مجلة البيان للبرقوقي/العدد 38/الاشتراكية
→ كتّاب العصر | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 38 الاشتراكية [[مؤلف:|]] |
مختارات ← |
بتاريخ: 1 - 1 - 1918 |
لقد بلغت الاشتراكية اليوم شأناً عظيماً من القوة والمنعة والبأس حتى أصبحت رهيبة الجانب يخشى بأسها ويخطب ودها وأمست الحكومات الأوروبية تتزلف إليها خصوصاً في هذه الأوقات العصيبة المملوءة بالمصائب والمحن.
وويل للحكومة التي تغضب عليها الاشتراكية وتتخلى عن مساعدتها وتناوئها العداء فإنها تسقط لا محالة مهما كانت قوتها وثقة الأمة بها.
ولا عجب فعدد الاشتراكيين عظيم جداً في البلاد الأوروبية، ولا يزال آخذاً في الازدياد، ولا يعلم إلا الله متى يقف نموها.
وقد عثرت على إحصائية يرى منها الإنسان مبلغ قوة الاشتراكية فآثرت نقلها يطلع عليها القارئ، وبذلك يمكنه أن يقدر الاشتراكية حق قدرها، وقد بلغ عدد الاشتراكيين في ألمانيا حسب انتخاب 1907 - 3250768 ولكن منذ ذلك الوقت ذاعت حركة الاشتراكية ونمت وربت وأقبل عليها المريدون من كل أنحاء ألمانيا حتى بلغوا 4238919 في انتخاب سنة 1912 وبلغوا في فرنسا 1106470 وفي النمسا 1041946 وفي انجلترا 338885 وفي بلجيكا 483240 وفي إيطاليا 338885 وفي فنلاندا 316951 وفي سويسرا 100000 وفي الدانيمارك 88721 وفي النرويج 90000 وفي هولندا 82000 وفي السويد 75000 وفي إسبانيا 40000 وفي بلغاريا 13360 وفي صربيا 3056 فيكون مجموع الاشتراكيين في أوروبا 7554290 وفي الولايات المتحدة 442483.
وإلى القراء جدولاً مبيناً فيه عدد النواب الاشتراكيين في كل بلد من البلاد الأوروبية ونسبتهم إلى مجموع الأعضاء النيابيين من كل مجلس:
اسم البلدعدد النواب الاشتراكيينعدد أعضاء المجلسالاشتراكيةفنلاندا8620943 % السويد3616521. 81بلجيكا3516621. 08الدانيمارك2411421. 05لوكسمبورغ104820. 83النمسا8851617. 06فرنسا7658413. 01النرويج111238. 94إيطاليا425088026هولندا71007بريطانيا العظمى406705. 97سويسرا71704. 11روسيا174423. 82صربيا11600. 72إسبانيا14040. 25أما في ألمانيا فقد بلغ عدد النواب الاشتراكيين حسب انتخاب 1912 - 110 فتكون نسبتهم 36 %.
وقد تغيرت هذه النسبة من ذلك الحين تغيراً عظيماً فلا تطابق الواقع الآن في كل البلدان الأوروبية ولكنا أتينا بها لأننا لم نقف على إحصائية أحدث منها.
ولكن قوة الاشتراكية غير آتية من كثرة عدد المتشيعين لها فحسب وإنما هي آتية على الأخص من تمكن رسومها في نفوسهم وقوة تمسكهم بها.
إن كثرة العدد لا تغني شيئاً إذا كانت العقيدة ضعيفة والنفوس غير مشتعلة بنار اليقين ولم نر عملاً عظيماً قام على أساس مكين كالعقيدة المتينة.
إن العقيدة المتينة دينية كانت أو سياسية هي حجر الفلسفة التي تصير الضعيف قوياً والجبان شجاعاً، هي تضرم في النفوس نار الأقدام وتحملها على عظائم الأمور وهيهات أن تقف في وجهها عقبة من غير أن تكتسحها من طريقها أو تعلو عليها ثم تنحدر عنها وهي أشد قوة.
تمنى الاشتراكية العالم بالخير العميم والسعادة التامة والهناء الرغيد والسلام الدائم المبني على المساواة بين الأفراد والأمم وتحاول أن تقضي على أسباب البغضاء والكراهية بإلغاء الملكية الفردية وإحلال الملكية الاجتماعية مكانها وتوزيع الناتج من الأرض وعمل الإنسان على الأفراد بالتساوي.
وهذه النظريات خلابة تروق الأبصار وتعجب بها النفوس الشعرية وتغوي الفقراء والمعدمين، فلا عجب إذا أعجب بها القوم واستماتوا في الدفاع عنها كما يستميت المؤمن في الذب عن دينه، وإذا نحن رأينا صوت الاشتراكية مسموعاً في كل مكان، ولو أن الاشتراكيين لا يزالون الأقلية في كل المجالس الأوروبية كما هو ظاهر من الجدول السابق فنسبتهم في فرنسا 13 في المائة ومع ذلك يحدثون من الشوشرة والضوضاء ما تهزله أركان مجلس النواب الفرنساوي وترتعد له فرائض الوزراء، وكم من مرة سقطت الوزارة الفرنساوية لتخلي الاشتراكيين عنها.
لهذا كانت دراسة الاشتراكية والوقوف على أمانيها وأغراضها وإمكان تطبيقها لا يخلو من لذة وفائدة خصوصاً في هذه الأوقات التي هب فيها الاشتراكيون يزأرون وقد ظنناهم تلاشوا أو ضعفوا بسبب ما أصابهم من الصدمات الشديدة حين إعلان الحرب الأوروبية الحالية، ويحاولون أن يحدثوا أمراً وتأبى حكومات الحلفاء إلا أن تسير في طريقها حتى يقضي الله بما هو قاض ومن هنا أخذنا في درس الاشتراكية درساً تاماً دقيقاً وإذاعة ذلك بين قراء البيان مذ العدد القادم إن شاءالله.
عبده البرقوقي المحامي