مجلة الرسالة/العدد 1002/البريد الأدبي
→ الأدب والفنّ في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 1002 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 15 - 09 - 1952 |
المصدر صحيح
صاغ الأستاذ المفتن (الزيات) رائعة من رائعة فيها جلال الذكرى، وجمال الوفاء، ومنها لطف العتب وحسن الاعتذار، فقد ألفت مجلته الخالدة شتات الألوان في ألفه (الألف) ودفعته الفرحة إلى التنويه ببلوغها بعد تبليغها، وساق تاريخها مساق الحقيقة، لكنه عنف حين عرض للخارجين على رسالته ونال منها حتى جعلها (معتلة. .)!
إن الاعتلال عرض عام يشترك فيه كل كائن، لكنه حين يتناول المبادئ لا يبلغ هذا المبلغ؛ فالمبدأ أخو العقيدة، والعقيدة أصل الكيان، والكيان لا يمكن أن يعتوره اختلال إلا إذا فسد اصل من أصوله؛ وفساد الأصل يتحقق بتحقيق دواعيه؛ وقد عاشت الرسالة ثلثي الألف وهي مسددة الخطا مبرأة من العيب بالغة الهدف، راغبة في الحق، مرتغبة عن الباطل. فكيف يمكن الحكم باعتلالها وكيانها صحيح؟
لقد قسا أستاذنا (الزيات) على رسالته لكنه نزيه في قسوته. فلا شك أنها كانت ولا زالت، ينبوعا فياضا تغترف منه النهى أصول المعرفة، واتخذت طابعا يطبعها بالاتزان، والوقار، والأناة، وحسن التأدي، وجودة التخير، وهي هي في اتسامها بتلك السمات لا تنحرف، ولا تنقاد، ولا تميل مع الأهواء حيث تميل!
إن المشتق والمصدر فرع عن أصل، والأصل لازال سليما معافى لم يثقله غير الكفاح في سبيل تحقيق المبدأ السامي الذي يدور حول سيادة لغة الضاد في إعزازها، والاعتزاز بها، وهذا ممثل في كل صفحة من صفحات الرسالة. إن مجلتك أيها الرجل الحصيف قد كفت عن الابتذال، لأنها عفت عن المال، وارتفعت بقوامها وقومها لأنها تأبى الإسفاف والانحراف، فحسبك ما ترى ونرى، ترى إشعاعها، ونحن نرى أضواء هذا الإشعاع!
بور سعيد
أحمد عبد اللطيف بدر
الفتاة وجور الجاهلية الأولى
نحن في القرن العشرين، ولكن يظهر أن الدنيا تغيرت وشمل هذا التغيير مخلوقات الله جميعا ماعدا الفتاة. فالفتاة لم تزل إلى اليوم أشبه بالتركة البغيضة، والسلعة البائرة، والمتاع الهين المهين. ويظهر أن للعقلية التي كانت تسيطر على أجدادنا منذ عشرات الأعوام فحسب، كانت امتدادا لعقلية الجاهلية الأولى، ولذلك نرى تصرفاتهم تصر على اعتبار الفتاة من سقط المتاع، وكمية مهملة لا قدر لها، وإلا فلم حرموها الميراث وأوقفوا أملاكهم على الذكور دونها، كأن الله لم يخلقها لتعيش كويمة سعيدة وإنما خلقها لتهون وتشقى، وتذوق الأمرين في ظل شريعة العقول الرجعية الآسنة. وإن تعجب فعجب لهؤلاء الأجداد المسلمين الذين كانوا يؤدون شعائر الدين، ويفهمون تعاليم الإسلام كيف جاز لعقولهم أن تتنكر لنظام الشريعة العادلة، وتتمرد على نظم قوانينها في الميراث، ولم تجئ هذه القوانين إلا وفق العدالة الاجتماعية. وكيف فات هؤلاء أن البنت أقرب الرحم إليهم، وأن الله سائلهم عن هذه الرحم التي اشتق لها اسما من أسمائه، ووعد بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها كما في الحديث الشريف المشهور. أجل إن الله سائلهم عن هذه الرحم كما جاء في الآية الأولى من سورة النساء.
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا) لسنا ندري كيف جاز لعقول هؤلاء الأجداد، ما داموا مسلمين، أن يتمردوا على الإسلام فيتنكبوا طريقه، ويتمردوا على قوانينه العادلة التي اعتبرت الفتاة مخلوقا له وجوده وكيانه فأعلنت حقها في الميراث بجانب الذكر، وتوعدت المتمرد بغضب الله وشديد عذابه.
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر، نصيبا مفروضا) (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين. .) (تلك حدود الله. . . ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين).
وبعد. . فنحن الآن في موكب التحرير، وأظن أن الفرصة قد سنحت لمحق هذه البدعة المقيتة، بدعة حرمان الفتاة من الميراث، هذه البدعة التي لا يقرها عقل، ولا ترتضيها شريعة، وأملنا أن ينالها التطهير في هذا العهد المشرق الجديد.
الإسكندرية نفيسة الشيخ
الصحافة الأدبية في العراق
قرأت في الرسالة النيرة (عدد 998) كلمة قصيرة للزميل الأستاذ عبد القادر الناصري عن (الصحافة الأدبية في العراق) وكنت، وأنا أطالع تلك السطور أتوقع أن أجد تحليلا دقيقا لصحافتنا الأدبية وأسباب تأخرها والعمد التي يمكن أن تقوم عليها نهضة أدبية شاملة. . . ولكني لم أجد إلا أمورا شخصية: اتصل به بعض شعراء البحرين والكويت والقطيف وعدن. . . واستفسروا منه، وقابل بعضهم وتجادل معهم (وذكر أسماء من قابلهم). . . الخ. . . ثم تطرق إلى موضوع امتياز مجلة أدبية طلب إصدارها ففشل وثمة توضيحات أريد أن أذكرها:
(1) ليس السيد الناصري هو أول من قدم طلبا لإصدار مجلة ثم فشل، هناك كثيرون غيره قدموا طلباتهم ومازالوا ينتظرون، وهؤلاء لا يقلون كفاءة عنه، وإخلاصا لما أقدموا عليه.
(2) وجه الكاتب لوما وتقريعا إلى السلطات التي لم تمنحه الامتياز، وكان يجب عليه ألا يشغل نفسه وتعبها بذلك. إنني لا أريد الدفاع عن مديرية الدعاية العامة عندنا، عفواً، فهي دائرة لا تعمل إلا بإيحاء من رجال الحكم؛ وهي لا تعطي امتيازات لشخص إلا بعد أن يثبت تلعقه وإخلاصه لرجل من رجال الحكم، أو الولاء لأية وزارة تأتي إلى الحكم، ولكني كنت أود ألا يهتم الزميل بمثل لهذه الأمور التي أصبحت بديهية ومعروفة.
(3) قال (بعدم جود مجلة أدبية راقية تمثل الأدب العراقي المعاصر خير تمثيل تستحق أن تكون سفيرا بيننا وبين البلدان العربية الأخرى) وهذا صحيح، وكان الأحرى به أن يذكر أن هناك مجلات تمثل الأدب العراقي المعاصر، صدرت، ولكنها لم تر النور كثيراً، وأن يذكر العوامل التي أدت إلى ذلك.
(4) أفهم من كلمته أن ليس في العراق مجلة أدبية، بينما كان الواجب أن يوضح ذلك مع ذكر الصحف الأدبية التي تصدر في (النجف) هذه الصحف التي تغالب الصعوبات وتقاوم (الاحتجاب)! فمجلة (الغري) مثلا مجلة أدبية راقية ينشر فيها كتاب العراق ومؤرخوه، وهي لا تقل نجاحا وقوة عن المجلات الأدبية الصادرة في لبنان ومصر؛ كما تعتبر (البيان) منبرا حر لآراء الشباب وأفكارهم
وكان بودي أن أذكر تأريخ الحركة الصحفية في العراق اعتباراً من عهد الاحتلال البريطاني حتى اليوم، لولا أن ذلك يحتاج إلى شرح مسهب ووقت ليس قصيرا مما قد أفرد له مقالا خاصا في وقت آخر. غير أن من الضروري أن أبين العوامل التي يمكن أن تقوم عليها صحافة ونهضة أدبية مباركة:
(1) أرى أن العامل الأول هو توفير مطابع راقية تقوم بطبع الصحف الأدبية بأجور بخسة، على أن تقوم بهذه المهمة دور للنشر والطباعة يعتمد عليها. وهذا عامل له أهمية في صحافتنا الأدبية التي تعاني غلاء الورق وأجور الطباعة الباهظة.
(2) رأس مال ضخم أو مناسب لإصدار صحيفة راقية يمكن أن تصمد طويلا أمام العقبات، مع مساعدة (جمعية الصحفيين) لها في حالة (الركود!) إذ الصحف الأدبية عندنا ليست كالسياسية اليومية التي تعتمد أكثرها على مساعدات و (مخصصات سرية) تعينها على (البقاء)!
(3) تأليف الجمعيات للأدباء والشعراء وإنشاء النوادي لهم وجمع التبرعات والقيام بإصدار مجلة خاصة لهم.
(4) إفساح المجال لأقلام الأدباء والشعراء وإنتاجهم وإعطاؤهم الحرية الكاملة للتعبير عن أفكارهم، وتشجيع الأكفاء منهم باستمرار، ومساعدتهم بشتى الوسائل
(5) نتاج متين قوي؛ وأحسب أن هذا موجود في العراق في أي وقت. . فهناك مواهب وقابليات كامنة، لا تزال (بالقوة) ولم تخرج إلى الفعل بعد! مع أهمية انصراف الأدباء والشعراء لأدبهم وفنهم، والخروج من وظائفهم الحكومية التي تحد من نشاطهم وحريتهم.
إن هذا لا يمنعنا من القول أن قيام نهضة أدبية ناجحة في العراق ليس أمر بعيدا، بل على النقيض نجد الجهود اليوم تتضافر للعمل لخلق تلك النهضة. وفي رأيي أننا يجب أن نتفاءل فأمامنا طريق يجب أن نعبده بأيدينا وجهودنا.
بغداد
فؤاد البعلي