مجلة البيان للبرقوقي/العدد 16/صفحة من سيرة عمر
→ تاريخ أعضاء الجمعية التشريعية | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 16 صفحة من سيرة عمر [[مؤلف:|]] |
باب تدبير المنزل ← |
بتاريخ: 30 - 4 - 1914 |
كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثال الإمام العادل. فقد كان تقياً زاهداً ورعاً وقد كان شديد السياسة لا يحابى أحداً ولا يراقب شريفاً مشروفاً. وقد كان يلين في موضع اللين ويقسو في موطن القسوة. وكان جريئاً في التشريع ومن ذا الذي يفهم أسرار الشريعة الإسلامية أكثر من عمر، وهو الذي جعل الطلاق الثلاث في لفظ واحد طلاقاً باتاً بعدما كان كالطلقة الواحدة في عهد الرسول ﷺ وعهد أبي بكر بالصديق وصدر من خلافته. وهو الذي أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول الله تحتها بيعة الرضوان في عمرة الحديبية لأن المسلمين بعد وفاة النبي كانوا يجيئونها فيصلون فيقيلون تحتها فلما تكرر ذلك أوعدهم عمر فيها ثم أمر بها فقطعت. وقال المغيرة بن سويد خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ولإ يلاف قريش فلما فرغ رأى الناس يبادرون إلى مسجد هناك فقال ما بالهم قالوا مسجد صلى فيه النبي والناس يبادرون إليه فناداهم فقال هكذا هلك من كان قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً من عرضت له صلاة في هذا المسجد فليصل ومن لم تعرض له صلاة فليمض - ونحن ذاكرون هنا طرفاً من نوادر هذا الإمام العظيم لعل فيها عبرة لمن اعتبر.
روي الزبير بن بكار قال لما قلد عمر عمرو بن العاص مصر بلغه أنه قد صار له مال عظيم من ناطق وصامت فكتب إليه: أما بعد فقد ظهر لي من مالك ما لم يكن في رزقك ولا كان لك مال قبل أن استعملك فأني لك هذا فو الله لو لم يهمني في ذات الله إلا من اختان في مال الله لكثر همي وانتثر أمري ولقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك ولكن قلدتك فاكتب إلي من أين لك هذا المال وعجل، فكتب إليه عمرو: أما بعد فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين فأما ما ظهر لي من مال فأنا قدمنا بلاداً رخيصة الأسعار كثيرة الغزو فجعلنا ما أصابنا في الفضول التي اتصل بأمير المؤمنين نبؤها ووالله لو كانت خيانتك حلالاً ما خنتك وقد أئتمنتني فإن لنا إحساباً إذا رجعنا أليها أغنتنا عن خيانتك وذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني فإذا كان ذاك فو الله ما دققت لك يا أمير المؤمنين باباً ولا فتحت له قفلاً فكتب إليه عمر: أما بعد فأني لست من تسطيرك الكتاب وتشقيقك الكلام في شيء ولكنكم معشر الأمراء قعدتم على عيون الأموال ولن تعدموا عذراً وإنما تأكلون النار وتتعجلون العسار وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة فسلم إليه شطر مالك فلما قدم محمد صنع له عمرو طعاماً ودعاه فلم يأكل وقال هذه تقدمة الشر لو جئتني بطعام الضيف أكلت فتح عني طعامك وأحضر لي مالك فأحضره فأخذ شطره فلما رأي عمر وكثرة ما أخذ منه قال لعن الله زماناً صرت فيه عاملاً لعمر والله لقد رأيت عمر وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تجاوز مأبض ركبتيه وعلى عنقه حزمة حطب، والعاص بن وائل في مزررات الديباج فقال محمد أيها يا عمرو فعمر والله خير منك وأما أبوك وأبوه فإنهما في النار. ولولا الإسلام لألقيت معتلفا شاة يسرك غزرها ويسوءك بكؤها قال صدقت فاكتم على قال أفعل.
قال الربيع بن زياد الحارث كنت عاملاً لأبي موسى الأشعرى على البحرين فكتب إليه عمر بالقدوم عليه هو وعماله وأن يستخلفوا جميعاً فلما قدمنا المدينة أتيت يرفا حاجب عمر فقلت يا يزفا مسترشد وابن سبيل أي الهيأت أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عماله فأومأ إلى بالخشونة فاتخذت خفين. مطرقين ولبست جبة صوف ولنت عمامتي على رأسي ثم دخلنا على عمر فصفنا بين يديه فصعد بصره فينا وصوب فلم تأخذ عينه أحداً غيري فدعاني فقال من أنت قلت الربيع بن زياد الحارث قال ما تتولى من أعمالنا قلت البحرين قال كم ترزق قلت ألفا قال كثير فما تصنع به قلت أنفوت منه شيئاً وأعود بباقية على أقارب لي فما فضل منهم فعلى فقراء المسلمين قال لا بأس ارجع إلى موضعك فرجعت إلى موضعي من الصف فصعد فينا وصوب فلم تقع عينه إلا على فدعاني فقال كم سنك قلت خمس وأربعون فقال الآن حيث استحكمت ثم دعا بالطعام وأصحابي حديث عهدهم بلين العيش وقد تجوعت له فأتى بخبز يابس وإكسار بعير فجعل أصحابي يعانون ذلك وجعلت آكل فأجيد وأنا أنظر إليه وهو يلحظني من بينهم ثم سبقت مني كلمة تمنيت لها أنى سخت في الأرض فقلت يا أمير المؤمنين إن الناس يحتاجون إلى صلاحك فلو عمدت إلى طعام ألين من هذا فزجرني ثم قال كيف فقلت يا أمير المؤمنين أن تنظر إلى قوتك من الطحين فيخبز قبل إرادتك إياه بيوم ويطبخ لك اللحم كذلك فتؤتى بالخبز ليناً وباللحم غريضاً فسكن من غربه فقال أههنا عرب قلت نعم فقال يا ربيع إنا لو نشاء إلانا هذه الرحاب من صلائق وسبايك وصناب ولكن رأيت الله نعى على قوم شهواتهم فقال أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ثم أمر أبا موسى بإقراري وأن يستبدل بأصحابيث.
وكان عمر رضي الله عنه يعس بالليل فسمع صوت رجل وامرأة في بيت فارتاب فتسلق الحائط فوجد امرأة ورجلاً وعندهما زق خمر فقال يا عدو الله أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصيته قال يا أمير المؤمنين إن كنت أخطأت فقد أخطأت في ثلاث قال الله تعالى ولا تجسسوا وقد تجسست وقال وأتو البيوت من أبوابها وقد تسورت وقال إذا دخلتم بيوتاً فسلموا وما سلمت.
ذكر عمرو بن العاص يوماً عمر فترحم عليه وقال ما رأيت أحداً أتقى منه ولا أعمل بالحق منه لا يبالي على من وقع الحق من ولد أو والد أني لفي منزلي بمصر ضحى إذ أتاني آت فقال قدم عبد الله وعبد الرحمن ابنا عمر غازيين فقلت أين نزلاً قال في موضع كذا لأقصى مصر وقد كان عمر كتب إلى إياك وأن يقدم عليك أحد من أهل بيتي فتجيزه أو تحبوه بأمر لا تصنعه بغيره فافعل بك ما أنت أهله فضقت ذرعاً بقدومهما ولا أستطيع أن أهدى لهما ولا أن آتيهما في منزلهما خوفاً من أبيهما فو الله أني لعلي ما أنا عليه وإذا قائل يقول هذا عبد الرحمن بن عمر بالباب وأبو سروعة يستأذنان عليك فقلت يدخلان فدخلا وهما منكسران فقالا أقم علينا حد الله فأنا أصبنا الليلة شراباً فسكرنا فزبرتهما وطردتهما وقلت ابن أمير المؤمنين وآخر معه من أهل بدر فقال عبد الرحمن إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت عليه أنك لم تفعل فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب عمر وعزلني فنحن على ما نحن عليه إذ دخل عبد الله بن عمر فقمت إليه ورحبت به وأردت أن أجلسه في صدر مجلسي فأبى على وقال أن أبي نهاني أن أدخل عليك إلا أن لا أجد من الدخول بداًَ وإني لم أجد من الدخول عليك بداً أن أخي لا يحلق علي رؤوس الناس أبداً فأما الضرب فاصنع ما بدا لك قال وكانوا يحلقون مع الحد فأخرجتهما إلى صحن الدار وضربتهما الحد ودخل عبد الله بن عمر بأخيه عبد الرحمن إلى بيت من الدار فحلق رأسه وحلق أبا سروعة والله ما كتبت إلى عمر بحرف مما كان وإذا كتابه قد ورد من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي عجبت لك يا ابن العاصي ولجراءتك علي ومخالفتك عهدي أما أني خالفت فيك أصحاب بدر ومن هو خير منك واخترتك وأنت الخامل وقدمتك وأنت المؤخر وأخبرني الناس بجراءتك وخلافك وأراك كما أخبروا وما أراني إلا عازلك فمسى عزلك ويحك تضرب عبد الرحمن بن عمر في داخل يفتك وتحلق رأسه في داخل بيتك وقد عرفت أن في هذا مخالفتي وإنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين ولكن قلت هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عز وجل فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع قال فبعثت به كما قال أبوه وأقرأت أخاه عبد الله كتاب أبيهما وكتبت إلى عمر كتاباً اعتذر فيه وأخبرته إني ضربته في صحن الدار وحلفت بالله الذي لا يحلف بأعظم منه أنه الموضع الذي أقيم فيه الحدود على المسلم والذمي وبعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر فذكر اسلم مولى عمر قال قدم عبد الله بأخيه عبد الرحمن على أبيهما فدخل عليه في عباءة وهو لا يقدر على المشي من مركبه فقال يا عبد الرحمن فعلت وفعلت السياط السياط فكلمة عبد الرحمن بن عوف وقال يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد مرة فلم يلتفت إليه وزبره فأخذته السياط وجعل يصيح إنا مريض وأنت والله قاتلي فلم يرق له حتى استوفى الحد وحبسه ثم مرض شهراً ومات.