مجلة البيان للبرقوقي/العدد 52/كيف تربي طفلك
→ البلشفية | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 52 كيف تربي طفلك [[مؤلف:|]] |
باب الزراعة ← |
بتاريخ: 1 - 2 - 1920 |
إياك
وعلى الآباء ألا يكونوا أشبه شيء بالشرطة، وأن لا ينظروا إلى الحياة نظر هؤلاء إليها فيأخذوا الناس بالوعيد وييضعوا لهم الذُر وألوان التهديد، فإن واجب الشرطي أن يراقب الناس ويكون بمرصد لمن يعتدي على القانون ويخالف السنة ويركب رأسه في هذه الحياة، ولكن واجبك أيها الوالد أن تزرع في فؤاد صبيك حب القانون ولا يتوفر لك ذلك إلا إذا جنيت نفسك استعمال آداب الشدة وعبارات النهي والزجر ما استطعت إلى ذلك سبيلا. وتوفرت على تصوير الخير أمام أعين أطفالك وبصيرتهم بجماله وأريتهم وجه صلاحه وسداد الرأي في اتباعه فذلك أنفع لهم وأحدى عليك من تحذيرهم الشر وإصرارك على تكريههم فيه وزرع البغضاء له في قلوبهم من طريق النهي والزجر والتأنيب. فدع قولك لصبيك. . . إنك لطفل خبيث شرير. . . . . واستعض عنه قولك في رفق. . . . إنك لست بالمحمود الخلق الآن. . . . . وبدلا من أن تصدر له وخامة العاقبة إذا هو حاد عن طريق الخير وشذ عن قانونك الذي وضعته له. يخلق بك أن تصور حسن العواقب إذا هو أطاع قانونك وعمل بإرادتك وصدع برأيك. فبدلاً من تقول له. . . . . إنك مخطئ. . . لا تقطف الأزاهر من أفنانها - لا تبك لأنك قذرً. . . . لا تصرخ. . . . . لا تحدث هذه الضوضاء!. . . . لا تهبط عن مقعدك!. . . لا تكن قاسياً معك أخيك!. . . . يحسن لك أن تقول له في رفق وهداوة ولين، لقد ارتكبت هفوة. . . . . . الله في الأزاهر المسكينة. خل عنك البكاء وكن فرحاً طروباً. اجتهد أن تكون أنظف هنداماً. . . تكلم بصوت رقيق خفيض. . . رفقاً رفقاً. . . . أرجوك أن تمكث في مكانك - ترفق بأخيك. . . . . وهلم. . . . .
فإذا أنت فعلت ذلك لم تلبث أن بوناً شاسعاً بين الأدبين، وفرقاً عظيماً، فإن آداب النهي والزجر تبصر الطفل بكل ما هو شر وأثم، وتريه أنه الطفل الشرير الأثيم. أما آدب العرف والرفق فتدله على الجميل وتجلبه إلى الخير وتعوده التزامه والدأب عليه وسلوك مالكه.
فعليك أن تأخذ إذن بالآداب الموجبة وتحاش الآداب السالبة، وليكن مقصدك الحض على الخير لإزالة الشر بتنبيه الطفل إليه.
العناية بالبدن
من الناس طائفة يرون أنه إذا اعتنى الإنسان بصحة الطفل فلا مشاحة في أنه سيروح بطبيعة الحال فرحاً ذكياً نشيطاً متقدماً في النماء، مون الناس آخرون يذهبون إلى أن الصحة لا أهمية لها البتة في ترقية عقول الأطفال وتهذيبهم وإعدادهم للأغراض السامية التي يتطلع الآباء إليها في الحياة، ونحن نتخذ مكاناً وسطاً بين الرأيين ولا نغالي في المذهب مغالاة الرأيين بل نقول أنه إذا أهملت تربية الذهن والأخلاق فلا شك في أن الصحة لا تلبث أن تفسد وتهن يوماً وإنه إذا غفل أمر الصحة فمن الصعب أو المستحيل أن يصل المربي إلى تحقيق شيء من المقاصد الأخلاقية التي يريدها لطفله ولا أمل في تنمية مدارك الطفل أو تهذيب خلقه.
فحذار أن تستهين بأمر صحة الأطفال فإنك إن فعلت سقطت عنك وظائف المربي المهذب فأما العناية بثياب الأطفال الداخلية اللاصقة بأبدانهم والعمل على تنظيفهم أبداً فأمر معلوم لا يريد بسطاً ولا شرحاً ولكن ينبغي أن تحشد العناية التامة بوجه خاص لكل ما يمس الأطعمة ويختص بنظافتها وجودتها وصلاحيتها.
ومما هو بسبيل ذلك أن يعتني الآباء بأمر اللبان وغيرها من الأطعمة ويهتموا باختيار أجودها وأصلحها وأصحها، ويغلى اللبن أو كل ما هو أشبه به من الأطعمة أو وضعه فوق النار قبل تقديمه للأطفال بل لطالما رأينا الآباء العقلاء بعيدي النظر لا يفتأون يغلون اللبن أو الماء قبل إعطائهم لأصبيتهم - ثم لا ننس وجوب تغيير الأطعمة والأوان الأطعمة وألوان الأكل وتنويعها من حين إلى حين كما تقتضيه فصول العام وتستوجبه اختلافات الطقس والهواء.
ويجب أن يقدم إليهم في كل يوم لون من الفاكهة أو نوع من الحلوى. وينبغي أن تكون المآكل في منتهى البساطة دون أن ينقصها التنويع والتغيير ثم ينبغي للأطفال الدفء في الشتاء والاشتمال بالثياب الباعثة عليه والتخفف منها في الصيف والارتداء بالثياب المناسبة له الصالحة لجوه ولاغناء عن تغيير ثياب النوم عند تغيير كل فصل أو مرحلة من العام، ولا بد من أن يكونوا في وقاء من تقلبات الطقس أو من التيارات الهوائية عند النوم وهبات الرياح في الشتاء وأيام البرد ثم لا ينبغي إذا كفلت للأطفال مستلزمات الرياضة في الهواء الطلق والنسيم العليل أن يحمل على الأطفال بالتعب ويطلب منهم الإجهاد والاستمرار حتى يدركهم اللغوب بل يجب أن تحترم رغبتهم في الراحة وينزل عن طلبهم عند الجهد والكلال. فإذا رأيت الطفل قلقاً باكياً أو نحو ذلك، فانتظر وتحر السبب لعل الباعث هواء الحجرة أو خلوها منه أو درجة الهضم عند الطفل أو فساد معدته. فإذا ألمّ به ما يلم بالأطفال من الدعكات الانحرافات فعليك استشارة الطبيب للتو والساعة وإنفاذ وصاياه ووصفاته مراعياً الدقة التامة والحذر الشديد، وينبغي لك العناية بأسنان الطفل من الحين إلى الحين والنظر إليها وتقفقد شئونها وحالاتها ثم فحص عينيه وجميع أطراف بدنه وأطراف جثمانه فإذا تيسر لك الوقوع على طبيب تستطيع أن تسترشد به في أمر تربية طفلك فلا تن عن الاسترشاد به والركون إلى نصائحه. وإذا أمكنك الحضور إلى محاضرات التربية والجلوس إلى مذكرات التمريض ودروس الإسعافات الوقتية وما إليها من الدروس التي تلقى على الجماهير لتدريبهم على مستلزمات الصحة فافعل ولا تتأخر وادخر لك إذا استطعت كتاباً أو دليلاً من الكتب الطبية التي وضعت لإرشاد الآباء خاصة.
وبد فإنه لا يتسع المقام هنا للاستطراد في ذكر وجوه عديدة من شرائط العناية بالصحة ولا استيعاب هذا الباب برمته. ولكن إذا كنت قد أدركت روح هذه التعاليم التي بسطناها لك فقد سهل عليك أن تجد لنفسك ما يلزم للطفل من العناية البدنية وما يجب وما يصلح. واعلم أننا نريد في جميع أجزاء هذا الكتاب الذي توفرنا فيه على حشد مبادئ التربية الحديثة أن نفهم الناس أن الوالد الذي يهمل أمر الصحة أو يغفل أمر الخلق إنما يهمل بذلك الصحة والخلق معاً.
الأدوار الأربعة للحياة
الآن وقد بسطنا لك المبادئ الأولية في التربية فنحن مستطردون إلى الطرائق الواجبة لها. ومن هنا يصح لنا أن نقسم التربية إلى أربعة أدوار - فالدور الأول - من وقت الميلاد إلى سن الثانية ومنتصف الثالثة. - والدور الثاني - في هذه السن الأخيرة إلى السابعة - والدور الثالث - من السابعة إلى الربيع الواحد والعشرين أو حواليه والدور الأخير من ثمت إلى السنين التالية.
ففي الدور الأول - إذ يكون الطفل عاجزاً عن الإدراك - لا سبيل عليه لا من ناحية تكوين العادات المحمودة. وأما الدور الثاني إذ يكون قد أصاب قسطاً من الإدراك يكفل له فهم أوامرك. فلا سلطان لك عليه إلا من ناحية الطاعة. وفي الدور الثالث حيث يكون الصبي قد تهذبت قواه العقلية وعرف ضبط نفسه ليكن رائدك الحث ومقصدك الأول الحض والترغيب وإن كانت الإرادة الشخصية هي الباعث الأكبر على الصلاح في هذا الدور الثالث.
والذي قصدنا إليه من وضع هذا الكتاب لا يتعدى بسط المبادئ الرشيدة الواجبة للأدوار الثلاثة الأولى وأما الدور الأخير فلا سلطان لنا عليه.