مجلة الرسالة/العدد 100/البريد الأدبي
→ من الأدب الإيطالي | مجلة الرسالة - العدد 100 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 03 - 06 - 1935 |
ذكرى العلامة روبرت كوخ
احتفل أخيرا في ألمانيا بذكرى روبرت كوخ أحد أقطاب العلم الألماني، وذلك بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما على وفاته؛ وقد خلد كوخ اسمه في عالم الطب بما وفق إليه من الاكتشافات الطبية والبكترلوجية الباهرة؛ ولاسيما في شأن السل والكوليرا؛ وكان مولد هذا العلامة في سنة 1843. وفي سنة 1876 بدأ اكتشافاته البكترلوجية باكتشاف (البشيل) وطريقة الحقن باللقاح، وفي سنة 1882 كان اكتشافه الباهر (لبشيل) السل الذي يفتك بعشرات الملايين، فكان ذلك بدء تلك الجهود الطبية الجاهدة التي تبذل منذ كوخ إلى عصرنا لمكافحة هذا الداء الوبيل؛ وفي العام التالي زار كوخ مصر والهند على رأس بعثة لبحث أسباب الكوليرا، ثم عين أستاذا في جامعة برلين، ومديرا لمعهد الأمراض المعدية. وكان من رأيه أن هناك فارقا بين السل الذي يصيب الإنسان، والسل الذي يصيب الماشية، وأن المرض لا ينتقل من هذا الجنس إلى ذاك، ولكن الجمعية الملكية البريطانية عارضت هذه النظرية بمباحثها وتقاريرها. وفي سنة 1896 زار كوخ أفريقية الجنوبية ليدرس طاعون الماشية، وفي العام التالي زار أفريقية الشرقية الألمانية ليدرس خواص الملاريا ومرض النوم. وله عدة مؤلفات عن السل والملاريا والتيفوس تعتبر حجة في موضوعها، وكانت وفاة كوخ في 1910.
وقد احتفل العلم الألماني بتكريم ذكرى هذا العلامة في احتفال رسمي أشيد فيه بعبقرية كوخ وفضله على الإنسانية كلها بما وفق إليه من الاكتشافات العظيمة التي مازالت أساساً لبحوث الطب في عصرنا؛ وأعلن بهذه المناسبة أن الحكومة الألمانية قررت إنشاء (معهد كوخ) الذي تقرر إنشاؤه قبل الحرب لتخليد ذكرى كوخ ثم حالت الحرب دون إنشائه؛ ثم رأى العلم الألماني أن ينتهز فرصة هذه الذكرى ليعمل بمعونة الحكومة الألمانية على تحقيق هذا المشروع الإنساني الجليل.
موسم الكتب في فرنسا
يعاني الأدب وتعاني الكتب في مختلف الفنون أزمة ظهرت آثارها واضحة في كثير من الأمم الأوربية؛ ولهذه الأزمة أسباب كثيرة أهمها الإذاعة اللاسلكية والسينما وطغيان الترجمة الرخيصة على الأدب المحلي، ومنافسة الصحافة للكتب بما تخرجه من الصحف العلمية والأدبية والفنية وغيرها وتعرضه بأبخس الأثمان؛ وقد نشطت السلطات والهيئات المختصة في فرنسا لمحاربة هذا الركود الفكري، وبث الدعاية لنشر الكتب بمختلف الوسائل المرغبة؛ فأقامت نقابة الناشرين وغرفة المكاتب معرضا كبيرا في حي سان جرمان أطلق عليه (عشرة أعوام من الطباعة الفرنسية)، وعرضت فيه الكتب في سائر العلوم والفنون من أرخص الطبعات إلى أغلاها وأثمنها، بطريقة تبين تطور الطباعة وأساليب النشر في عشرة الأعوام الأخيرة؛ وصفت كتب الفلسفة والدين والعلوم والآداب والمباحث الروحية والقصص كلها جنبا إلى جنب. وأقيم في بهو خاص منصة فخمة خصصت للجوائز الأدبية التي منحت منذ سنة 1925، وأسماء الفائزين وأنواع الجوائز؛ وقد أم هذا المعرض الحافل جماهير غفيرة من الزوار، وأحدثت أقامته حركة كبيرة في اقتناء الكتب.
وفي الوقت نفسه أقامت نقابة الناشرين مظاهرتها السنوية التي تعرف (بيوم الكتاب) وهي مناسبة تتخذها المكاتب كل عام لتعرض في واجهتها أكداسا من الكتب الجديدة الخلابة بأثمان معتدلة، وقد أصبح يوم الكتاب (أسبوعا) كاملا يجرى فيه هذا العرض في جميع مكاتب باريس الشهيرة ومكاتب المدن الكبيرة، وتقدم فيه بهذه المناسبة فرص حسنة للشراء، وفي كل عام تصدر نقابة الناشرين مؤلفا نفيسا يهدى إلى من يشتري كتبا قيمتها عشرون فرنكاً. وأسبوع الكتب يعتبر من المواسم الأدبية الحافلة، التي تدر الخير على الناشرين والمؤلفين.
فمتى نفكر في مصر في تنظيم مثل هذه الحركات والمعارض المفيدة، ومتى نفكر في محاربة ذلك الركود الأدبي الذي يكاد يشل عندنا كل تقدم فكري وأدبي؟
بلسودسكي الشاعر والكاتب
لم يكن المارشال بلسودسكي بطل بولونيا القومي الذي توفى منذ أسابيع قلائل جنديا وسياسيا عظيما فقط، ولكنه كان كذلك شاعرا وكاتبا له آثار في الشعر والنثر، والمعروف عن المارشال أنه تربى وتكون في معترك الصحافة، وكان في شبابه يحرر جريدة ثورية سرية، كان ضبطها سببا في الحكم عليه بالنفي إلى سيبيريا؛ ولما قبضت القيادة الألمانية على بلسودسكي أثناء الحرب الكبرى حينما ارتابت في حركاته وخشيت من نفوذه على الجيش البولوني، وزجته في قلعة مجدبرج لم يجد المارشال وسيلة لتخفيف آلام الأسر سوى الكتابة، فوضع كتابا سماه (معاركي الأولى)، وصف فيه ما خاضه من المعارك الثورية ضد جنود القيصر، ثم المعارك الأولى التي خاضها عند نشوب الحرب الكبرى بأسلوب بليغ ينم عن مقدرته الكتابية، وأصدر بعد الإفراج عنه كتابا آخر عنوانه (سنة 1920) وصف فيه الحرب الروسية البولونية، وكان المارشال ينظم الشعر، ويشغف بقراءة دواوين أكابر الشعراء الفرنسيين، مثل لامرتين وهوجو وبودلير، وفيريلين ومالارميه. ومما يؤثر عنه قوله: (إن الشعراء هم أقرب الناس إلى رجال العمل!).
مركز هوجو في النثر
مازالت الصحف الأدبية الفرنسية فيض في الحديث عن فيكتور هوجو، وعن نظمه ونثره ورفيع منزلته في الأدب الفرنسي، وذلك لمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسينية لوفاته حسبما أشرنا بالعدد الماضي، وليس بين النقدة خلاف في المنزلة الرفيعة التي تبوأها في الشعر؛ بيد أن هنالك من يقول بأن هوجو يتبوأ في النثر أرفع من هذه المنزلة. وقد شهد لهوجو بالعظمة في النثر كتاب عظام مثل بلزاك صديقه ومعاصره، ثم جاء موريس باريس بعد ذلك فقال: (إن هوجو أعظم ناثر في القرن التاسع عشر). وقد وصفه أخيرا كاتب كبير في إحدى المجلات الأدبية، فقال: إن هوجو الناثر يتفوق في تحليل أشد عواطف الروح وأحوالها تعقيدا، وأعمق أزمات الضمير، ومعارك الإنسان والقدر. ولمناسبة الاحتفال بذكرى الشاعر الكبير أصدرت إحدى دور النشر الباريسية الكبرى طبعة كاملة من جميع مؤلفاته تقع في 82 مجلدا.