مجلة الرسالة/العدد 1001/ساعة بين أعداد الرسالة
→ في بلاد الأحرار | مجلة الرسالة - العدد 1001 ساعة بين أعداد الرسالة [[مؤلف:|]] |
شيلر الشاعر الألماني ← |
بتاريخ: 08 - 09 - 1952 |
للأستاذ محمد حسن شرع الدين
لانقطاع الرسالة بسبب الملاحة في الشلال شعرت بالحاجة إلى قراءتها، وذلك لما كنت أتوقعه من انقلاب في أقلامها بعد الانقلاب الذي قام به البطل محمد نجيب (نجيب الحرية والدستور) وكانت تجول بخاطري أشياء أتذوق حلاوتها وألتذ لها لاعتقادي أن أعداد الرسالة القادمة سوف تتحدث عنها، وما تلك الخواطر إلا حوادث الانقلاب والملك المطرود، وقد تكلمت كل الصحف والمجلات عدا الرسالة التي لم تصل إلي: والكلام الرسالة وقع في نفسي غير كل كلام مقروء. قلت شعرت بالحاجة للإطلاع على الرسالة، ففزعت إلى أعدادها المودعة بمحل خاص - وأنت قد تعجب إذا قلت لك إني أحتفظ بأعداد الرسالة من سنة 1934 إلى يومنا هذا بصورة مستديمة - من قسم الإعارة لا التأخير، وتناولت أول عدد فكان العدد 962 وفتحته فكان أول ما قرأت مقال يوازن بين شوقي وولي الدين يكن في قصيدتين قيلتا بمناسبة (سقوط السلطان عبد الحميد) بقلم أستاذنا الأديب محمد رجب البيومي، وعلم الله أني أرتاح لكل ما يكتبه، وأجد فيه متعة الروح وغذاء العقل، متعنا الله بأدبه ومد في عمره بالعافية. فعجبت كيف هيأت الصدف للربط بين خواطري بالماضي المقروء للحاضر المشهود، وقلت لو كتب هذا الموضوع قبل الانقلاب بأسبوع لقلنا إن الكاتب يشير إلى نهاية (الفاروق) بالتورية للآتي القريب، ولكن مر على المقال أكثر من سنة فلا أظنه كتب لهذا الغرض وغم أنه كان ينفع للعظة لو وجد مجده بعده، وآخر يشمت به ويشيع عهده باللعنات، بتلك القوة الممتعة في الوصف البارع للمدح والذم، ووجد مقل قلم البيومي ليوازن بينهما، فهل نجد اليوم مثل هذين الشاعرين وقد وجدنا الظرف.
ولا نريد بعد أن أشرنا إلى العدد أن نأتي بشيء من القصيدتين، فمن أراد المتعة فليرجع إليهما فإنهما أنسب ما يقرأ في هذا الظرف وهذه المناسبة.
وبعد الفراغ من هذا العدد مددت يدي فأخذت عدداً آخر فإذا هو العدد 748 بقلم صاحب الرسالة في 3 نوفمبر سنة 1947 بعنوان: (يا أغنياء! قولوا أسلمنا ولا تقولوا آمنا) وقد علق به على حديث نشرته الأهرام لصاحب السمو الملكي الأمير محمد علي قال فيه: (إني أشهد الله على أن كل توفيق أصبته وكل خير نلته منذ نشأتي إلى اليوم كان مرجعه إلى إئتماري بأوامر الدين وانتهائي بنواهيه).
وقد علق على هذا الكلام فقال: (جميل من سمو الأمير أن يعتقد الدين وأن يعمل به ويتعصب له ويدعو إليه في وقت نسي الناس فيه الله. فبعد الأمراء الشهوة - وكأنه يعمي القصر - وأله الأغنياء المال، واتبع الزعماء الهوى) ثم يقول بعد فصل: (لماذا اقتصر أمي الأمراء من فضائل الإسلام على (المحبة والسلام، والصلاة والصيام، والعمل والصبر والطهارة. وقد كنا نطمع في صدق إيمانه وسمو بيناه أن يذكر كذلك الزكاة والإحسان والبر والتعاون ليعلم أولئك الأمراء الذين أسلموا ولم يؤمنوا، وهؤلاء الأغنياء الذين أساءوا ولم يحسنوا) ويسترسل فيقول: (إن الدين عمل ومعاملة، وتثقيف وتكليف، وإيثار وتضحية. ثم يقول بعد فصل: وحق الله الذي يشبع الجائع، ويكسو العاري، ويداوي المريض، ويكفن الميت، ضئيل بجانب حق الشيطان الذي يولم الولائم الفاجرة، ويقيم السهرات الداعرة، ويجود على إنجلترا الخؤون من غير طلب، وينفق على العامل والفلاح، وحق الشيطان على ضخامته حفيف لأنه ينفق في الميسر والراح) ثم يسترسل فيقول: (إن أكثر الكبراء عقام أو عزاب، فلا عيال يكلفون في الحياة، ولا أعقاب يرثون في الموت؛ فليت شعري لم لا يتبنون هذا الشعب الكريم وهو الذي وضعهم في ركب الحياة على كاهله، فأقدامه تحفي من الكلال وهم في دعة، وجسمه يضوي من القلال وهم في سعة، ونفسه تضطرب من الأهوال وهم في أمن) ثم يقول (إنهم إلا يفعلوا يندموا فإن من المشكوك فيه أن يتسع حلم الشعب طويلا لهذا الحد من المقال عجبت! ولا عجب أن يصاحب التوفيق قلم أستاذنا، فيشير لهذه النهاية البعيدة حينذاك، ولكن زال عجبي عندما رجعت لقول ولي الدين يكن للسلطان عبد الحميد في قصيدته التي أسلفت القول عنها عندما قال:
عزاء أيها النافي الرعايا ... ولا تجزع فخالقكم نفاكا
حرمت كراك أعواما طولا ... وليتك بعد ذا تلقى كراكا
تفارقك السعادة لا لعود ... وقد عاشت حطاها في خطاكم
فدع صرحا أقمت به زمانا ... وقل يا قصر لست لمن بناكا
نعم عبد الحميد اندب زمانا ... تولى ليس يحمده سواكا ومنها:
ستحيا في سلانيك زمانا ... ستحسد فيه عن بعد أخاكا
وتعلم أن ملكا ترتضيه ... ولعت به ولكن ما ارتضاكا
أما قصيدته الثانية التي جارى بها شوقي، فلا يتسع المقام لسياقها، فلنتركها وليرجع إليها من يريدها بالعدد المذكور أو في غيره.
وعجبت أن يحقق الشعب ما أشار إليه أستاذنا؛ فيطرد المليك الجبار. . المليك الذي أراد أن يجعل من مصر وجيش مصر أضحوكة بين الشعوب. المليك الذي ضحى بشباب مصر في حرب فلسطين، وكان يستعرض الجيش ابتهاجا بولده في الوقت الذي يقتحم فيه البوليس الموت مع الإنجليز في قنال السويس، ويشد أزر كفاح البوليس أولئك الأبرار المجاهدين من الفدائيين. لقد حقق الله نبوءتك يا أستاذي، فها هو ذا الجبار قد ذل وطرد، وهاهم مانعوا الزكاة ومبددو ثروات الشعب يحاسبون حسابا عسيرا، فلننتظر قليلا ولنقل: حيا الله المخلصين من أبناء مصر، وأزال بهم طغيان كل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، ولنقل مع الشاعر أيضا:
إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ... ولا بد للقيد أن ينكسر
محمد الحسن شرع الدين
تاجر بأم روابة