مجلة البيان للبرقوقي/العدد 61/الصالون الفرنسي والصالون الإنجليزي
→ المقتطف مجلة مصرية للمصريين | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 61 الصالون الفرنسي والصالون الإنجليزي [[مؤلف:|]] |
قصيدة غزلية ← |
بتاريخ: 1 - 10 - 1921 |
للكاتب النقادة الفرنسي الشهير (تين)
أرى في فرنسا في أحد صالونات رجال الظرف والذكاء، أو في مكتبة أحد الفنيين، عشرين رجلا في بهجة وانشراح. وشعارهم طلب المسرة ومن أخلاقهم حب السرور. وإنك لتستطيع أن تحدثهم عم شرور العالم بشرط أن يكون ذلك بطريقة مسلية لذيذة! فإذا ساورك الغضب صعوقا وإذا أردت أن تلقي عليهم درسا تثاءبوا! اضحك - هذه هي القاعدة هنا، ولكن لا تضحك بقسوة وجفوة ظاهرة ولكن بلذة وسرور وروح خفيفة؟ وإن هذا الخلق الفكه النشيط ينبغي أن يظل في حركة، وإن اكتشاف نكتة أو ملحة جديدة لهو من أعظم الحوادث السعيدة! فإذ1اأردت مرضاتهم عليك بتقليدهم وإذا أردت مسرتهم فكن أنت مسرورا طربا.
أما القاعدة الثانية فهي أن تكون متأدبا. وأنك تجلس مع رجال ظرفاء رقيقين مزهوين، ولا ينبغي أن تهينهم بل ينبغي أن تتملقهم. وإياك أ، تجرح عواطفهم بمحاولتك إقناعهم بطريق القوة أو الجدل الجاف، وإظهار الفصاحة والحدة. امنحهم شرف الظن بأنهم يفهمون قولك من أول كلمة وأن ابتسامة معنوية تقوم لديهم مقام قضية منطقية صحيحة، وأن لمحة سريعة من طرف خفي أبلغ من نقد طويل ممل. وأخيرا تذكر (والحديث بيني وبينك) إنه مضى عليهم ألف سنة وهم يحكمون حكما طيبا في السياسة والدين، وبعبارة أخرى يحكمون حكما زاد عن الحد. وإن الرجل الذي تضيق نفسه بأمر لا يود أن يستزيد منه. ولكنهم في أحيان كثيرة بمحض الرغبة في النقد يتعرضون لهذين الموضوعين، وتدفعهم الحماسة والانفعال والاستياء إلى التشنيع بالمجتمع عن طريق الحكومة والتشهير بالأخلاق عن طريق الدين! وإني لا أستطيع أن أوصيك في هذا المجال بإرضائهم. ولكني ألاحظ أمرا بسيطا، وهو أنه إذا أردت مسرته فلا ضرر من مزحة مشاغبة قاسية أو سخرية عارضة!!.
والآن أعبر البحر عشرين ميلا واجد نفسي في صالة كبيرة نظيفة غير مزخرفة مملوءة بالمقاعد الكثيرة ومصابيح الغاز، بناد للمحاضرات أو منزل للعظات! هنا خمسمائة رجل بوجوه واجمة جامدة، وأن أول نظرة تلقيها عليهم لتكفى في معرفة أنهم لم يأتوا إلى هذ المكان للسرور والتسلية! ففي هذه المملكة حالة جمود وجد سلبت الإحساسات معانيها الشريفة السريعة، وأذهان أقل سرعة وتنبها فقدت الحرارة والسرور. إذا مزحنا أو سخرنا أمامهم فعلينا أن نذكر أنا نخاطب أناسا يقظين مفكرين قادرين على الاحتفاظ بتأثرات عميقة مدة طويلة وغير قادرين على انفعالات متقلبة فجائية. هذه الوجوه الجامدة المزوية ستظل بلا حراك، فهم يقاومون كل ابتسامة خفيفة لم تكتمل، فإذا ضحكوا كانت ضحكاتهم تشنجات جافية كجمودهم. وإذا حدثت فلا تمر بالموضوع مرورا بلطف ولين بل أضربها في مقاتلها، واعلم أنه ينبغي لك أن تثير في نفوسهم أقصى عوامل الحماسة، وإن الصدمات العنيفة ضرورية لتحيك هذه الأعصاب الجامدة! كذلك لا تنس أنك تخاطب عقولا عملية محبة للمفيد النافع، وأنهم لم يأتوا إلى هذا المكان إلا ليستفيدوا وإن علينا إزاءهم دينا من الحقائق والمعلومات الثابتة، وإن أصالة عقولهم الضيقة قليلا لا تقبل أقوالا خبط عشواء بلا تحقيق أو أراء مشكوك فيها وأنهم يتطلبون تفنيدات وردودا مدعومة وأبحاثا مستوفاة، وأنهم إنما دفعوا نفوذهم ليسمعوا في هذا المكان نصيحة يتبعونها ليسمعوا في هذا المكان نصيحة يتبعونها أو نقدا مؤيدا بالحجة. فحالتهم النفسية تتطلب انفعالات شديدة، وعقولهم العملية تتطلب حقائق دقيقة. فلكي نرضى نفوسهم لا ينبغي أن نكتفي بخدش الرذيلة ولكن بتعذيبها، ولكي نرضي عقولهم لا نكتفي بالتشهير المبني على الهزل والدعابة ولكن على الإثبات والبرهان بقيت كلمة واحدة أخيرة: هناك، في وسط هذه الجماعة، انظر إلى ذلك الكتاب المذهب الفخم الموضوع بإجلال فوق وسادة حريرية، إنه الإنجيل. ويلتف حوله خمسون رجلا من رجال الأخلاق الذين كانوا منذ هنيهة في أحد المسارح يرمون أحد الممثلين بالتفاح لأنه متهم باتخاذه زوجة أحد الأهالي عشيقة له فإذا خطر لإنسان ما أن يمد يده إلى صفحة من صفحات الكتاب المقدس أو أن يتعرض لأصغر التقاليد الأخلاقية عندهم فإن خمسين يدا ستأخذ بخناقه وتقذفه إلى خارج القاعة!!