مجلة البيان للبرقوقي/العدد 49/الإسبراتيواليزم
→ نابليون في منفاه | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 49 الإسبراتيواليزم [[مؤلف:|]] |
حول نهضة السيدة المصرية ← |
بتاريخ: 1 - 6 - 1919 |
(3)
جمعية الأبحاث النفسانية
كان من أثر مسعى أولئك البحاثين الذين بسطنا لك تاريخهم في العددين الماضيين أمثال الوسطاء هوم وستانتون وموسى وغيرهم، ومن جراء تأثير المجلات والعدد العديد من الكتب والأسفار التي خرجت في هذا العلم والأبحاث التي تسوقها الصحف، والشواهد التي تزجيها الجرائد السيارة، أن أصبح موضوع الإسبراتيواليزم مشغلة المشاغل في بلاد البريطان، حتى أن كثيرين من سادة العلم وأبطال الأدب والفكر والفنون الرفيعة راحوا يهتمون به ويعقدون عليه الأهمية الكبرى، وحتى قال العلامة سير جوبك من أكبر أساتذة علم العلم الحديث أن من أكبر الفضيحة للعلم الحديث وأغرب المناقضة له أن يجتمع هذا الفريق العظيم من الثقات وأساطين المفكرين والعلماء على الاعتراف بهذه الظاهرة الروحانية ثم تظل هذه الفكرة باقية لم يعترف بها من الجميع أو لم تدحض دحضاً تاماً لا قائمة له بعدها، ولهذا تبين للقوم أن الحاجة ماسة إلى إنشاء جمعية علمية للبحث في هذا الموضوع وتقصيه وفحص بيناته وشواهده، ومن هنا انتدى جمع من العلماء والأبطال عام 1882 بالذكر منهم السير وليام بارت والعلامة سرجوبك ومستر أدموند جرف وجمعا من الوسطاء الروحانيين فأسسوا جمعية الأبحاث النفسانية، وبدأت تلك الجماعة تضع نصب أعينها البحث في التنويم المغناطيسي ونقل الفكر والظاهرة الطبيعية للإسبراتيواليزم ومحاضرة الأرواح، وقد دونوا نتائج أبحاثهم في خمسة وعشرين مجلداً وخمسة عشر سيفراً من صحيفتهم التي يصدرونها وقد تعاقب على رئاسة تلك الجمعية كثيرون من الأساطين في العلم من أمثال مستر بلفور وهنري برجسون وهو النجم المتألق اليوم في سماء العلم - والسير ويليام كروكس والأستاذ ويليام جيمس والكاتب الطائر الذكر أندرو لانج وللعامل العلم السير أوليفر لودج.
وهذه الجمعية لا دين لها خاص بها ولا عقيدة معينة، إذ لكل عضو من أعضائها دينه وعقيدته، وفيهم العقليون الذين يشكون في كل شيء بجانب المؤمنين الذين يؤمنون بكل شيء، على أننا نقول أن السواد الأعظم من أعضائها يؤمنون بصحة (التليباتي) أو انتق الأفكار من ذهن إلى ذهن، بل إن فريقاً من أكبر رؤسائها وأبطالها قد مضوا غي عقيدتهم بعيداً وذهبوا إلى القول بأن كثيراً من الظواهر تثبت صحة وجود أذهان وأرواح بلا أجسام تطوف حول الكون. وقد كان الفضل أو السبب في هذا الاعتقاد يعود إلى الوسيطة الأمريكانية الطائرة الصيت مسز بايبر وهي التي ظل أعضاء الجمعية يستخدمونها في أبحاثهم مدة ثلاثين سنة.
ومسز بايبر هذه وسيطة منومة أعني أنها تروح في سبات أو حالة أشبه شيء بالذهول ثم تتكلم أو تكتب وهي على تلك الحال، والمظنون أن روحاً من أرواح الموتى تستخدم لسان تلك الوسيطة أو يدها في ذلك أو إن شئت فلك أن تسميها (امرأة مأخوذة ويصعب علينا أن نتجنب الاستنتاج الذي يدل على أن هناك ضروباً من القوة غي رالطبيعية تستخدم تلك المرأة) فنحن نقول مثلاً أن في أوائل عهد تلك السيدة بهذه الحالة التنويمية جعلت تتكلم على لسان روح محام يسمى مستر بلهام وكان معروفاً في حياته لدى العلامة هودجسون من أكبر أعضاء تلك الجمعية. وقد جلس الأستاذ هودجسون إلى تلك السيدة عدة جلسات وقدم إليها أكثر من مائة وعشرين شخصاً مختلفين ومنهم كثيرون من أصدقاء بلهام وهو على قيد الحياة وذكروا للمسز بايبر بأسماء مختلفة إخفاء لأسمائهم الحقيقية عنها فجعلت الروح تتكلم على لسان مسز بايبر تعين أصدقاءها من هؤلاء الأشخاص وتذكرهم بأسمائهن وتعين ألقابهم وتخاطبهم بلغة الصداقة التي كانت في الحياة تكلمهم بها.
وقد حدثت مسألة غريبة في بابها في هذا الشأن وهي أن تلك الروح عجزت أن تتبين شخصاً من أولئك الأشخاص أول الأمر مع أن الشخص المذكور كان سيدة وهي كانت تعرف بلهام في حياته ولكن ظهر أخيراً أنه كان يعرفها وهي فتاة صغيرة وأنها لم تجلس إلى مسز بايبر إلا بعد موته بخمس سنوات وقد كبرت بالطبع في خلال هذه المدة الطويلة وتغيرت كثيراً واستحالت معارفها ولذلك لم يكن عجز الروح عن معرفتها غريباً ومستحق الدهشة والعجب ولكن لما ذكرها الأستاذ هودجسون بقوله. هل تتذكر مسز وارنر؟ وكانت هذه هي أم السيدة وصديقة من صواحب المحامي المتوفى بلهام. لم تلبث أن قالت الروح. هل أنت ابنتها دعها تتذكر الكتاب الذي أعطيتها إياه لتقرأه ثم ذكر عدة أحداث وبينات أدركتها السيدة وتذكرتها وعلمت صحتها.
هذه الحادثة منفردة في نوعها ولها معان ومظاهر كثيرة فإننا لو قلنا بأن هذا نوع من التليباتي أو انتقال الصور الذهنية من ذهن الشخص إلى ذهن الوسيط لاستطاع الوسيط أن يعرف اسم الشخص بكل شسهولة كما عرف أسماء سائر الأشخاص ولو كان هذا مظهراً من مظاهر انتقال الصور الذهنية قلنا أن نسأل وكيف عرفت الشخصية الثانية التي تتكلم بها الوسيطة أي بلسان المحامي بلهام أصدقاءها من بين الجمع، وينبغي أن نقول هنا أن مسز بايبر الوسيطة لم تكن من صواحب المحامي المتوفى، وإنما التقت به بضع دقائق يوم كان على قيد الحياة، ولهذا لا يحتمل أن تكون مسز بايبر عليمة بأصدقاء المحامي وجميع معارفه.
وقد كان الأستاذ هودجسون في أول الأمر إزاء هذه الحادثة شاكاً مستريباً منكراً غير مصدق، وكان أول من أراد أن يبحث عن سر هذه المخادعة لأنه حسبها خدعة يومذاك، ولكن الحقائق جعلت تصدعه وتدهشه، وجعل يجلب للوسيطة غرباء ويسميهم بأسماء مستعارة، بل أدى به الولع بإظهار الحقيقة أو كشف السر إلى أن جاء بقوم مقنعين، وكذلك لبث عدة سنوات يبحث فيها ويستخدم في سبيل بحثه مسز بايبر حتى اقتنع آخر الأمر بصحة المناجاة، وجواز مخاطبة الأرواح.
ومن الوسيطات المشهورات التي شغلت زمناً أذهان العلماء وجلس إليها أمثال سير أوليفر لودج وسير وليام كروكس نذكر سيدة أخرى تدعى تومبسون ولعل خير ما في أمرها أنها لم تكن مأجورة أو تطلب مالاً من المناجاة وكانت النتائج التي ظهرت من ناحيتها مدهشة مقبولة طيبة، فمن بين الرواح التي جعلت تتكلم بواسطتها سيدة تدعى مسز ب فإن هذه الروح مضت تقص تفاصيل عن حياتها في الأرض وتحقق القوم من صحتها وجعلت تبسط قصصاً وأنباء عن حياتها في هذه العاجلة تثبت حقيقتها لأصدقائها ومعارفها، ولم تكن الوسيطة تعرف شيئاً عن هذه الحقائق عن تلك السيدة مطلقاً، فاستطاع العلماء بهذه الحقائق أن يطمئنوا على أن الموضوع ليس من التليباتي أو انتقال صورة ذهن إلى ذهن آخر.
وإذا انتفى التليباتي جاز القول بإمكان مناجاة الأرواح لأهل الأرض.