مجلة البيان للبرقوقي/العدد 28/السينما توغراف
→ جبريل داننزيو | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 28 السينما توغراف [[مؤلف:|]] |
مختارات ← |
بتاريخ: 1 - 12 - 1915 |
في الفاتيكان
البابا لم يشهد الصور المتحركة إلا في سنة 1914
لقد عدوها إحدى الغرائب يوم صرح أحد علمائنا بأن التصوير محرم ممنوع شرعاً ولكن أغرب من ذلك أن البابا - الرئيس الديني للمسيحية كلها - لم يكن شهد السينما توغراف حتى العام الفائت، وكان هذا اللهو العلمي البريء قد لحقه شيء من سخط رجال الدين ككل المسائل التي استحقت سخط ساكن الفاتيكان. .
ولهذه الحيلة التي دخلت بها آلة الصور المتحركة هذا القصر الديني الحرام قصة لذيذة نرويها عن أحد الأمريكيين كان قد أنفذ من ناحية إحدى الشركات الكبرى للحصول على عدة صور للبابا أجمعت على إبرازها فوق لوحة السينماتوغراف.
ذلك أنه في فبراير سنة 1913 أنفذ جيمس سلفن من قبل بعض الشركات الأميركية إلى مدينة رومة مزوداً بأموال طائلة وتوصيات عديدة من أساطين رجال السياسة والدين في أميركا، وكان سلفن هذا يعرف عن البابا كراهية شديدة لدور التمثيل وما يتصل بها وإن كثيرين حاولوا أن يظفروا بصورته فخابوا، فلما نزل هذا الرجل رومة وجد أنه يستحيل عليه أن يظفر بطلبته أو بعضها من قصر الفاتيكان إلا إذا حذق اللسان الطلياني، لأن العقبة الكؤود الوحيدة التي كانت تقوم في وجهه هي إفهام البابا أن الصور المتحركة طاهرة بريئة وأنها خليقة بأن لا تنال منه هذه القسوة الدينية المؤلمة، فتوفر على تعلم الطليانية حتى أتقنها، وهنا قامت في وجهه عقبة أخرى وهي كيف يتوصل إلى البابا في حين أن الدخول على ملوك أوروبا كلهم أسهل من اقتحام باب واحد من أبواب الفاتيكان، ففكر في استئذان وزير خارجية الفاتيكان في أن يعرض بعض المناظر الطبيعية والتاريخية أمام البابا ولكي يحصل على مشاهد طبية تستحق عناية البابا ذهب إلى مدينة فينسيا - البندقية - وكانت مسقط رأس البابا فأخذ مشاهد كثيرة من صفوة مشاهدها ثم سافر إلى مالطة فأخذ صورة مجمع كاثوليكي كان منعقداً هناك ثم انحدر إلى بلاد الانجليز فأخذ صورة الملك جورج ثم عاد آخر الرحلة إلى رومة فطلب إلى الكاردينال القائم بمنصب وزارة الخارجية الباباوية أن يقدمه إلى حضرة الرئيس الديني الأكبر لكي يعرض أمامه بعض المناظر الشائقة وك هذا الوزير الكردينال رجلاً متعلماً على شيء من توقد الذهن وحدة الخاطر فسأله أن يعرضها أمامه هو أولاً وكذلك فعل الأميركاني واستطاع أن يظفر بثقة الوزير الأول لخليفة المسيح في الأرض!
وصادق البابا أخيراً على الطلب وكان يوم 11 يونيو من العام المنصرم يوماً مشهوداً في رومة البلد الخالد، واهتزت لهذا الحادث التاريخي العظيم كل دوائر السياسة والعلم وطلب كل عظيم أن يشهد الحفلة التي فيها سيقف الزعيم الديني على إحدى غرائب العلم، ولكن البابا لم يشأ أن يأذن لأحد أياً كان بأن يطأ الفاتيكان وقرر أن تكون الحفلة الأولى مقصورة على موظفي بلاطه الكبير وأن لا يشهدها من النساء إلا أختاه الراهبتان وابنة أخيه ليس غير.
وبدأت الحفلة. .
فتقدم سلفن الأميركي وركع فقبل أطراف ثوب البابا ثم بدأ يخطب وقد أظهر كل عواطف الرجل المتدين فقال إن أعظم منحة يمكن أن تعطي الكاثولكيين في العالم أن يشهدوا صورة زعيمهم المقدس الأكبر وتكون هذه المنحة أكبر تعزية لهم عن آلام الحياة وقسوتها ثم أفاض في هذا المعنى، وابتسم البابا لهذا المديح ابتسامة واهنة وأمر أن تعرض الصور.
فلما عرضت أمامه صورة البلد الذي ولد فيه صفق بيديه طروباً أشد الطرب وهو يصيح - مرحى. . . مرحى. . . إنها لإحدى الغرائب. . . إنها لمناظر متقنة كما لو كنا نشهدها من نوافذ بيوتنا. وظل صاحب الصور يعرضها عليه صورة صورة حتى أدهش الحضور وختم الصور بأن عرض صور إمبراطور الألمان وملك الانكليز وبعض كبار رجال الغرب.
وعاد الرجل بعد هذا الفصل إلى خطبته فقال أن ثلثمائة مليون من الكاثوليك ينتظرون أن يروا عظيمهم وقائدهم وكيف يعيش وظل يتكلم مدة طويلة في حرارة وإخلاص وقد استطاع أن يخفي نيته التجارية وراء برقع الكثلكة والعقيدة الدينية.
وانصرف البابا صامتاً. . .
وانقضت أشهر طويلة ولا جواب. . وسئم الذين في أمريكا غياب رسولهم فطلبوه، ومن ثم سافر وقد خاب الخيبة كلها، ولكنه استطاع أن يقنع الأميركيين بوجوب الانتظار والثبات، وألف شركة بلغ رأس مالها ألوفاً من الجنيهات ورجع إلى العاصمة الدينية الكبرى، فظل ينتقل بين الأندية السياسية الخطيرة ويتعرف إلى رجال الكنيسة، فلما ذاع في أوربا أن شركة أميركية تحاول أن تحتكر صور البابا فوق لوحة السينماتوغراف، أوفدت شركات كثيرة رسلاً لها ومبعوثين لهذا الغرض وكذلك صعبت الوسائل في الحصول على رسوم البابا، وخابت الشركات كلها وأخيراً خطر للأميركي أن يهدي مجموعة ثمينة من المناظر والآلات السينماتوغرافية، ليستطيع رجال الفاتيكان أن يتمتعوا بشيء من اللهو داخل قصرهم، وبهذه الهدية استطاع الرجل أن يظفر بصور البابا وأن يقدم إلى العالم للمرة الأولى في سنة 1914 عدة مناظر لرب الفاتيكان واستطاعت الشركة أن تربح ملايين الجنيهات!!!