لا يستطيع أي صوت أن يرتفع بكلمة الحق

. . ولا شك أن من حق عبد الله نديم علينا أن نكرمه ونحترمه، ليس لهذه الوطنية وهذا الكفاح وحده، ولكنه لأنه ابتدع في الصحافة المصرية لوناً جديداً. . ذلك اللون القائم على السخرية والتبكيت، وهو الذي حور أخيراً في صور الكتابات النقدية السياسية التي تقوم عليها معظم المجلات الأسبوعية! أما شوقي فالحديث عنه طويل. . بقدر ما أدان العربية والشعر من دين وصفه أستاذنا الكبير الزيات عندما قال إن شوقي كان تعويضاً عادلاً للعربية منذ قضى المتنبي. . ولكننا ونحن الآن نسمع قصائده تغنى، وشعره يتردد على كل لسان، ونذكر فضله في ابتداع المسرحية الشعرية في الأدب الحديث. . . ندهش حين نرى أن عملاً ما - يدل على التقدير - لم تقم به أي هيئة أو طائفة. . أين مثلاً كرسي شوقي في كلية الآداب، أو اين مكانه في دار الكتب، أو تمثاله في ميدان يطلق عليه اسمه!! أو الكتاب الضخم الذي وضع عن فنه وشعره

أما (أناتول فرانس) فلسنا في حاجة إلى الحديث عنه فإن المؤلفات والآثار الأدبية التي تناولته في جده وهزله وفنه. . أكثر من أن تحصى

أنور الجندي