مجلة البيان للبرقوقي/العدد 31/باب الأخلاق والاجتماع
→ ../ | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 31 باب الأخلاق والاجتماع [[مؤلف:|]] |
آراء في المرأة ومكانها من المجتمع ← |
بتاريخ: 5 - 2 - 1917 |
مختارات من آراء ليوباردى
لعل أندر الأمور في هذا العصر أن تجد رجلاً ظفر بمدح الناس، وشاع ثناؤه على أفواه الجماعة ولم يكن هو أول مادحيه، ولم يظهر الثناء أول مرة على شفتيه. ولقد اشتدت الأنانية بالناس. وطال التحاسد بينهم، حتى أنك إذا أردت أن تكسب لنفسك اسماً جميلاً، فلا يكفيك أن تقوم فقط بالأعمال الكبار، والمكرمات الجسام، ولكن ينبغي لك كذلك أن تمتدحها أنت وتغالي في الثناء عليها، أو أن تجد لك مطيباً أو بوقاً لا يسكت لحظة واحدة عن تفخيم أعمالك وتعظيمها والصراخ بها في أذان الجمهور، حتى يكرههم بالقحة والجرأة والمثابرة على ترديد جزء منها أو كلها، وأنت فلا يدور في خلدك أن إنساناً سيمدحك إذا أنت لم تستحثه على المديح، أو تغريه بالثناء، فإذا تركت ذلك، ألفيت أكثر الناس ينظرون إليك صامتين واجمين، بل قد يحاولون أن يمنعوا غيرهم من رؤية فضلك. إذن فمن أراد أن ينوه بنفسه أو يسمو باسمه، فلينفض عنه الحياء، وليمسك عن التواضع. فإن العالم أشبه في ذلك بالمرأة، لا تستطيع أن تظفر منها بشيء. لو جنحت إلى الحياء، والصمت والانزواء.
إن أنجع دواء تستشفي به من اغتياب الناس إياك واتهامك والرتع في لحمك، هو الزمن، فإذا عابك الناس بمبادئك، أو تقول في سلوكك، واتهموك التهمة النكراء، فإن خير سبيل لك أن لا تأبه بهم، وأن لا تحفل بسبابهم، وأن تسترسل فيما أنت فيه مسترسل، وتأخذ فيما أنت فيه آخذ، ولذلك لا تلبث حتى تجد الموضوع قد أصبح تافهاً قديماً، والمغتابين المتهمين قد كفوا عنك منطلقين إلى البحث عن فضيحة جديدة لغيرك، وأنت كل ما أظهرت الثبات والمثابرة والإصرار في متابعة سبيلك، غير آبه بالإشاعات. ولا مكترث بالأقاويل ولا تلبث أن ترى سلوكك الذي قد عابوه عليك وشؤونك التي عدوها نزقاً منك وطيشاً ونكراً قد عادوا ينظرون إليها نظراً آخر. ويعترفون بسدادها وحكمتها ووجوبها. وهكذا شأن الناس أن يعودوا آخر الأمر إلى آراء الذين يصرون على متابعة سبيلهم، وينحازون إلى مبادئ العنيدين منهم، ومن هنا ترى الضعفاء يعيشون كما يريد العالم، وأما الأقوياء فكما يريدون هم ويشاءون.
لا يخجل الناس من الأذى الذي يحدثونه أو يصيبون به غيرهم، وإنما أكبر خجلهم من الأذى الذي يصيبهم، فالسبيل الأقوى لإخجال المسيئين وفضح الأشرار. أن تكيل لهم بصاعهم.
إذا أردت أن تعلم مقدار الحب الذي وضعته الطبيعة في فؤاد الإنسان لأبناء جنسه، فعليك أن تنظر ماذا يفعل الحيوان أو الطفل الرضيع إذا لمح صورته في المرآة، إذ يظنه في الحال مخلوقاً مثله، ولهذا يجن جنونه، ويبلغ منه الغضب مبلغه، فيحاول جهده أن يؤذي هذا المخلوق الذي يطل عليه أو يقتله، أما الأطيار الأليفة الداجنة، على فرط رقة طبيعتها ونعومة أظافرها، فتلطم صفحة المرآة مغضبة، وتقذف بنفسها فوقها حانقة، ضاربة بأجنحتها، عارضة بمناقيرها، وأما القرد فيرمي بالمرآة إلى الأرض، ويحطمها تحطيماً، إذا مكنته الفرصة من ذلك.
إذا قدموك إلى إنسان للتعرف به، فدع المعرف - إذا أراد حقاً أن لا يسيء إليك - أن لا يذكر شيئاً عن أكبر فضائلك، وأخص مزاياك ومواهبك، بل حسبه أن يقتصر على العرضى من شؤونك، والدنيوي من صفاتك، فإذا كنت ذا جاه عريض في الأرض، فليقل ذلك ولا يزد، وإذا كنت غنياً. فعليه أن لا ينسى ذكر غناك، وإذا كنت عظامياً شريف الأعراق فليذكر عظاميتك، ولكن إياك أن تأذن له في الكلام عن عظمة روحك، ونبل وجدانك، وفضائلك، أو نبل أدبك أو رقة حاشيتك، اللهم إلا قليلاً، أو من باب الإضافة إلى صفاتك العرضية الأخرى، أما إذا كنت أديباً وكنت قد ظفرت بالشهرة والصيت البعيد، فلا تدعه يمدحك بروعة معانيك. وبلاغة أساليبك، واتساع معارفك، وعمق تفكيرك، وجلال نبوغك. بل حسبه أن يقول عنك مشهوراً لأن الكفاءة في هذا العالم للشهرة لا للفضل.
في كل بلد من بلاد الدنيا، وكل إقليم من أقاليم العالم، نرى الناس يعدون النقائص العامة والشرور الطبيعية التي تشترك فيها الإنسانية كلها، معائب خاصة مقصورة على بلدهم وحده، فما نزلت أرضاً إلا رأيت أهلها يقولون هنا النساء صلفات متقلبات، جاهلات، قليلات الأدب، والناس في بلدنا هذا فضوليون ثرثارون، مغتابون، نمامون. هنا السلطان للذهب، والنفوذ للوساطة، والقوة للدناءة واللؤم. هنا يسود الحقد، ويستبد الحسد، ولا تصفو الصداقة، ولا يخلص الود، وهلم جراً.
كأن الحال ليست كذلك في البلاد الأخرى، وهكذا ترى الناس فاسدين لؤماء، بالضرورة والحاجة والقصد، ويأبون إلا أن يعتقدوا أنهم فاسدون لئام. عرضاً وصدفة واتفاقاً. . .
مركز المرأة الإجتماعي
3
أتينا في المقالين السابقين على مجمل أحوال المرأة في مختلف الأمم والشعوب المتمدنة وغير المتمدنة توطئة لما سنتكتبه على المرأة المصرية ولفتاً للقارئ إلى بعض عاداتنا ومنزلة المرأة عندنا من الرقي والإنحطاط.
ولما كانت المدنية الإسلامية هي المدنية السائدة في بلادنا المصرية فلا يسعنا الكلام على مركز المرأة المصرية من غير أن نتكلم على حقوق المرأة في الإسلام.
انتشل الإسلام المرأة العربية من وهدة الإنحطاط التي كانت فيها ورفع عن كاهلها كثيراً من المظالم ورد إليها بعض حقوقها المسلوبة وصعد بها إلى مستوى الإنسانية وخولها حقوقاً لم تحصل عليها بعد المرأة الأوروبية. وكفاه مجداً وفخراً أن انقضى على العادة الوحشية عادت وأد البنات التي لا تزل الإنسانية تقشعر منها فزعاً وتذوب منها ألماً وكمداً كلما مر بخاطرها ذكراها. وقرع الناس أشد التقريع على حزنهم وانقباض نفوسهم حينما تولد لهم بنت.
ولم يهمل الدين الإسلامي شأن المرأة ولم يقض بفناء روحها بعد الممات بخلاف بعض الأديان الأخرى بل اعتبرها مثل الرجل وفرض عليها من الواجبات الدينية ما فرضه عليه وأعد لها في الآخرة من النعم والعذاب ما أعده للرجل.
وأوصى الإنسان خيراً بوالديه على السواء فلم يميز الأب عن الأم بل على العكس خصها بالنصيب الأوفر من الرعاية والإحترام وزاد من قدرها حتى جعل الجنة تحت أقدامها.
وسبقت الشريعة الإسلامية الشرائع الأخرى في منح الزوجة حق الإرث عن زوجها مع أنه إلى يومنا هذا لا تزال بعض القوانين الأوروبية تنكر على الزوجين حق التوارث بينهما ولم تحرم الشريعة الغراء البنت من أن ترث أبويها وأقاربها في العقار المنقول على حد سواء.
غير أن الشرع الإسلامي لم يسو بين المرأة والرجل في مقدار الإرث بل ميز الرجل وجعل نصيبه ضعف نصيب المرأة وقدم في الإرث الأقارب الذين ينتسبون إلى الميت برجل عن اللذين ينتسبون إليه بإمرأة.
ولكن من جهةٍ أخرى أنصفت الشريعة الإسلامية المرأة حيث قضت على الرجل أن ينفق على زوجته ولو كانت غنية وأن يقوم بأداء كل ما تحتاج إليه ولم تكلف المرأة بخدمة زوجها ولا بالقيام بأي عمل من الأعمال إلا إذا كان ذلك برضاها وعن طيب خاطرها.
وقد عمم الفقهاء قاعدة لإرث في كل شيء حتى في الدية والشهادة فقرروا أن دية المرأة نصف دية الرجل وإن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل بل ذهبوا في الشهادة إلى أبعد من هذا حيث قالوا إن شهادة المرأة وحدها غير كافية إلا فيما هو خاص بالنساء كالحيض وما أشبه وفيما عدا ذلك اشترطوا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أي أن شهادة أربع نسوة غير كافية في نظرهم.
ولا ينعقد الزواج إلا بإيجاب وقبول من الزوجين غير أن للرجل دون المرأة أن يحل عقدة الزواج ويطلّق زوجته بغير رضاها.
والرجال قوامون على النساء. بيدهم الأمر والنهي وعليهن الطاعة والانقياد إلا فيما حرمه الله. فإن عصين فلهم حق تأديبهن ولو بالضرب ولكن الضرب البسيط الذي لا يترك أثراً على الجسم. وعلى النساء أن يلتزمن بيوتهن ولا يخرجن بغير إذن إلا إذا كان ذلك لزيارة آبائهن ومحارمهن بحيث لا تزيد الزيارة عن مرة واحدة في كل شهر بالنسبة للآباء وعن مرة في كل سنة بالنسبة للمحارم الآخر.
وهذه الرآسة قاصرة على الشؤون الزوجية. فلا سلطان للرجل على المرأة فيما هو خاص بإدارة ثروتها فلها أن تتصرف فيها حسب ما تريد من بيع وشراء ورهن وهبة من غير أن يكون لزوجها حق الاعتراض عليها ولها أن تعين وصية أو قيمة وتوكل غيرها وتتوكل عن غيرها وبالاختصار لها كل الحقوق المدنية التي للرجل بخلاف المرأة الأوربية التي لا تتمتع من الحقوق المدنية إلا بالنذر اليسير ما دامت متزوجة فهي في مرتبة القاصرة أو المحجور عليها لا يسوغ لها أن تتصرف في مالها بدون إجازة وليها وهو الزوج.
وسنرى في ما يلي أن الأمة المصرية وإن اتبعت الشريعة الغراء في كثير من هذه الأحكام إلا أنها ما زالت تغمط قدر المرأة وتعاملها في بعض الأمور معاملة سيئة لا تتفق مع ما اتصفت به من الوداعة واللطف وما لها من المجد المؤثل في المدينة.
الدكتور عبده البرقوقي المحامي