مجلة البيان للبرقوقي/العدد 48/أبهة الملك
→ أبطال الحرية | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 48 أبهة الملك [[مؤلف:|]] |
القاتل الرحيم ← |
بتاريخ: 1 - 5 - 1919 |
ترجمها من الإنكليزية الشاعر محمود عماد
قال شكسبير على لسن الملك هنري الخامس لما أن سمع سخط الشعب عليه في معركة (أجنكورت):
عند الملك نفتقد حياتنا ورفاهتنا. وفي ذمته نودع أرواحنا وأشخاصنا ومن خزانته نطلب وفاء ديوننا، وعلى عاتقه نلقي مسئولية جرائرنا وآثامنا، وليس للملك لقاء ذلك إلا الخضوع والخنوع!!.
فيا لها من شروط باهظة تطالب بها أبهة الملك وحدها، ويالتعاسة هذه الأبهة التي تستهدف للعنات الأنانيين الذين لا يتململون إلا من آلامهم الشخصية.
الأبهة هي الميزة الفذة التي ينماز بها الملك عن شعبه، بينما ينماز الشعب عن ملكه بميزات كثيرة لا يحيط بها العدد.
فما عساك تكونين أيتها الأبهة المحسدة؟ ما كنهك وماهيتك؟ ما دخلك وخرجك؟ ولأي ضرب من ضروب المعبودات تنتمين. فلم نر قبلك معبوداً هو أكثر ألماً من عابديه!!
ولعمري كيف استأهلت هذه العبادة؟ وبأي مرقاة موفقة رقيت إلى مستواها السامق السحيق.
ألست سوى مرتبة مبهرجة من الوهم تشع الفزع في قلوب مبصريها فيهابونها وهي من أحل هذه الهيبة تشقى وتتألم؟.
وهل سقيت يوماً عوضاً عن شراب الإخلاص السائغ الاسم الملق الزعاف.
إمرضي أيتها الأبهة الموقرة آءنة ما، وسلي وقارك أن يهبك الشفاء. ثم انظري أترين نار حماك المتأججة تعود عليك برداً وسلاماً إذا رشت بشيء من ندى التبجيل والتعظيم؟؟.
إلا أن الركوع والسجود لا يشيعان ضراً ولا يستقبلان نفعاً!!
بل انظري. . أكنت معيدة إلى ركبتين تثنيان أمام عظمتك وجلالك شفاءهما إذ دب إليهما السقم؟.
كلا ما أحسبك تصنعين أيتها القوة الوهمية الخبيثة التي تعبث براحة الملك وسعادته. .
إني كل. فأنا أعرفك جد العرفان. وأعرف أن زيت التتويج المقدس، والصولجان، والسيف، والتاج الإمبراطوري، والثوب الموشى بالذهب والجوهر والألقاب المنمقة التي تتدفق الملك، والدست الذي يتربع فيه، وتيار المظهر الضخم الفخم الذي يلتطم بين شواطئ العالم، كل هذه - أيتها الأبهة المتطرفة في العظمة - إذا جمعت في شخص واحد، ونامت في سرير واحد، لا يمكن أن تظفر من النوم الهادئ بمثل ما يظفر به العبد الوادع، الصحيح الجسم، الخالي الروع، إذا قصد فراشه وفقد امتلأت معدته من خبز حصل عليه بكده ونصبه!!.
أجل. ما أراها إلا بليلة مظلمة كأنما تجمعت من دخان الجحيم بينما ذلك السوقي الحقير، الذي يتصبب عرقاً طوال يومه أمام عين فوبس (إله الشمس) يظفر إذا نام بليلة هانئة رخيمة تجمعت من ظلال الجنة!!.
وما هو إلا أن يدركه فجر الغد فينهض من سباته ليعضد هايبريون (سائس مركبة إله الشمس) ويعاونه في تجهزي خيله.
وكذلك يمضي سنيه المطردة المتعاقبة في العمل المنتج إلى أن تسكن نأمته ويسكن رمسه.
فلولا الأبهة وحدها لكان هذا العامل المغمور الذي يسلخ نهاره في العمل المضني، وليله في النوم المريح، أسبغ نعمة، وأسمى مكانة من الملك.
وليته يعلم - وما أراه عالماً وهو فرد من أفراد الشعب الذي يستدر رزقه من أخلاف الأمن العام - كم يتكلف الملك من الجهد عند ما يريد نفسه على توطيد دعائم هذا الأمن.