مجلة البيان للبرقوقي/العدد 13/شذرات من كتاب حديث المائدة
→ نوابغ العالم | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 13 شذرات من كتاب حديث المائدة [[مؤلف:|]] |
اعترافات ده موسيه ← |
بتاريخ: 1 - 10 - 1913 |
5
الريحان
جاءت الفتاة تحمل بين أفنان شعرها وردة وكانت قد بكرت الغداة على البساتين تستنثي نسيم الصبح وعادت بثلاث وردات تلك التي ذكرت ووردتين واحدة على كل وجنة. فقلت لها ذلك بعبارة تناسب المقام فتحولت وردتاها ارجوانتين.
وقلت ما أحببت شيئاً قط حبي الورد وأحب الورد إليّ ذاك الذي كان ينمو حول دارنا فيطل علينا من نوافذنا يحيينا بحمرته ونضرته ونفحته. وإني لأوصي صحابّي وأهل ودي وقرابتي إذا أنا هاج بي الغضب أو ثارت بي لوثة أو جنة أعيت كل مداوية. وأعجزت كل راقية. أن يقربوا من أنفي شيئاً من الريحان تسكن بأذن الله سورتي: وتخمد نار ثورتي. مثلي في ذلك مثل الوحش الذي حدثتنا عنه بعض الصحف في كلمة تحت عنوان رياضة العاديات. وسياسة العاتيات. قالت:
ذلل رائضنا المشهور بحيلته. وأخضع بفضل حذقه ومهارته. أمام جمع حافل من الخلق وحشاً من أفتك الضاريات. فأخرج للمحفل كالغول يكاد يقطع أصفاده. من شدة النشاط والقوة، يخور ويجرجر في تلك السلاسل الوهاجة كما غل الرعد في سلاسل برقة تخال عينيه جمرتين أو شعلتين.
يدير حجاحاه إذا الليل جنه ... شهاب لظي يعشى له المتنور
فأخذ الرائض ورقاً طيب الرائحة فسحقه تحت حوافر الوحش لتذيع رياه ثم جعل ذلك المسحوق في طرف عود وأدناه من خرطوم الوحش فتبدلت في الحال هيئته فاستنشق الطيب بشغف وقوة وحاول أن يمسكه بين شقي حافره. حتى إذا زال الرائض بعمله هذا الريبة من نفس الوحش عقد ريحانة من ذلك الصنف بطرف القضيب وأدناها من الوحش فعملت فيه كالسحر فاغرورقت عيناه بمثل قطرات السحاب وضغط على الريحانة بشفتين رجافتين. ثم وقف بعد ذلك مطمئناً ساكناً ومضى فجلب لرائضه صاعاً من الحنطة ولم يجنح إلى وثب ولا هيج ولا جماح.
أرى بعض الناس يأخذون على الشعراء أنه ليس من شاعر يظهر إلا ويقول في الورد على كثرة ما قيل فيه. لم يأت شاعر منذ برأ الله الخليقة إلا قال في الزهر وأكثر. حتى للذي بدواوين الشعر من حدائق الريحان أكثر بكثير مما بظهر البسيطة. أسمعت بشاعر لم ينعت الزهر؟ أو ليس الشاعر بوق الطبيعة ولسانها. ومفسر الطبيعة وترجمانها. أو العبارة أبلغ أليس الشاعر مرآة الطبيعة وهل تأخذ المرآة شيئاً وتترك شيئاً. هل تراها تعي اليوم ولا تعي غداً. هل رأيت مرآة مضياعاً غير مأمونة. إذن فكيف يطلع الورد في جميع أنحاء الأرض ويتفتح وينضر ويشرق ف كل آن ولحظة ويسكت الشاعر فلا ينطق؟ كيف تلد الأرض بناتها الحسان ولا يصدع البشير؟ كيف تجلو الأرض عرائسها ولا يصدح الشادي؟ كيف تجود الطبيعة وتبخل المرآة؟ كلا! ستشرق الأزهار. وتضيء الأنوار في دواوين الشعراء ما أضاءت وأشرقت في دواوين الطبيعة أعني البساتين - قديمة على الأيام جديدة. لمَ نهاب تكرار القول ولا تهاب الطبيعة. لمَ نضعف عن الإعادة ولا تضعف الطبيعة. لم نمتنع عن النطق بالأفكار، ولا يمتنع الليل عن النطق بالنجوم الدراري، ولا الأرض عن النطق بالعيون والجواري، والجداول والأنهار؟ أنظر إلى الطبيعة أتراها قط ملت أن تتلو النشيد النباتي. وإلى السحاب أتراها قط سئمت أن تتلو الحديث القطري والثلجي؟ ما خلا قط من هذه الصلاة الخفية العلنية شبر في الأرض ولا في السماء. وآمين الطبيعة - أثر كل دعاء_زهرة.