مجلة البيان للبرقوقي/العدد 32/مركز المرأة الإجتماعي
→ مذكرات شبلي شميل | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 32 مركز المرأة الإجتماعي [[مؤلف:|]] |
باب تدبير الصحة ← |
بتاريخ: 20 - 2 - 1917 |
(4)
إن الأمة المصرية على الرغم من رسوخ قدمها في المدينة وعلو كعبها في الحضارة لا تزال متمسكة ببعض العادات القديمة التي أورثتها إياها القرون الغابرة. وهذه العادات غير ملتئمة مع بعضها لاختلاف المصادر التي استقيناها منها وغير منسجمة مع المدينة الحديثة لاندثار الظروف الإقتصادية والبيآت الإجتماعية التي ولدتها وقيام ظروف وبيآت أخرى.
فلا نزال إلى الآن نقابل البنت ساعة ميلادها بانقباض وكسوف بال ونعتبر المرأة التي لم ترزق بذكر عاقراً وإن كان لها من البنات عشر. وكلما كثر عدد بناتها خجلت من نفسها وعيرتها أترابها بذلك ويرثي الناس لحال زوجها كأنه أصيب بداهية دهماء.
ولهذا الشعور أصل تاريخي وذلك أن القبائل المتوحشة التي تعيش على النهب والصيد لا تكسب قوتها إلا بشق الأنفس ولا تحصل منه إلا على القدر الضروري ولا يفيض عن قوت يومها شيء وإن فاض فنزر ضئيل. والمرأة لضعفها ورقة تركيبها عاجزة عن معاونة الرجل في أعمال الصد والقتال. فهي بطبيعة الحال عالة تعيش من كسب غيرها. وبقدر عدد النساء تقل أقوات القبيلة ويشتد الضيق على أفرادها. فلا عجب إذا رغب المتوحشون عن المرأة وكرهوا وجودها وعملوا جهدهم على تقليل النساء بوأدهن.
أما الآن فلا مبرر لهذا الشعور حيث انفتحت أمامنا سبل الحياة ونبذنا الصيد والقتال إلا اللهو أو حرب ضرورية واحترفنا بمهمة أخرى كالزراعة والتجارة والصناعة وتوفرت لدينا طيبات الحياة وأصبحت المرأة قادرة على معاونة الرجل في أعماله بل أصبحت خير معين له كلما سمحت لها العادات والظروف بإظهار كفاءتها.
ولا تلبث البنت تثمر وتنتزع حتى تشعر بضعة مركزها وتمييز أخيها عنها في الحقوق. إن اختصت معه لا تجد لها منصفاً بل ينقلب عليها أبواها يعنفانها وينصرانه عليها ولو كان ظالماً.
يهشان في وجهه ويفرحان بلقياه ويخصانه بلذيذ الطعام وجميل الثياب وهي تنظر إليه عن كثب بحسرة تفتت قلبها من غير أن تجرأ على الشكاية. بل تثور في نفسها وتذرف الدمع غيرة وانكساراً.
وكلما تقدمت في الحياة ازداد مقامها انحطاطاً واتسعت الفروق التي بينها وبين أخيها انفراجاً حيث يذهب هو إلى المدرسة ليتلقى علوماً تثقف عقله وتهذب نفسه وتزج هي في سجن الحجاب فلا تخرج منه إلا إلى القبر. وإن حاولت الهروب والخروج حيث الهواء الطلق والطبيعة الجميلة تعاد إليه مع الضرب والزجر حتى تنصاع وتألف رجلاها القيد فتلازم بيت أبيها غارقة في غياهب الجهالة لا تدري من أمر الحياة ما لا يزيد عن السليقة والإلهام بالشيء الكثير.
تحيا وتموت من غير أن يتعهدها معلم يهذب نفسها ويقوي مداركها. فما أشبهها بالشجرة الشيطاني التي تنبت في الفلاة ولا تجد من يعني بأمرها ويرعاها بالسقي والحرث ويشذب أغصانها ويقوم إعوجاجها فتنمو سقيمة ويأتي ثمرها كالعلقم تعافه النفوس وتتقزز منه الطباع.
وإذا ما بلغت البنت سن المراهقة انقطعت عن الأكل مع أبيها وإخوتها خجلاً من نفسها وشعوراً بضعف مركزها ولأنها في الغالب تتولي بدل أمها خدمة أبيها على الطعام.
والزوجة في أغلب عائلات الطبقة الوسطى لا تأكل مع زوجها وتقوم بخدمته فتناوله الماء وألوان الطعام وذلك إذا لم يكن عنده خادمة أو بنت كبيرة. ولا تأكل عادةً إلا بعد فراغه.
فيا لها من عادة قاسية تكسر أنف المرأة وتذهب بكبريائها وتغرس في قلوب الأبناء احتقار الأمهات والإستخفاف بهن.
للكلام بقية
الدكتور عبده البرقوقي المحامي