مجلة البيان للبرقوقي/العدد 21/عادات أهل التوجو وغرائبهم
→ رجال الحرب | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 21 عادات أهل التوجو وغرائبهم [[مؤلف:|]] |
من هو روتر؟ ← |
بتاريخ: 1 - 10 - 1914 |
يذكر القراء أنه ما كادت تقع الحرب حتى ضم الإنكليز إليهم أرض التوجو إحدى مستعمرات الألمان في (القارة المظلمة) كما تسمى أفريقا عند الأمم البيض، ولما كان أهل التوجو لا يزالون على الفطرة الأولى في كل فروع حياتهم، ولا تزال حالهم كحال الإنسانية جمعاء في العصور الحجرية والطبقات الجيولوجية القديمة، ولا تزال حالهم كحال الإنسانية جمعاء في العصور الحجرية والطبقات الجيولوجية القديمة، فقد رأينا أن نجيء بوصف هؤلاء الناس وشتى عاداتهم، حتى تعرف الإنسانية المهذبة مقدار الهاوية السحيقة الغور التي وثبت من أعماقها، وإن كانت لا تزال اليوم تحمل دليلاً من دلائل الإنسانية المتوحشة، وهي العيش في ظل الحرب!.
أرض توجو - أو كما يسميها الإنكليز توجولاند - إقليم مستطيل يمتد على الساحل الغربي من أفريقيا، بين مستعمرة ساحل الذهب الإنكليزية، وبين مستعمرة داهومي الفرنسية، وهو وإن كان مستعمرة من مستعمرات الألمان إلا أن سكانه من الأوروبيين لا يزيدون عن ثلاثمائة نفس، بل لم يكن فيها يوم ظفر بها الإنكليز في بدء الحرب أكثر من اثني عشر ألمانياً كلهم من الموظفين العسكريين والمدنيين بها، بينا يزيد أهلوها عن مليون نسمة.
وهم كاهل البلاد المتوحشة ينقسمون إلى قبائل وشعوب، وكلها لا تزال في مبادئ النشوء الاجتماعي فأما قبائل الجنوب فعلى شيء من المدينة الابتدائية يجيدون ركوب الخيل، ويسترون جسومهم بالقماش ويدينون بالإسلام، أما أهل الشمال فيدينون بالوثنية ويعيشون عيشة أهل العصر الحجري تماماً، جل أسلحتهم القوس والنبال وهذه الأخيرة يطلونها سماً زعافاً، وليس لديهم من السكة ووسائل المعاملات غير الملح، والنساء والرجال حفاة عراة الأبدان، وفي بعض النواحي يستترون بلحاء الشجر أو أوراق الأغصان الناضرة.
ولعل أرق قبائلهم قبيلة الكونوكومبوا وهم وإن كانت الروح الحربية عندهم لم تخرج عن حدود القوس والنبل إلا أنهم قوم شجعان بواسل حتى أن الألمان أنفسهم خرجوا من المستعمرة ولما يضعفوا شوكة هذه القبيلة الباسلة.
وترى منظر الجندي المحارب منهم - كما هو ظاهر من الصورة التي أمامك - لا يقل في الروعة عن منظر أي جندي آخر، يلبس فوق رأسه خوذة تزينها عقود من الخرز والمحار ويعلوها قرنان مستطيلان من قرون الوعل ويشد إلى كتفه جعبة يضع فيها س المسمومة وهي من جلد وحيد القرن (الخرتيت) ومحلات بالخرزات، وهو يكاد يكون عارياً لولا الخرقة التي يستر بها عورته على أن بشرته السوداء المصقولة اللامة لتبدو في أشعة الشمس كبدلة من القطيفة أو الحرير، وتراه يلبس في زنده أساور من الفضة أو النحس إذ يعتقد أن وسوسة هذه الحلي تثير الرعب في قلوب أعدائه.
وأهل توجو جميعاً يعيشون في أكواخ من خشب الأشجار يبنون فوقها طبقة من الطين النيئ والذين يسكنون منهم الجبال يبنون لهم حصوناً تكاد تكون على شيء من الفن، وهم يجتهدون في زراعة الأرض ويخرجون أحياناً منتوجات طيبة من الدخن والقمح، بينا ترى أهل الجنوب والبلاد الوسطى يحاولون أن يظهروا أنهم قد انتقلوا قليلاً من الوحشية المطلقة فيزرعون القطن يصنعون منه موا يستر عوراتهم، وهم مهرة في عمل السلال ونساؤهم حاذقات في صنع الخرز.
وليست أرض توجو كلها طيبة لسكنى الأوروبيين بل هناك نواح منها يغشاها مكروب الملاريا، ومن الأمراض الفاشية بينهم مرض النوم وأول ما ظهر هذا المرض القتال منذ ثمانية أعوام أو تسعةن وهو يفتك بهم فتكاً ولذلك تراهم لا يستخدمون الخيل نهاراً بل يستعملونها ليلاً، لأن ذبابة هذه المرض - المعروفة بذبابة التستسى لا تظهر في الليل وأما بالنهار فيحبسونها في أكواخ يحصنونها من هذا الذباب ويقيمون عليها الحراس.