مجلة البيان للبرقوقي/العدد 35/جمعية المواساة الإسلامية
→ في شؤوننا المصرية | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 35 جمعية المواساة الإسلامية [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 20 - 4 - 1917 |
ومبرات الإسكندريين
من المشاهدات الطبيعية في الكثير الغالب أن سكان السواحل وأهل المدائن الواقعة على ضفاف البحار أنقى قلوباً وأرق نفوساً وأقرب إلى الخير من البلدان الداخلة في صميم المملكة ولعل ذلك لأن أمواج البحر تغسل عن أفئدتهم عيوبها، وتطهر وجدانهم مما يعرض لها من نقائص الأرض ومعايب الطبيعة البشرية الضعيفة، وعلى هذه القاعدة كان أهل الإسكندرية عظماء النفوس، يستمدون عظمتهم من عظمة البحر الضخم الكبير الذي يلعب عند مربض مدينتهم، وهم أشد حمية وأكبر نهضة. وأكثر براً وأنبل إحساساً من جميع سكان القطر، ولا نعلم كيف يقع القاهريون في الميزان إذا هم وزنوا بأهل الإسكندرية، وأين تكون مبراتنا وجمعياتنا ونوادينا بالقياس إلا مثلها عندهم، وهم لا يألون جهدهم في تهذيب مدينتهم ورفع شأنها، وإصلاح أمرها. ونحن أكسل ما نكون إذا دعينا إلى الخير. أو سؤلنا البر. وقد اقتنعنا من مفاخر المدن بأننا الحاضرة. واكتفينا بأننا العاصمة. وسرنا أننا التخت كأن البلاد الأخرى التي وراءنا فقط في تعداد السكان دكك بالنسبة إلى تختنا المطرب الشجي. وكأننا لم ننسى أننا عجزنا على أن نقيم نادياً واحداً لموظفينا. ونمده بما يطيل عمره. ويثبت قدميه. فلم يلبث شبه النادي الذي ألبسناه - على غير التقوى - أن وأدناه وشيعناه إلى المقبرة التي قبرنا فيها كثيراً من أعمالنا الخيرية ومبراتنا وجمعياتنا. إذ بيعت مقاعده وأثاثه في المزاد. على مرأى المشتركين والأعضاء. على حين لا يني النادي الإسكندري المزهر الكبير يعدو مسرعاً في التوسع والنماء والرسوخ والرقي. حتى أصبح ندوة علمية. وجمعية خيرية. ومدرسة عالية. ومجتمع خير وأدب وصلاح في آنٍ واحد وذلك لأن إخواننا الإسكندريين أشد منا تمسكاً وتلازماً ووحدة، وأندى منا يداً وكفاً، وأرق منا أفئدةً وأرواحاً.
وهذه جمعية المؤاساة الإسلامية، لا تكاد نرى لها أختاً في بلدنا، ولا نشهد لها شقيقة في أي بلد آخر من بلاد القطر، كأن جمعية واحدة لمواساة المساكين اللذين تقطعت بهم أسباب الحياة في مصر، تكفي لأن تطل من ساحل البحر الأبيض على مسكين في الحدود الأخرى من القطر، مع أننا بحاجة إلى جمعيات كثيرة للمواساة، لأننا شعب نصفه من المساكين والفقراء، ولكن حسب الإسكندرية فخراً أنها قامت وحدها بفضيلة المواساة، وتفردت بمحمدة التعزية، وليس ذلك إلا أن ليس بيتنا نحن القاهريين عظماء نفوس وكبار أفئدة، لأن كبار العاصميين مشغولون عن كل شيء بشؤون الحكومة وأحداثها، وأما كبار الإسكندريين فشغلهم الأكبر صالح المدينة، وخير الشعب وهم على رأسهم أمير جليل لا يزال اسمه في الخير والنيل والبر يعدل اسمه العظيم في سجل الإمارة وهو سمو الأمير الجليل عمر بن طوسون فهو لا يفتأ يمد الجمعية بالعون. ويشملها بالرعاية. بعد أن أوقف لها سبعة عشر فداناً من أجود أرضه تربة. ورجل عظيم مثل هذا في بلد واحد يكفي لان يجعل كل سكانها عظماء ثم لا يزال في رئاستها حضرة صاحب العطوفة الإسكندري الصميم محمد سعيد باشا. وهو خير خليق برعاية جمعية طيبة في مدينته التي ولد فيها لمواساة جيرانه ومواطنيه. ولعل أعضائها أبدع عقد من عقود الفضل وأروع قلادة من قلائد الكرم والحمية والغيرة. ووساطة هذا العقد والحبة الساطعة في هذه القلادة رئيسها العامل حضرة إبراهيم بك سيد أحمد وهو رجل خير محمود العاطفة. فياض الروح بمشاعر الرحمة والشفقة والغوث وإلى جانبه رجلٌ من أرق الناس حاشيةً وأعطفهم على الفقراء ومفتقدي العزاء والعون كبداً يكاد يذوب خفة روح، وكرم شمائل، ونعني به وكيلها الفاضل صاحب العزة محمد بك. لك رئيس كتبة الجمرك الإسكندري من قبل ثم هم جميعاً الأسماء الكبيرة المتألقة في الحياة الإسكندرية والشخصيات الظاهرة المتجلية في الشؤون العمومية ولذلك استطاعت جمعية المؤاساة بالإسكندرية أن تعيش وتتقدم وتزكوا ثمارها، بجانب أخواتها الجمعيات الخيرية الأخرى، لأن كل اسكندري كبير هو في نفسه جمعية بر كبرى.