مجلة البيان للبرقوقي/العدد 60/رواية تاجر البندقية فينسيا
→ بؤس العلماء | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 60 رواية تاجر البندقية فينسيا [[مؤلف:|]] |
البطولة ثمرة المحنة ← |
بتاريخ: 15 - 8 - 1921 |
تأليف وليم شاكسبير
(المنظر الثاني)
بلدة بلمون: غرفة في قصر بورشيا
تدخل بورشيا ووصيفتها نيريسا
بورشيا - يمين الله نيريسا أن شخصي النحيل الضئيل. قد سئم هذا العالم الجسيم الجليل.
نيريسا - هذا يكون يا سيدتي الحسناء لوكانت أحزانك وأتراحك من الكثرة بقدر مسراتك وأفراحك. على أنه من اكتظ شبعا وامتلأ بطنه أصابه من الجهد والعذاب ما يصيب الطاوي سغبا، الهالك جوعا. والسرف في الترف أوخم عاقبة من القحط في الشظف. وخير الامور الوسط. وما زال الإفراط مجلبة للهرم والمشيب قبل الأوان. كما أن الكفاف والقصد كفيل بفسحة الأعمار في صحة الأبدان. بورشيا - كلام صحيح. في منطق فصيح.
نيريسا - حبذا لو يتبع إذ خبر الكلام متبوعه.
بورشيا - لو سهل العمل على الناس سهولة العلم مما يحسن عمله لأصبحت الديور كنائس وأكواخ الفقر قصورا للعظماء. وما أفضل القسيس الذي يفعل ما يقول ولأهون على والله أن أعلم عشرين نفسا من أكون بعض أولئك العشرين المتبعين نصحي. ونحن ربما وجدنا العقل يسن القوانين لقرع الأنفس وقمع الشهوات ولكن المزاج الحار والطبع الملتهب سرعان ما يخرق سياج القوانين الصادرة عن الروية الهادئة ة الأناة الباردة. والشباب هوذلك الأرنب السريع يزوغ من شرك الحكمة العرجاء ويفلت من أحبولة النصح الضالع الحسر. ولكن هذا التفلسف لا يمهد لي السبيل إلى اختيار زوج لي. فيا ويلي كيف أذكر لفظة (اختيار) وما إلى الاختيار من سبيل. فأنا لا أملك اختيار من أحب ولا رفض من أكره كذلك قضى الله أن تخضع إرادة ابنة في الأحياء لا إرادة أب في الأموات أليس من البلية يا نيريسا أن أغلب على أمري فلا أطيق اختيارا ولا رفضا.
نيريسا - لقد كان أبوك مدة حياته براً تقيا، وما زال الأبرار إذا جاء أجلهم ينزل عليهم الوحي الصادق ولذلك أعتقد أن القرعة التي ابتدعها أبوك في تلك الصناديق الثلاثة: الذهبي والفضي والرصاصي. وقضى بأن من اختار الصندوق الذي عناه هووقصده فإنم يختارك أنت - هذه القرعة لا يصيبها إلا من يحبك ويكون أهلا لحبك. ولكن خبريني عن درجة ميلك إلى أولئك الأمراء الذين أتوك يخبطونك.
بورشيا - سميهم لي أصفهم لك واحدا إثر واحد واجعلي وصفي مقياسا لميلي.
نيريسا: نبدأ بالأمير النابوليتاني.
بورشيا: هذا حصان لا شك لأنه لا يصنع شيئا سوى التحدث عن حصانه وترينه يعد ضمن مفاخره ومناقبه قدرته على حذوحوافره بنفسه.
نيريسا: ويجيء من بعد هذا الكونت الألماني أمير (البلاتينات).
بورشيا: - هذا ليس عنده سوى تقطيب جبينه وتعبيس وجهه كمن يحاول أن يقول (إذا كنت لا تريدينني فدعيني منك واطلبي غبري فأنا لا أحفل ولا أبالي وستعلمين إذا أبينيني ورفضتني أيانا أخسر صفقة وأخيب سهما) وترينه يسمع الملح والفكاهات ولا يبتسم. وأخشى أن يصير في شيخوخته (الفيلسوف الباكي) إذ كان في حداثته وصباه شديد العبوس مفرط الوقار والرزانة فلأن أزوج من رأس ميت في فمه عظم أهون علي وأحب إلي من تزويجي أحد هذين، كفاني الله شرهما).
نيريسا - وما قولك في اللورد الفرنسي المسيولي بون؟
بورشيا - لقد خلقه الله فاحسبيه إنسانا: أنا أعلم والله أن الهزأ والسخرية خطيئة. ولكني مضطرة إليها في وصف ذلك الفرنسي. إنه أشد ثرثرة من النابوليتاني عن حصانه وأشد عبوسا أحيانا من الكونت الألماني. فهوكل إنسان ولا إنسان: فإذا غرد طير انبرى يرقص، وإنه والله ليطاعن ظله ويجالد خياله. فإن تزوجته فقد تزوجت عشرين بعلا. فإدا احتقرني بعد الزواج فما له عندي سوى الصفح عنه وذلك لأنه إذا أحبني جن بحبي فأعياني جزاؤه.
نيريسا - وما قولك في (فالكونبردج) البارون الصغير الإنكليزي؟
بورشيا - لا أقول فيه شيئا لأنه لا يفهمني ولا أفهمه. فهولا يعر اللاتينية ولا الفرنسية ولا الإيطالية. وإنك لا تكذبين إذا أقسمت في دار القضاء أن مبلغ معلوماتي في الإنكليزية لا تساوي فلسا. بيد أن الفتى آية في الجمال. ولكن من ذا الذي يستطيع أن يحادث تمثال أخرس. ثم ما أغرب ثيابه فما أظن إلا أنه اشترى رداءه من إيطالي وسراويله من فرنسا وقلنسوته من ألماني وسلوكه من كل بقعة.
نيريسا - وما رأيك في جاره اللورد الأسكوتلندي؟
بورشيا - رجل كريم الجوار. لقد أقرضه البارون الإنكليزي لكمة على أذنه فلم يسرع إلى رد قرضه بل أقسم أن يفعل ذلك متى استطاع. ولقد ضمنه الفرنسي فيما أعلم وختم على ضمانته.
نيريسا - وما رأيك في الألماني الصغير ابن أخي الدوق أوف ساكسونيا.
بورشيا - مرذول جدا في الغداة وهوصاح. وأرذل خلق الله في العشى وهوسكران. وهوفي أحسن حالاته يكون دون الإنسان وفي شر حالاته يكون فوق البهيم فإذا وقع من الأمر أسوأه فأصاب سهمه الهدف فلأبذلن جهدي في الخلاص من هذا الرجل.
نيريسا - أرأيت إذا تعرض إلى الاختيار فساقه الحظ إلى اختيار الصندوق الصادق أفكنت ممتنعة من تنفيذ إرادة أبيك برفضك الفتى.
بورشيا - إذن فاتقاء للتي هي أسوء أرجوك أن تضعي على الصندوق الكاذب قدحا كبيرا من خمر الرين. فإنه إذا اتفق أن كان الشيطان داخل جوف الرجل إذ ذاك مع وجود هذا الباعث المحرض خارجه فلا بد أن يختاره، فأنا أحتمل كل شيء يا نيريسا إلا التزوج من إسفنج.
نيريسا - لا تخاف يا سيدتي الوقوع في حوزة أي واحد من هؤلاء فلقد أعلموني مقاصدهم وهوعودتهم إلى أوطانهم وانصرافهم عن خطبتك إلا إذا وجدوا إليك سبيلا خلاف ما نهجه أبوك من طريقة الصناديق الثلاثة
بورشيا - لوعمرت عمر (سيبيلا) لانقطعت عن الأزواج طول حياتي حتى أموت عذراء بتولا مثل (ديانا) اللهم إلا إذا أحرزت بالطريقة التي سنها أبي.
ولقد يسرني والله ما أبدى أولئك الخطاب من الحزم والحكمة في انصرافهم عني فعسى الله يرزقهم سلامة الأوبة إلى ديارهم.
نيريسا - ألا تذكرين يا سيدتي فتى فينسيا شجاعا أديبا صاحب سيف ويراع جاءنا ههنا في عهد أبيك صحبة المركيز مونفيرات.
بورشيا - نعم نعم. هذا باسانيوـ أظن أنه كان يدعى هكذا.
نيريسا - حقا يا سيدتي. إن عيني البلهاء ما رأت قط في جميع من وقعت عليه نظرتها الحمقاء. إنسانا هوأحق بغانية حسناء من باسانيوهذا.
بورشيا - إني أذكره جيدا وأذكر أنه أهل لثنائك وإطرائك.
يدخل خادم
ما خطبك وماذا لديك من الأنباء؟
الخادم - إن الأربعة الأجانب يلتمسون لقائك ليستأذنوا في الانصراف. وها قد أتى رسول من ضيف خامس أعني أن أمير مراكش يقول أن مولاه قادم الليلة.
بورشيا - لوكان هذا الخامس يستحق من فرط حفاوتي وترحيبي مثل ما استحق الأربعة الآخرون من وشك توديعي وتشييعي إذن لفرحت بقدومه وفي مذهبي إنه لوكان له شيمة قديس تحت سحنة إبليس لكان أولى لي به أن يكون معرفي (اعترف على يديه) من أن يكون زوجي.
هلمي بنا يا نيريسا. امض أمامنا يا هذا. لا نكاد نغلق الباب وراء خاطب مردود. حتى يقرعه علينا خاطب جديد.
(تنصرفان)