الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 1/في الأكاديمية الفرنسية

مجلة الرسالة/العدد 1/في الأكاديمية الفرنسية

مجلة الرسالة - العدد 1
في الأكاديمية الفرنسية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 15 - 01 - 1933


انتظم في سلك الأكاديمية الفرنسية أخيرا عضوان جديدان هما الكاتب القصصي بيير بنوا، والمؤرخ الأشهر جوسلان لينتر. والأول هو أصغر (الخالدين) سنا. فهو لا يتجاوز الأربعين من عمره، مع أنه لا يرقى في الغالب إلى هذا الشرف الرفيع سوى رجال قطعوا معظم مراحل العمر وأشرفوا على الستين أو السبعين. وينتمي بيير بنوا إلى أسرة من الضباط وقد كان أيام الحرب الكبرى ضابطاً في الجيش. فلما انتهت الحرب عاد إلى الأدب. وسرعان ما ظهر في ميدانه، وحاز ذروة الشهرة حينما اخرج روايته الأخيرة (الاتلانتيد). وهو يتربع اليوم في كرسي المؤرخ الشهير لافيس.

وأما المؤرخ لينتر، فهو باحث محقق اشتهر بالأخص بتحقيقه في تاريخ الثورة الفرنسية، وله في ذلك (باريس أيام الثورة) و (سقوط الجيرونديين) وقد اشتهر بتاريخ مختصر كتبه عن نابليون يمتاز بطرافته وفكاهته وقد حل في الأكاديمية مكان الروائي الشهير (رنيه بازان) وهو يربى على السبعين من عمره، ولكنه ما زال وافر الإنتاج يشتغل في التحرير في جريدة (الطان) ويكتب فيها باب (التاريخ الصغير).

العالم المسرحي والسينمائي

بنات اليوم على مسرح رمسيس

للأستاذ محمد توفيق يونس

بدأ الموسم التمثيلي هذا العام متأخرا عن موعده العادي، وكان أسبق الأيدي إلى هصر الستار عنه فرقة رمسيس بتمثيلها رواية (بنات اليوم) لمديرها الأستاذ يوسف وهبي. وهي قطعة ناجحة في أربعة فصول شائقة الموضوع، قوية الحوار، سريعة الحركة الا أن فيها بعض الطول. وكلامنا عن الرواية يتناول أمرين موضوعها وبناءها. أما الموضوع فحيوي جليل خليق بالعناية والنظر، هو موضوع الأسرة المصرية الذي طالما أثار الانتقاد، وبعث على الشكوى.

فبنات اليوم من الروايات ذوات الفكرة التي تبحث في نظام الأسرة وتنبه إلى الخطر الذي تتعرض له من الزواج المبني على اختلاف المشارب، وتباين الطباع، وتنافر الأهواء، الذي تعقده المصادفة ولا يقوم على أساس من حرية الاختيار وائتلاف المزاج.

أحسن المؤلف اختيار موضوعه وأجاد بسطه وإن كان قد عنى بالتأثير أكثر من عنايته بالتحليل والتعليل.

جمع المؤلف بين اثنين مختلفي الأفكار برباط الزواج وقد نكد حظ الزوج به وساء طالعه فزوجته تختلف عنه عقلية ومزاجاً ولكنه سرعان ما يجد في أختها (لطيفة) فتاة تستطيع أن تفهم سر نفسه وتنظم أمور حياته. ويحلو الحب للعاشقين ولكن الزوجة (خديجة) تعلم أمرهما إذ يعثر أبوها على رسائل باللغة الفرنسية تبادلها الحبيبان فيطلب منها قراءتها فتعرف الحقيقة ولكنها تكتمها، مدعية أن ليس فيها ما يريب. ولكن لطيفة تحمل فتأتي إلى عيادة حبيبها وزوج أختها (الدكتور صادق) ليجهضها بعد أن ادعت أنها مسافرة لضيعة إحدى قريباتها. ولكن خديجة تفاجئها فإذا علمت أن أختها في خطر نسيت نفسها واهتمت بأمرها. ولكن الحالة تتحرج بدخول (سامي) خطيب لطيفة وابن عمها. وتنقذ الزوجة الموقف ثانياً فتدعي أن أختها اصطدمت بسيارة فجاءت إلى الطبيب.

تنقضي فترة من الزمن يأتي بعدها عم لطيفة يطلب يدها لأبنه سامي فيوافق الأب ولكن الابنة ترفض فلا يأبه لها ويمضي في تنفيذ إرادته. وتخلو لطيفة بابن عمها فتعلن إليه أنها لا تستطيع أن تقبله زوجاً لأنها لا تحبه. ويعود الأب فيملي عليها إرادته ولكنها لا تطيع، فيثور ويحتد فتضطر الفتاة إلى أن تعلن أن رفضها للزواج من أبن عمها إنما كان لإنقاذه وتسأل سامي أيقبل أن يتزوج من فتاة ساقطة سلمت نفسها لغيره. فيجن جنون الأب ويسألها عن الجاني فيخبره صادق بالواقع بعد أن ينبئه أن جهله وغطرسته وتشبثه بتزويج ابنته الكبرى قبل الصغرى كالتاجر الذي يريد التخلص من بضاعته القديمة قبل الجديدة قد دفعهما إلى هذا الموقف الأليم. لكن الأب لا يسمع ولا يرحم فإذا البيت شعلة من نار تحاول لطيفة أن تطفئها فتلقي بنفسها في النهر فيلحق بها صادق وسامي.

وتنجو لطيفة ويطردها أبوها فتبحث عن عمل فتلجأ إلى بيت حقير يأويها. أما صادق فيسجن لقاء جريمته ثم تنقضي مدة السجن فيعود إلى حبيبته ويتفقان على أن يغادرا البلاد معاً ليستأنفا الحياة من جديد. ثم تقبل خديجة وابنها ترجو من زوجها أن يتركه لها فيودعهما باكياً مستغفراً. ولهذا الموقف أثره في نفس لطيفة فتأبى الرحيل مع صادق حتى يبقى لزوجته وابنه وتسأل سامي إن كان يقبل توبتها ويرضى بها زوجة فيوافق راكعا.

هذا مجمل الرواية أو بالأحرى مجمل الحادث الأصلي فيها ولم نعرض من الأشخاص إلا الأساسيين في العمل. فالرواية مليئة بالحوادث مزدحمة بالأشخاص وكان أجدر بالمؤلف أن يسير إلى غايته قدما حتى لا يضعف أثر الحادث الأصلي في الرواية ولا يقطع سلسلة العمل الأساسي بمشاهد ثانوية وشخصيات فضولية. هذه المشاهد في ذاتها قوية الوضع وتلك الشخصيات خفيفة الظل، ولكن قيمتها بالنسبة إلى الرواية ضئيلة وصلتها بها واهية، وأثرها عكسي في الواقع يخمد من حدة الشعور ويعوق وجهة الدفع الروائي نحو النهاية.

وكذلك يقطع العمل أثناء الرواية بحلول تكاد تكون حاسمة يمكن أن تقف الرواية عندها والروايات الحديثة تنتهي دون خاتمة ولا حل تاركة المجال للتفكير والتأمل.

وفي الرواية شيء من التصنع كتصريح الزوج انه هو المعتدي على عفاف أخت زوجته، وعلى عمل الأب على زج زوج ابنه في السجن مع ما في ذلك من فضيحة للأسرة جميعها.

إذا غضضنا النظر عن هذه المآخذ استطعنا أن نقول أن الرواية جميلة قوية مؤثرة ذات مواقف درامية صادقة ومناظر إنسانية رائعة تسترعي سمع المشاهد وتأسر لبه.

ولا عجب فقد درس الأستاذ يوسف وهبي المسرح وخبر الجمهور فضرب على أوتاره الحساسة واستطاع أن يظفر منه بالإعجاب والإقبال ولا يسعنا نحن الا أن نحييه ونهنئه ونرحب به عاملا من عوامل بناء المسرح المحلي.