مجلة البيان للبرقوقي/العدد 56/حول حفلات البيان
→ تفاريق | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 56 حول حفلات البيان [[مؤلف:|]] |
مطبوعات جديدة ← |
بتاريخ: 1 - 6 - 1920 |
التمثيل - وليس يدافع في ذلك اثنان - فن من فنون الآداب الرفيعة، بل هو القمة الباسقة التي انتهى إليها الأدب في هذه العصور، لأنه أعم الآداب شيوعاً وأقربها مثالاً وأخابها لنفوس الجماهير وأصدقها بعد ذلك أثراً، ومن هنا كان واجباً حتماً على كل من يستطيع إلى ذلك سبيلاً، أن يأخذ بناصره، وأن يسمو به نحو الكمال والغرض الأسمى الذي وضع لأجله.
وان من يلقي نظرة على حالة التمثيل عندنا اليوم يرى أن التمثيل الجدي النافع قد اختنق اختناقاً وتضاءل ثم تضاءل حتى ذهبت به وبرجالاته روح العصر وكشكشيانه، وشردت أهليه في البلاد تشريداً، فكان ذلك مما حدانا - لتلك الصلة التي تواخي بين عمل البيان وبين التمثيل - على التفكير في انتقاء روايات تمثيلية يتساوق مع روح العصر، بديعة المنحنى بدعة نبيلة المغزى - أخاذ بالنفوس، طيبة الأثر في الأرواح - ثم اغرار الجمهور الذي تهافت على هاتيك الكشكشيات تهافتاً شديداً حتى استبدت به وملكت عليه أمره وأورثته هذا الفساد المقيت الذي نضج منه ضجيجاً - بالإقبال على مشاهدة هذه الراويات النافعة والاستفادة منها ومن المعاني السامية التي تنطوي عليها وتطلع النظارة من تضاعيفها، فنقلنا من الفرنسية إلى العربية رواية نبي الوطنية أو الرسول ثم راوية القناع الممزق، وكلاهما من الروايات الخالدة التي أصابت من الجميع أقصى غايات الاستحسان، ثم مثلنهما - الأول في دار التمثيل العربي بواسطة حمعية أنصار التمثيل تحت رئاسة حضرة صاحب المعالي أحمد حشمت باشا وزير المعارف الأسبق، والثانية في تياتروبرنتانيا بواسطة النجم الأبيض تحت رئاسة أمير الشعراء أحمد شوقي بك، وكل من وزيرنا الجليل وامير الشعراء قبل هذه الرئاسة عن طيبة خاطر واستحساناً منهما بهذا العمل وغيرة منهما بعد ذلك على البيان، وتقديراً للجهاد الأدبي الأكبر الذي جاهده ويجاهده صاحبه. فكان ذلك - وأقيمت هذه الحفلات على النحو الذي لم يسبق إليه، وتلاقى فيها الجمال بالجلال، وما يروع الخاصة بما يستوهي الكافة إذ بينما تشاهد تمثيلاً تراجيدياً آية في الروعة والسمو إذ يُنتقل بك إلى قطعة كوميدية مضحكة تروح عن النفس ثم إلى أنشودة موسيقية مبتكرة من أنبغ موسيقى الدهر، وهلم مما أصفق جميع من حضر هذه الحفلات على أنها تضطر الناس على اختلاف نزعاتهم وامبالهم إلى مشاهدتها اضطراراً.
وبعد فهذا ما نقصد إليه قبل كل شيء من حفلات البيان - نهوض بالفن وترغيب للناس في التمثيل الجدي النافع ومران للنوادي والجمعيات التي رصدت نفسها لأحياء الفنون الجميلة، ومساعدة لأرباب المراسح والممثلات ومن إليهم - كل إولئك هو الجنى الطيب والأثر الصالح الذي تثمره حفلات البيان. . . . . على أنا إذا كنا نبغي بعد ذلك ربحاً مادياً للبيان - وإن كنا يعلم الله لم نجن من وراء هذه الحفلات شيئاً مذكوراً إذ أن أجور المراسح والممثلات وأدوات التمثيل ونفقات الإعلانات وما إلى ذلك مما لا يستهان به - فمن الذي يعيينا أو ينتقصنا ويصغى أناءنا بذلك - وهل كان يعاب شكسبير وهو الشاعر المخلد عند تلك الأمة على انجازه بالتمثيل وهو القائل: - إننا نكتب ونكدح لنعيش - أظن لا يوجد من يعيينا على ذلك إلا أولئك الزعانف الذين أكلت صدورهم من الحقد. أولئكم الحيوانات الصخابة الجائعة التي تدعي أن بها نعرة صحفية والحقيقة بها نعرة معوية. . . والتي لا تطيب لها الحياة إلا بامتصاص الدماء الفاسدة ولا يحلو لها العيش إلا بتمرير عيش الناس والقدح في أعراضهم وإنما هي صرخات معدهم وصواعق بطونهم - تلكم الحشرات الخبيثة السامة التي أبت الأقدار إلا أن تغريها بكل شيء طيب نافع لسر من الأسرار التي عند الله علمها. ولكن لا. لا. لا عتب على الشرير. لا مبالاة بالضيل الحقير، لا اكتراث بالجائع الذي يدور مع الدينار، أينا دار، كعباد الشمس فيمدح من لا يستاهل المدح كما يُمدح الله ويهجو أهل الفضل كما يهجى شر خلق الله، قل كيف شئت أبهذا المخلوق الدنيء
قل كيف شئت وأن تشأ ... وأبرق يميناً وأرعد شمالا
نجا بك لؤمك منجى الذباب ... حمته مقادذيره أن ينالا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولقرائنا الكرام